بقلم: حسان البلعاوي
في المؤتمر الصحفي المشترك، الذي جمع وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس، مع رئيس الوزراء الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى، ظهر يوم الاحد، في مقر الاتحاد الأوروبي في بروكسيل، قال الوزير الإسباني عدداً من الجمل تظهر أهمية اعتراف بلاده بدولة فلسطين والتي تناقلتها وسائل الإعلام.
ولكن في نفس المؤتمر عبر الوزير الإسباني عن انزعاجه الشديد من مقطع فيديو قصير نشره وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتساف على منصة التواصل الاجتماعي X يظهر فيه العلم الإسباني ثم زوجين يرقصان على موسيقى الفلامنكو يتبعهم مقاتلين فلسطينيين خلال هجوم السابع من أكتوبر، وتم كتابة على الفيديو جملة "حماس: غراسياس إسبانيا" ("حماس: شكرا إسبانيا").
ووصف الوزير الاسباني أن هذا الفيديو "فاضح وبغيض وفضيحة ومسيء لأحد رموز الثقافة الإسبانية"
هل هذه هي أول مرة تهاجم الدبلوماسية الإسرائيلية بشكل مباشر ثقافة الدول التي تختلف معها سياسياً؟
الإجابة حتما لا، فإذا عدنا إلى أكثر من 20 عاماً إلى واقعة مباشرة لها علاقة مع بلجيكا حين دعت الدبلوماسية الإسرائيلية الرسمية إلى مقاطعة الشكولاتة البلجيكية فما الذي حدث؟
في عام 2002 كانت بلجيكا على موعد قضية ساخنة أثارت تفاعلاً على مستوى عربي ودولي وهي القضية التي رفعها عدد من ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا ضد رئيس وزراء إسرائيل السابق ارئيل شارون وذلك أمام المحاكم البلجيكية بموجب قانون بلجيكي سابق، تم اقراره من قبل البرلمان الفيدرالي البلجيكي في عام 1999، بناء على مقترح من النائب الليبرالي السابق لوي ميشيل والذي سيصبح لاحقاً نائب رئيس وزراء بلجيكا، وزير الخارجية (وهو والد شارل ميشيل رئيس المجلس الأوروبي) كان يسمح بتطبيق الولاية القضائية الدولية. وطبقاً لهذا القانون كان ممكنا للمتضررين من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية رفع دعاوى ضد مرتكبي هذه الجرائم بغض النظر عن جنسية الضحية أو المعتدي أو المكان الذي يُرتكب فيه هذا النوع من الجرائم.
وكان قبول المحاكم البلجيكية لهذه الدعوى يعتبر في حد ذاته انتصاراً معنويا للضحايا الفلسطينيين ويمثل هذا القرار سابقة إيجابية وخطيرة إذ إنه لم يسبق للمؤسسات القضائية الغربية أن تجرأت على اتهام أي مسؤول إسرائيلي بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية منذ قيام إسرائيل.
وقد نتج عن هذه القضية، ليس فقط أزمة مع إسرائيل والتي كادت تصل إلى قطع العلاقات، ولكن أيضاً مع الولايات المتحدة الأمريكية التي هددت بلجيكا مباشرة بسحب مقر الحلف الاطلسي من أراضيها.
وتحت هذا الضغط غيّر القضاء البلجيكي من طبيعة القرار لتفادي محاكمة شارون، وكان على نائب رئيس الوزراء، ووزير الخارجية الليبرالي لوي ميشيل والذي كان معروفاً بتعاطفه مع حقوق الشعب الفلسطيني، أن يتراجع وأن يدخل في مفاوضات مع إسرائيل لإنقاذ العلاقة معها.
وكما يحدث اليوم مع موسيقى الفلامنكو الاسبانية حدث في فبراير 2003 نفس الامر مع الشكولاتة البلجيكية حيث كان من وسائل الضغط الإسرائيلي على بلجيكا هو فخر بلجيكا أي الشكولاتة، حين طالب القنصل الإسرائيلي في ولاية فلوريدا الأمريكية بمقاطعة الشوكولاتة البلجيكية، والتي من باب المصادفة التاريخية كان الإسبان أول من اكتشفها عام 1528 في أمريكا الوسطى ونقلوها كمشروب إلى الطبقة الأرستقراطية في إسبانيا وأوروبا، لأن الشكولاتة تمثل قوة ناعمة لبلجيكا مثل الفلامنكو لإسبانيا.
والسؤال المطروح اليوم، هل ستحذو بلجيكا والتي زار رئيس وزرائها اليكساندر دوكرو مع نظيره الاسباني بيدرو سانشيز معبر رفح، في نهاية نوفمبر 2023، حذو اسبانيا وتعترف بدولة فلسطين، كما فعلت نفس الشيء منذ خمسة قرون تقريباً مع الشكولاتة؟