مقالات مختارة

ليس حدثاً شاذاً | بقلم: أسرة تحرير هآرتس

بقلم: أسرة تحرير هآرتس

«خلل مأساوي»، هذا هو التعبير المغسول الذي اختاره رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لوصف الحدث الرهيب الذي قتل فيه يوم الأحد نحو 45 مواطنا فلسطينيا وأصيب العشرات بمخيم اللاجئين في رفح، كنتيجة لعملية الجيش الإسرائيلي لتصفية مطلوبين اثنين. احتاج نتنياهو عشرين ساعة كي يصدر هذه الصيغة المعيبة التي ليس فيها، كالمعتاد، ذرة اعراب عن الأسف على فقدان حياة «غير مشاركين».
مع الاخذ بالحسبان الأجواء العامة التي تتراوح بين عدم الاكتراث بحياة الفلسطينيين غير المشاركين والفرح لموتهم، وبالتعتيم الإعلامي والطوعي حول حجوم الدمار والتقتيل في غزة، فليس مفاجئا انه فقط بعد نحو ثمانية اشهر من القتال واكثر من 36 الف فلسطيني قتيل، بينهم الاف الأطفال والشيوخ، كشف نتنياهو الوجه البشع لحرب «النصر المطلق». يمكن التقدير أن ليس الأسف العميق هو الذي دفعه لان يرى في القتل في رفح مأساة بل معرفة التهديد على حرية حركته في العالم الكامن في أوامر الاعتقال التي طالب بها المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية هي التي تلزمه بان يبدي قدراً أدنى من الإنسانية، على الأقل من الشفة الى الخارج.
مقلق على نحو خاص التفسير الذي أعطاه الجيش الإسرائيلي للحدث وبموجبه استنادا الى المعطيات الاستخبارية والتخطيط الدقيق للقصف «قدر بانه لم يكن متوقعا ان يلحق ضررا بمواطنين غير مشاركين». اذا كانت هذه هي التقديرات إياها التي أدت حتى الآن الى موت اكثر من 36 الف انسان، معظمهم غير مشاركين، فان هذا هو خسوف متواصل للمستوى الاستراتيجي.
لكن القصف في رفح والمواجهة بين قوات الجيش الإسرائيلي والجنود المصريين على مقربة من معبر رفح، والتي قتل فيها جندي مصري، لا يمكنها أن تسجل كاحداث شاذة تتطلب فقط تحقيقا واستخلاصا للدروس. هي جزء لا يتجزأ ، متوقع وخطير للحرب في رفح، التي جعلتنا نعلق في ساحة دولية فقدت كل ثقة بحكومة إسرائيل، بالجيش الإسرائيلي وبجهاز القضاء الإسرائيلي، وتضع في الخطر استمرار تأييد اهم أصدقائنا في العالم، وبخاصة الولايات المتحدة.
وأخطر من هذا يمكن لحكومة إسرائيل أن تتظاهر بانها لا تتأثر بالضغط الدولي وتخدع مواطني إسرائيل بان بوسعها ان تقاتل وحدها، ولكن بينما هي تواصل الحرب في رفح، فإنها تهدد وجود المفاوضات لتحرير المخطوفين بالذات حين نشأت ربما فرصة أخرى لدفعها الى الأمام. هذه معركة تعتمد على كذب بنيوي يقول ان احتلال رفح سيكون رافعة ضغط على حماس، في الوقت الذي تواصل فيه حماس، رغم الإصابات القاسية التي تعرضت لها، التمسك بموقفها في أن وقف الحرب فقط كفيل بان يؤدي الى تحرير المخطوفين. ان تحرير المخطوفين هو الآن الهدف القومي والواقعي الوحيد المتبقي لحكومة إسرائيل، وهو لا يمكنه أن يكون مشروطا باحتلال رفح، بـ «تقويض حماس» او بـ «إزالة التهديد عن الغلاف».

Loading...