إذا كان يوم الأحد القادم 9 حزيران يوماً هاماً لكافة دول الاتحاد الأوروبي، لأنه سيشهد انتخابات البرلمان، الأمر الذي سينتج تغييراً في المؤسسات التنفيذية للاتحاد الأوروبي، فإنه يتضاعف أهمية لبلجيكا لأنه سيشهد أيضا انتخابات تشريعية شاملة في بلجيكا، وعليه فان هذه الورقة تقدم أولا توطئة عن سير الانتخابات في بلجيكا، يليها توصيف للمشهد السياسي الحالي على مستوى الحكومة والبرلمان، ثم تقديم التوقعات التي تقدمها مؤسسات الاستطلاع والإعلام البلجيكي لسير الانتخابات والنتائج المتوقعة وما سينتج عنها من حكومة جديدة قد يستغرق تشكيلها وقتا طويلا، وتختم الورقة بتعريف موقف الأحزاب السياسية البلجيكية من القضية الفلسطينية.
مقدمة عن النظام الانتخابي
في التاسع من شهر حزيران ا يتوجه الناخبون البلجيكيون البالغ عمرهم 18 عاما فما فوق الى 3 صناديق اقتراع في نفس اليوم وفي نفس المكان لاختيار ممثليهم في البرلمان الأوروبي حالهم بذلك حال كافة مواطني 27 دولة في الاتحاد الأوروبي، في البرلمان الفيدرالي البلجيكي وأخيرا في البرلمانات الإقليمية، والجديد في هذه الانتخابات هذه المرة، هو التصويت للمرة الأولى للشباب البالغ أعمارهم 16 و17 في الانتخابات الأوروبية فقط.
ينتخب البلجيكيون 22 نائبا للبرلمان الأوروبي والذي يبلغ عدد 720 نائبا، و150 للبرلمان الفيدرالي و307 نائبا في مختلق البرلمانات الإقليمية.
يعود التصويت الثلاثي الى طبيعة النظام السياسي الفيدرالي البلجيكي والذي يعطي للمستوى الأول للحكم أي الدولة الفيدرالية للدولة الفيدرالية صلاحيات السيادة مثل الدفاع، والعدل، والأمن، والشؤون الخارجية، وسياسة الهجرة، والمالية، والضمان الاجتماعي، وهذه الصلاحيات تنطبق على جميع البلجيكيين في كافة اقاليمهم
المستوى الثاني في الحكم يرتبط في الأقاليم الثلاثة وهي إقليم فلاندر الناطق باللغة الهولندية، الإقليم الثاني والوني الناطق باللغة الفرنسية والثالث إقليم العاصمة بروكسيل، وتتمتع هذه الأقاليم بصلاحيات مرتبطة مباشرة بالناس وحياتهم اليومية مثل السياسات البيئية وسياسات التوظيف والإسكان والتنقل..
ثم هناك3 مجموعات قومية، المجموعة الفلمنكية، المجموعة الفرنسية والتي أصبح اسمها الرسمي فيدرالية ولوني بروكسيل، والمجموعة الألمانية والتي تدير 9 بلديات ناطقة باللغة الألمانية واقعة في شرب بلجيكا.
هذه الأقاليم الثلاثة والمجموعات القومية الثلاثة هي الكيانات الفيدرالية والتي تقرر سياساتها بشكل ذاتي عن الدولة الفيدرالية ولكل كيان برلمانه وحكومته الخاصة باستثناء الإقليم والقومية الفلمنكية والذين قرروا الاندماج في برلمان واحد وحكومة واحدة.
أخيرًا، هناك مستوى السلطات المحلية المتكون من البلديات والمحافظات والذي يشهد انتخابات مرة كل سته سنوات بحيث ان الانتخابات القادمة مقررة في في 13 أكتوبر القادم.
