بقلم: ناحوم برنياع
المقاطع التي نشرت من الأشرطة التي سجلها "مخربو" (حماس) في قاعدة ناحل عوز هي مجرد نموذج. لدى الجيش الإسرائيلي يوجد نحو ساعتين من الأشرطة التي توثق السهولة التي حقق بها المخربون السيطرة على منشآت الجيش الإسرائيلي، القتل والإهانات التي اجتازها الجنود والمجندات إلى غزة. كل إسرائيلي يشاهد الأشرطة يرى نفسه كأنه هو أو ابنه أو ابنته كانوا في ذاك السبت اللعين على أرضية المخيم العسكري. مشاهدة الصور أعادت إلى جدول الأعمال السؤال الذي لا يخفف ضغطه منذ ذاك اليوم: أين كان الجيش الإسرائيلي في ذاك الصباح ولماذا يواصل من فشلوا بهذا الشكل الرهيب في حينه إدارة الحرب، اليوم.
في المؤتمر الصحافي الذي عقده غالانت قبل عشرة أيام في وزارة الدفاع، طرحتُ عليه السؤال التالي: في خطاب ألقاه رئيس الأركان في المبكى في يوم الذكرى عاد واعترف بمسؤوليته ومسؤولية الجيش عن الإخفاقات في 7 أكتوبر. متى ينوي هو وآخرون في المنظومة الاستقالة؟
لدي، مثل كثيرين آخرين، تقدير عميق لهرتسي هليفي، لاستقامته، لشجاعته، لقيمه، لجديته. هو احد الضباط الأفضل الذي عرف الجيش الإسرائيلي كيف ينتجهم. لكن الضربة عسيرة على الحمل؛ وكذا الضرر. محقون أولئك الذين يصرخون على نتنياهو، انت الرأس، انت المذنب. لكن المسؤولية لما حصل ويحصل لا تنتهي في رأس واحد.
للرزمة المأساوية التي يسحبها هليفي على ظهره يوجد معنى عملياتي فوري. فمنذ 7 أكتوبر يأتي الجيش إلى المداولات ضعيفا ومطاردا. صوته خفيض أيضا في المداولات على احتلال رفح وكذا في المداولات على الخيار مع السعودية وكذا في المداولات على صفقة المخطوفين. كل الرزمة بكاملها. نتنياهو هو أول من يلاحظ الضعف. سموتريتش وريغف يشمان وينقضان بسرور على الفريسة. الحوار بين لابسي البزات والسياسيين فقد التوازن الذي أتاح لنا اجتياز الحروب في الماضي. عملية اتخاذ القرارات تتشوش. في الفترة الحالية حين يسحب رئيس الوزراء الدولة إلى هوته الخاصة، يكون الخطر اكبر بأضعاف.
بدلا من الجواب على السؤال، اختار غالانت إغداق الثناء على رئيس الأركان. "طوبى لنا في أن من يقود المعركة هو هرتسي هليفي"، قال. سررت انه في هذه الأيام الصعبة يوجد شيء ما يحقق لوزير الدفاع السعادة. تنازلت عن مزيد من الأسئلة.
في فجر يوم أمس، نشر "كابنت" الحرب بيانا عن استئناف المفاوضات. ستفحص أفكار جديدة، وربما أيضا أفكار لوسطاء جدد. البيان كان أساسا خطوة إسرائيلية داخلية، حيال العائلات، حيال المتظاهرين، حيال الأجواء في الشارع. ليس سياسة – بل علاقات عامة. الجوهر لم يتغير: "حماس" مستعدة للصفقة فقط بشرط أن تتضمن وقفا ملزما للقتال؛ نتنياهو مستعد للصفقة فقط شرط ألا تتضمن وقفا للقتال. كل طرف يسعى إلى وهم نصره المطلق و128 مخطوفة ومخطوفا عالقون في الوسط بين الحياة والموت. بكلمات أخرى طالما يوجد الطريق لإخراج السنوار، ومع الفرق، نتنياهو من منطقة راحتهما – لا أمل في الصفقة.
