لا معنى لتلبيس سموتريتش وحده مسؤولية قرصنة أموال المقاصة الفلسطينية.
ولا معنى لإعلانات الإدارة الأمريكية بأن على إسرائيل الإفراج عنها.
إذا كانت أمريكا بقضها وقضيضها لا تستطيع فعل شيء في هذه القضية، التي تبدو جزئية في مجمل القضايا العالقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فما جدوى الزيارات المتكررة للمبعوثين الأمريكيين الذين يعلنون بأنهم يتصدون لقضايا أكبر، مثل تخفيض نسبة القتل والتدمير في غزة، وتحديد سياسة ما بعد الحرب والموصوفة بـ "اليوم التالي".. وبعد ذلك إقامة الدولة الفلسطينية في إطار حل الدولتين.
إن أموال المقاصة التي إدَّعت العديد من مكونات الحكومة الإسرائيلية موافقتها على الإفراج عنها، وألقت مسؤولية الاحتفاظ بها على الوزير سموتريتش، لا يعني فقط التنصل من المسؤولية واستسهال إلقاءها على كاهل وزيرٍ واحد، بل يعني أن قمة القرار في إسرائيل لم تعد حكومة أو مؤسسة قرار، بل تجمّع مليشيات كل واحدة منها تجر إسرائيل إلى خنادقها، وتفرض على الدولة حالة من الفوضى تجعلها غير قادرة على اتخاذ قرار محدد، وإن اتخذته لا تستطيع إنفاذه. وهذه الحالة تشكل خطورة على إسرائيل وعلى الفلسطينيين على حد سواء، فإسرائيل تحارب في غزة والضفة دون تحديد أهدافٍ سياسيةٍ موحدة لهذه الحرب، وتحارب كذلك على الجبهة الشمالية، وتعلن أنها تحارب على ست جبهات أخرى، وكأن سياسة إسرائيل مجرد حروب لا تتوقف.
ورغم ذلك يتصاعد الصراخ من داخلها بفعل الخسائر الهائلة التي تتكبدها في الحرب، وهي ليست مجرد خسائر في الأرواح والمعدات، بل في كل جوانب الحياة العامة في الدولة.
ها هي الان.. تخشى من إتساع نطاق الحرب التي هي المعتدية فيها، وتمثل أمام محكمة العدل الدولية في قفص اتهام، تتلقى تهمة هي الأخطر في هذا العصر، "الإبادة الجماعية والتطهير العرقي"، والأدهى وأمرّ.. أنها تطالب العالم بعد كل ذلك أن يتفهم ويؤيد، وتطالب أمريكا أن تنفق وتمول!.