المشهد السياسي الحالي
تشكلت الحكومة البلجيكية الحالية مساء الثلاثاء 30ايلول 2020 وأدت القسم امام ملك البلجيكيين فيليب صباح اليوم التالي وهي منبثقة من الانتخابات التشريعية التي تمت في 26 مايو 2019 وقد استغرق زمن تشكيل الحكومة 493 يوما وهو ليس الأكبر في تاريخ الحياة السياسية البلجيكية إذا ما ذكرنا الحكومة التي تشكلت عام 2012، بقيادة الاشتراكي اليو دوروبو (الرئيس الحالي لإقليم والوني) حيث استغرق تشكيلها 541 يوما وهو الرقم القياسي حتى الان.
وقد تم إطلاق تسميةVivaldi على هذه الحكومة نسبة لمقطوعة موسيقية شهيرة للعازف الإيطالي Antonio Vivaldi المولود في القرن السابع عشر في مدينة البندقية وتعني الأربعة فصول، أي أربع عائلات سياسية تنتمي اليها 7 أحزاب والتي تشكل الحكومة وهي على الشكل التالي:
العائلة الاشتراكية وتتكون من الحزب الاشتراكي الناطق باللغة الفرنسية PS وله 21 نائبا والحزب الاشتراكي الناطق باللغة الهولندية والذي أصبح اسمه الجديد Vooruit وله 9 نواب
العائلة الليبرالية وتتشكل من حزب MR الناطق باللغة الفرنسية وله 14 نائب وحزب Open Vld الناطق باللغة الهولندية وله 12 نائب
العائلة الخضراء وتتكون من حزب Ecolo الناطق باللغة الفرنسية الخضر وله 13 نائب وGroen الناطق باللغة الهولندية وله 8 نواب
الحزب الديمقراطي المسيحي CDVالناطق باللغة الهولندية وله 12
ويكون بذلك عدد النواب الذين تمثلهم هذه الأحزاب 87 نائبا من 150 نائب وهو العدد الإجمالي للبرلمان الفيدرالي
ولكن هذه الحكومة لا تشكل وحدها المشهد السياسي البلجيكي الحالي فهناك أحزاب فازت في الانتخابات الأخيرة ولها مقاعد في البرلمان ولكنها خارج الحكومة وسيكون لها كلمتها في المشهد السياسي القادم وهي على الشكل التالي:
الأحزاب الناطقة باللغة الهولندية
=NVA حزب يميني قومي وله 24 نائب وهو الحزب الأول في البرلمان هذا الحزب انفصال إقليم فلاندر عن بلجيكا
ـ VB Vlaams Belang حزب يميني متطرف يعادي الأجانب وله 18 نائب
= حزب PDVA اليسار الراديكالي وله 4 نواب
الأحزاب الناطقة باللغة الفرنسية
ـ PTb حزب العمال (يساري راديكالي) وله 8 نواب
ـ CDH الحزب الدمقراطي المسيحي وله 5 نواب وقد أصبح اسمه الان Les Engagés
ـ Défi الحزب الديمقراطي الفرانكفوني وله نائبان
التوقعات
تشير استطلاعات الراي والتي تنشرها اغلب وسائل الاعلام البلجيكية بشقيها الناطق باللغة الفرنسية واللغة الهولندية الى المعطيات التالية والقابلة للتغير في اليوم الأخير:
المعركة الاشتراكية الليبرالية على أشدها
تراجع الخضر واستعادة اليمين الوسط قوته
اليسار الراديكالي حقيقة ثابتة صاعدة وانحسار في الحزب الفرانكفوني
شبح "الأحد الأسود" في إقليم فلاندر
صعود اليمين المتطرف
تقدم الاشتراكين مقابل تراجع الوسط واليمين وانحسار الحضر
أي حكومة قادمة؟
من الواضح تماما وطبقا لكافة الاستطلاعات التي أجرتها مختلف وسائل الاعلام البلجيكية بشقيها الفرانكفوني والهولندي، وعلى كافة الأحزاب في الشطرين ان الحكومة الحالية المكونة من 7 أحزاب والتي يطلق عليها اسم Vivaldi والتي تملك 87 مقعدا على 150 البرلمان، مما أعطاها الأغلبية في تشكيل البرلمان، فان هذه الحكومة وطبقا للاستطلاعات وان صدقت فلن تحصد اكثر من 72 وهذا عدد غير كاف لتشكيل الحكومة القادمة، الامر الذي يفتح الباب واسعا الخوض في مفاوضات بين الأحزاب قد تستغرق شهورا طويلة للوصول الى ما يعرف " بالصيغة البلجيكية "، وفي هذه الاثناء ستسمر نفس الحكومة الحالية تحت بند حكومة إدارة الاعمال، فيما سيكون الأمور اقل تعقيدا في تشكيل حكومات الكيانات الفيدرالية الخمسة، ولن ينعم البلجيكيون بصيف هادي تماما فهم على موعد اخر في الانتخابات البلدية والتي تكون في أكتوبر وستكون مناسبة لكل حزب اما ان يحكم سيطرته او يحاول تعويض ما سيخسره في الانتخابات التشريعية.