وضع السنوار، اليوم، افضل من وضعه عشية رمضان، حين كانت معارضة الجيش لإخلاء منطقة الفصل أو ما يسمى "محور نتساريم"، ساعد نتنياهو على إحباط الصفقة الإنسانية. هو افضل لأنه لا يوجد في هذه اللحظة نقص حقيقي في المنتجات الأساس وفي الأدوية في القطاع، وإذا كان يوجد فالسكان لا يعلقون الذنب على رفضه. المنتجات توزعها "حماس" أو تباع في السوق الحرة، ضمن أمور أخرى بوساطة تجار اشتروها في إسرائيل.
في تشرين الثاني، كان لا يزال السنوار يتساوم على عدد الشاحنات الوافدة إلى غزة: كان هذا مهما جدا له. منذئذ شطب الموضوع عن جدول أعمال. الرافعة، إذا كانت رافعة، اختفت ولم تعد.
والأساس، المصريون يعطون السنوار ريح إسناد. تقدم الجيش الإسرائيلي على طول الحدود وفي داخل رفح يتعارض ومصالحهم، وكذا المصالح الاقتصادية. فهو يحرج السيسي في الشارع في القاهرة وهو يرد بما يتناسب مع ذلك.
لإسرائيل يوجد سبب وجيه خاص بها للغضب على المصريين: للاقتراح المصري الذي كان يفترض به أن ينتج صفقة كانت صيغتان – واحدة وافقت عليها إسرائيل؛ والأخرى وافقت عليها "حماس". "كان هنا سلوك شرق أوسطي"، كما شرح مسؤول إسرائيلي لمراسلة "يديعوت أحرونوت" سمدار بيري. "يبيعون لكل طرف رواية ويصلون لله أن تنجح". لشدة الأسف، المناورة لم تنجح: كل طرف حبذ التمترس في موقفه. الفشل حول رئيس "الشاباك" رونين بار إلى مسافر مواظب على الخط إلى القاهرة في المسعى لتخفيض مستوى اللهيب.
هذا الأسبوع، نشرت إحدى هيئات البث بأن اللواء احتياط نيتسان ألون رئيس المديرية التي أقامها الجيش للعناية بالمخطوفين يفكر بالاستقالة. النشر فتح جرحا آخر في روح عائلات المخطوفين: ألون هو الجهة الرسمية الوحيدة التي تكن لها كل العائلات الثقة.
نيتسان لا يستقيل طالما كان بتقديره احتمال، حتى لو كان صفريا للوصول إلى صفقة سيواصل أداء مهمته، 24/7، لكن الحل لا يوجد في يديه.
الحرب في غزة يجب إنهاؤها من اجل المخطوفين وليس فقط من أجلهم.
لماذا انقلب
مع نهاية الحرب العالمية الثانية، اقترح وزير الخزينة الأميركية هنري مورغانتو إبادة كل الصناعة الألمانية الثقيلة. فليرتزق الألمان إلى الأبد فقط وحصريا من الزراعة. الاقتراح درس بجدية. في تلك الفترة، اغتصب جنود الجيش الأحمر نساء ألمانيات في الطريق إلى برلين. السياسة كانت مقصودة، بتشجيع من القادة. اغتصب مليونا امرأة أخرى. اليوم، كان مورغانتو وستالين سيكونان مرشحين لأمر اعتقال من محكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
هذا لا يعني أن منظومة القضاء الدولية، اليوم، هي اكثر حساسية لحقوق الإنسان. هذا يعني فقط أن قواعد اللعب تتغير كل الوقت. وكذا مكانة الدول تتغير. فالحصانة التي تلقتها إسرائيل بفضل سمعة جهاز القضاء لديها لم تعد الحصانة ذاتها. كما أن جهاز القضاء لدينا لم يعد كما كان عليه.
"هذا يوم غفران جهاز القضاء الإسرائيلي"، قال لي هذا الأسبوع المحامي ميخائيل سفراد الذي اختص بتمثيل منظمات حقوق الإنسان. النائب سمحا روتمان، محدث الانقلاب القضائي اطلق لشدة المفارقة بيان مشابه: الأوامر لنتنياهو وغالانت، قال، هي 7 أكتوبر جهاز القضاء. لماذا؟ لأن الجهاز فشل؛ السترة الواقية انهارت.
