تابعنا أمس خطابين جسدا عمق المأزق الإسرائيلي، والذهاب بعيداً عن الخروج منه، نتنياهو صاحب القرار الأول والأخير ولبيد رئيس المعارضة.
نتنياهو لم يتقن الكذب الذي اعتاد عليه أيام عزه وتتويجه ملكاً على إسرائيل، إذ تحدث بلغة الاعتذار عن جريمتين فادحتين وصفهما بالتطورات المؤسفة.. الأولى مذبحة رفح التي راح ضحيتها خمسون مدنياً فلسطينياً حرقاً وأضعاف عددهم من المصابين، والثانية قتل جندي مصري في رفح.
الجريمة الأولى التي اعتبرها حدثاً مؤسفاً يستوجب التحقيق هي من صنع قراراته وإدارته للحرب، فعملية على هذا المستوى ليست اجتهاداً من ضابط أو قائد ميداني، كما أن توقيتها قبل ساعات من محادثات القاهرة التي يفترض أن تتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار والتبادل، وهذا ما لا يريده نتنياهو، عملية كبرى كهذه لا تصلح بلاغة نتنياهو للتنصل منها، والادعاء بإجراء تحقيق شكلي حولها، أمّا الثانية التي أصابت مصر مباشرة باستشهاد أحد جنودها، وهو على أرضها فهو المسؤول المباشر عنها، من خلال مغامرته الطائشة باحتلال المعبر، وثلاثة أرباع خط فيلادلفي، بما يؤدي حتماً إلى احتكاكات مع المصريين، وهذا ما كان يحدث قديماً وها هو يحدث اليوم، ولا ضمانات أكيدة من أن لا يحدث غداً أو بعد غد، فالجنود المصريون لا يهضمون رؤية قاتلي غزة يتراقصون على أقرب خطوط حدودهم.
أمّا خطاب لبيد الذي فكرته الأساسية دعوته لنتنياهو بالاستقالة الفورية والذهاب إلى البيت، فلم يقدم ولو خطوة متواضعة نحو الحل مع الفلسطينيين الذين هم وقضيتهم أساس الصراع بكل أشكاله.
لقد طرح لبيد مسألة الصراع على السلطة في إسرائيل، وكأن ذهاب نتنياهو إلى البيت وذهاب لبيد إلى رئاسة الحكومة، سيوفر المخرج النهائي والدائم لإسرائيل، وكأن لا وجود لقضية تشغل بال العالم كله هي قضية فلسطين، واحتلالها ومنع شعبها بقوة السلاح والاستيطان والحصار والقتل، من حقه البديهي في الحرية والاستقلال.
خطابان ابتعدا كلياً عن منطق الخروج من الأزمات إلى منطق تعميقها وإدامتها، تارة تحت ختم نتنياهو وتارة أخرى تحت ختم لبيد، ويضاف غالباً ختم آخر هو غانتس.
المشهد الإسرائيلي من كل جوانبه يختلف أقطابه على الحكم ويتفقون على اللاحل مع الفلسطينيين وهذا أساس المأزق الذي لن تخرج منه إسرائيل ما دام أقطابها وصاع السياسة والقرارات فيها يفكرون ويتصرفون على هذا النحو.