الأحزاب البلجيكية والقضية الفلسطينية
ليس من المبالغ به القول ان القضية الفلسطينية، لا تمثل بالنسبة لبلجيكا، جزءا من السياسية الدولية، ولكن تمثل أيضا جزءا من السياسة الداخلية، لما لهذه القضية المشتعلة منذ عقود، من تماس مباشر مع فئات عديدة من المجتمع البلجيكي، بكافة تنوعاته، ومع نخبه السياسية، الإعلامية والثقافية، ولعله ليس مصادفة ان تكون هذه القضية حاضرة في اخر برنامج حكومي بلجيكي تم التوصل الية في حزيران 2020 في الفقرة التالية : " ستتخذ الحكومة المزيد من الخطوات في اتجاه سياسة التميز الثنائي والمتعدد الأطراف فيما يتعلق بالمستوطنات الإسرائيلية، ستعمل على المستوى متعدد الأطراف وعلى مستوى الاتحاد الأوروبي أو، عند الاقتضاء، مع مجموعة ذات مغزى من الدول ذات التفكير المماثل على اتخاذ قائمة من الإجراءات المضادة الفعالة والمتناسبة في حالة قيام إسرائيل بضم اراضي فلسطينية، وعلى اعتراف ممكن، في وقت ( مناسب ) بالدولة الفلسطينية "
واليوم ومع دخول الحرب الإسرائيلية الشاملة ضد الشعب الفلسطيني وخاصة في قطاع غزة شهرها الثامن، ومع اعتراف عدد من الدول الأوروبية بدولة فلسطين، نظمت حركة التضامن البلجيكية مع الشعب الفلسطيني ممثلة بالجمعية البلجيكية الفلسطينية في 22 نيسان الماضي وبالتعاون مع الحركة العمالية المسيحية، اتحاد اليهود التقدميين ومؤسسة CNCD-11.11.11 ندوة جمعن ممثلين عن كافة الأحزاب السياسية البلجيكية الناطقة باللغة الفرنسية وطرحت عليهم 10 أسئلة تتعلق بالحقوق الوطنية الفلسطينية، لمعرفة موقفهم منها.
وكانت الأسئلة على الشكل التالي: هل تعترفون بوجود نظام فصل عنصري اسرائيلي ؟، هل تؤدبون قرار منع التجارة مع المستوطنات الإسرائيلية؟ هل أنتم مع عدم السماح للمؤسسات المتورطة في علاقة مع المستوطنات في التواجد في الأسواق العامة؟
هل أنتم مع فرض حظر عسكري كامل على إسرائيل؟ هل أنتم مع تعليق البعثات الاقتصادية الإقليمية لإسرائيل؟ هل أنتم مع حق مقاطعة إسرائيل؟ هل أنتم مع دعم المجتمع المدني الفلسطيني؟ هل أنتم مع دعم وكالة الأونروا؟ هل أنتم مع عقوبات ضد إسرائيل؟ هل أنتم مع تعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والإسرائيلي؟ وقد لخصت جمعية التضامن إجابات الأحزاب بوجود اتام بين الحزب الاشتراكي وحزب الخضر وحزب العمال مع ما تطرحه حركة التضامن مع فلسطين وهذا تطوراً ملحوظاً مقارنة بحملة 2019، وينضم الاشتراكيون الآن إلى دعاة حماية البيئة والشيوعيين في الاعتراف بممارسة إسرائيل للفصل العنصري ومعارضة البعثات الاقتصادية الإقليمية لإسرائيل.