روتمان هو رجل رائع: يذكرني أحيانا بالابن الذي قتل والديه وبعد ذلك طلب علاوة لأنه يتيم.
قرأت بيان المدعي العام في المحكمة، كريم خان. وفتوى محفل الخبراء الذي فحص إعلان المدعي العام وصوت معه بالإجماع. سطحيا، التعليل غير جدي وغير نزيه. فالقرار للربط في دفعة واحدة رؤساء منظمة إرهاب إجرامية ومنتخبي جمهور في دولة قانون، مخزٍ من ناحية أخلاقية وسائب. بقدر لا يقل عن كونه يهدد بشرعية إسرائيل، يهدد شرعية المحكمة.
طاقم من رجال القانون يعمل الآن على إعداد الجواب الإسرائيلي على الدعوى. واللغز الذي يحوم فوق مداولاتهم هو ما الذي حصل لكريم خان، المدعي العام: من اجل ماذا ولأجل من انقلب. الادعاءات نحوه ستكون في مركز الحجج القضائية.
حسب دستور المحكمة يقع على المدعي العام واجب البحث عن مادة مبرئة. عندما يدور الحديث عن إسرائيل، الدولة التي لم توقع على الميثاق الذي بموجبه تعمل العمل، يكون الواجب مزدوجا ومضاعفا. خان، كما ستدعي إسرائيل لم يجر الجهد اللازم.
باتو بنتسودا، المدعية العامة السابقة، قضت بأن للمحكمة الصلاحيات للبحث في أعمال إسرائيل في المناطق. الإسرائيليون منقسمون حول قرارها، بحجج قضائية. بزعمهم خان نفسه اختلف مع قرارها، صراحة أو ضمنا. فقد ادعى بأن في أثناء ولايته سيمتنع عن خطوات صاخبة تبحث عن عناوين الصحف. المحكمة ستكون اكثر تواضعا واكثر حذرا. وهو سيتوقع من الحكومات أن تهتم بنفسها وألا تسعى إلى تدخل المحكمة. "نحن لن نتصرف كمنظمة حقوق إنسان"، يقتبس احد الإسرائيليين قولا سمعه على لسانه.
احد الادعاءات في بيان المدعي العام هو أن إسرائيل دمرت منشآت مدنية في غزة. الحجة المضادة هي انه كان على خان أن يتأكد قبل ذلك من أن المباني موضع الحديث لم تكن أهدافا عسكرية. هو لم يتأكد.
حجة أخرى ضده هي انه كان يمكنه أن يمارس ضغطا على إسرائيل بأن تفتح تحقيقا من جانبها في أحداث الحرب. الخوف من المحكمة كان كفيلا بأن يحفز حكومة إسرائيل لأن تقيم لجنة تحقيق رسمية منذ الآن. هو قال في حينه، انه توجد لإسرائيل أجهزة تسمح لها بالتحقيق مع نتنياهو. ومع ذلك، لم يكلف نفسه عناء التحذير؛ بدلا من هذا هرع إلى الأوامر (لو كانت الحكومة قررت إقامة لجنة تحقيق، لما كانت الأوامر، لكن الحكومة ترفض).
الحجة القضائية بالنسبة للصلاحيات تتلخص في ثلاث نقاط:
1. مسألة صلاحيات المحكمة للبحث في أحداث في الضفة وفي غزة. قرار بنتسودا تناول قضية واحدة وهي حقا لم تحسم.
2. مسألة هل حرب غزة هي نزاع دولي، توجد فيه للمحكمة صلاحيات أم نزاع داخلي بين دولة ومنظمة إرهاب، يوجد على ذلك جدال بين الخبراء.
3. مسألة الحوكمة. المدعي العام ملزم بأن يسمح للدول بأن تستكمل التحقيقات بنفسها. المحكمة لا تتدخل إلا عندما ترفض الدولة عمل ذلك.
عن يديعوت أحرونوت