نتنياهو يشاغل بايدن انتظاراً لترامب

بفعل حسابات انتخابية ومصلحية، ربما ترقى إلى مستوى الاستراتيجية، أطلق الرئيس الأمريكي جو بايدن مبادرته التي بدت مفاجئة، لوقف الحرب على غزة، مع وعد بالذهاب إلى محاولة سياسية جديدة تطال القضية الأم في المنطقة، بغية إنعاش الجهد الدولي لمحاولة حلها.

سارع العالم إلى الترحيب بها، واتخذت حركة حماس المحاربة على الأرض موقفاً إيجابياً منها، أمّا نتنياهو، الذي صيغت معظم المبادرة بناء على حاصل جمع مواقفه المتراكمة المتوفرة لدى الوسطاء، فقد تحفّظ في إظهار دعمه لها، وبذات القدر تحفّظ في رفضه الصريح، فلا هو قادر على قول لا قاطعة خشية التناقض مع معظم القادة العسكريين الإسرائيليين الذين شاركوا بايدن في انتاجها، ولا هو قادر على قول نعم قاطعة، خشية انهيار حكومته بعد تهديد صمامات أمانها بالانسحاب منها إذا ما قال نعم.

وبوصف عملي لحالة نتنياهو.. أنه يستخدم مفردة ياسر عرفات الشهيرة التي كان يلوذ بها حين يتعرض لحتمية قول كلمة أمام خيارات محرجة "لعم".

كان عرفات يلوذ باستبدال النون باللام، لكسب الوقت لعله يجد مخرجاً أو لعل التطورات توفر له ما يريحه من "زنقة " الخيارات الصعبة.

نتنياهو اعتمد كلمة "لعم" في موقفه من مبادرة بايدن، غير أن "اللعم" التي استخدمها، توفر له مساحة حركة لا بأس بها، حيث يواصل الحرب قائلاً إنه يدرس مبادرة بايدن، وسيناقش صاحبها بها، وإلى أن يتوصل إلى قرار نهائي في أمرها، يكون قد كسب وقتاً يراه ثميناً لمواصلة الحرب ومحاولة تحقيق ما وصفه بالنصر المطلق.

هو يدرك استحالة تحقيق هذا النصر بمواصفاته التي يتحدث عنها، إلا أن استخدامه لهذا المصطلح المستحيل ينفع لتهدئة نفوس حلفاءه، وتخدير ناخبيه، ومشاغلة خصومه الداخليين.

هذا هو نتنياهو، الذي لم تغيره الحرب وخسائرها الفادحة، ولم تغير إدمانه على موقع رئيس الحكومة حتى لو استمرت الحرب إلى ما لا نهاية، رجل كهذا يمارس ألعابه السلطوية دون أي قدر من التمويه.. سيظل الخطر المباشر ليس فقط على إفشال الجهد الأمريكي لإنهاء الحرب على غزة، بل وعلى كل جهد لا يوفر له بقاءً مدى الحياة رئيساً لوزراء إسرائيل.

هو يراقب جيداً ما يدور في واشنطن من البيت الأبيض إلى الكونجرس إلى الخارجية إلى البنتاغون، لهذا اختار مشاغلة بايدن لعله يسقط والمراهنة على ترامب لعله ينجح، وبين كل هذه الرهانات فحربه مستمرة حتى لو اضطر لهدنة محدودة ومؤقتة.

Loading...