وعلى العكس من ذلك، يبدوا الحزب الليبرالي بتبني رؤية أقرب للموقف الإسرائيلي، لأنه يرفض كافة مقترحات حركة التضامن رفضاً قاطعاً. وبالإضافة إلى استبعاد أي إجراء يمكن أن يساهم بأي شكل من الأشكال في تعزيز الضغوط على تل أبيب، فمن الصعب أن نجد فيه أدنى تعاطف مع الشعب الفلسطيني، الذي يدعي مع ذلك أنه يعترف بتطلعاته المشروعة.
وفيما يتعلق بالسؤال المتعلق بدعم المنظمات غير الحكومية الفلسطينية التي تضهدها إسرائيل، يجيب الحزب الليبرالي بالنفي، متبنيًا، على ما يبدو، الرواية الإسرائيلية التي تصفها بالمنظمات الإرهابية.
إن حماسة حزب اليمين تذهب إلى حد دفعه إلى مخالفة مواقف وزيرة خارجيته، حاجة الحبيب خاصة فيما يتعلق بالحاجة الملحة إلى ضمان تمويل الأونروا
في وسط المشهد السياسي البلجيكي، يظهر الحزب الفرانكفوني DEFI اقل اندفاعا تجاه إسرائيل مما يطهره بعض رموزه المؤيدين لإسرائيل، ولكنه في المقابل يطهر استعداد لاتخاذ إجراءات مضادة ضد إسرائيل، في حين أنها مترددة في احتمال أن تفرضها بلجيكا بمفردها. ويبدو أن هناك نهجًا معينًا في مجال حقوق الإنسان، وهو ما يتجلى بشكل خاص في دعمه للمجتمع المدني الفلسطيني والأونروا.
واما بالنسبة لحزب les Engagés، فيسود الحذر، حيث يجيب ممثليه بوضوح على نصف الأسئلة فقط. ومن بين هذه الاقتراحات، هناك قضيتان بالإيجاب، تتعلقان باستبعاد الشركات العاملة في المستوطنات من العقود العامة، والحظر العسكري الكامل ضد إسرائيل (ولكن ضمن إطار أوروبي فقط).
ولذلك فإن هذا الشعور مؤيد إلى حد ما لتحقيق العدالة للفلسطينيين الذي يسود في بلجيكا الناطقة بالفرنسية. وترجمته سياسياً ستعتمد على التوازنات الداخلية للحكومات المقبلة، وفي داخلها، على قدرة أشد المدافعين عن القضية الفلسطينية حماساً على إعطائها الأهمية التي تستحقها.
على مستوى إقليم فلاندر فالمواقف متشابه للأحزاب التي تمثل امتداد على الساحة الفرانكفونية باستثناء حزبي اليمين القومي واليمين المتطرف والين يدعمون إسرائيل وباستثناء رئيس الوزراء اليسكاندر دوكو والذي يراس حزب Open VLD الليبرالي، والذي وحتى ان اتفق مع حزب MR الليبرالي من الجانب الفرانكفوني، في عدم الموافقة على اعتراف بلجيكا بدولة فلسطين، كما طالبت الخمسة أحزاب من الائتلاف الحكومي، الا انه عبر مرار عن ادانته للعدوان الإسرائيلي، بل حتى زار معبر رفح مع نظيره الاسباني ويدعم دائما وكالة الأونروا وانه يحق لبلجيكا انتقاد سياسة الحكومة الإسرائيلية ويطالب لشكل دائم بوقف اطلاق النار وإدخال المساعدات العاجلة لقطاع غزة.