انتخابات البرلمان الأوروبي، المقرر إجرائها بدءً من يوم 6حزيران وحتى 9 الجاري، من المتوقع أن تشهد تغييرات كبيرة في توازن القوى داخل البرلمان الأوروبي الذي يتألف من 720 عضو يمثلون مختلف الدول الأعضاء في الاتحاد والبالغ عددها 27 دولة التي يتم توزيع المقاعد بينها بشكل نسبي لعدد السكان، بحيث تتنافس قوائم الأحزاب السياسية في كل دولة على عدد المقاعد المخصص لدولها وفق قاعدة التمثيل النسبي.
إن أي تصعيد في النزاعات العالمية والتي يشاهدها العالم اليوم سيكون له تأثير على هذه الانتخابات، خاصة عندما يكون للنزاع أبعاد إنسانية وسياسية واقتصادية عميقة كما هو الحال مع قضايا شعبنا وكفاحه ضد الاحتلال في مواجهة ما يجري اليوم من إبادة جماعية وتطهير عرقي وتمييز عنصري وانعكاسات ذلك على الوضع الدولي.
كما ومن المؤكد أيضاً أن يكون هناك تداعيات وانعكاسات فارقة لما يجري من تصعيد للحرب بالوكالة التي تخوضها أمريكا والناتو في أوكرانيا ضد روسيا وتداعياتها على الأمن والاستقرار للشعوب الأوروبية مع التهديدات الجارية بالاقتراب من نزاع نووي بعد موافقة بايدن وماكرون على ضرب مرافق حيوية داخل الحدود الروسية، إضافة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية وقضايا الهجرة التي أصبحت تعصف بالقارة الأوروبية وسلسلة الاعترافات الجديدة من عدد من دول الاتحاد بدولة فلسطين. هذا إضافة إلى شعور التشكيك باستمرار وحدة كيان الاتحاد الأوروبي خاصة بعد خروج بريطانيا وتصاعد مطالب عدد من احزاب اليمين الشعبوي الأوروبي بذلك.
بالنسبة لنا نحن الفلسطينيون، فإن سياسات الاحتلال الإسرائيلي عادة ما تؤثر على مواقف الأحزاب المشاركة والناخبين بأوروبا. إلا أن ما يجري اليوم ومنذ تسعة أشهر من جرائم وفظائع والتي ما زالت تؤثر على الرأي العام العالمي ومراكز صناعة القرار بشكل غير مسبوق، وخاصة في أوروبا حيث تتنوع المواقف السياسية بشكل ملحوظ نظراً لتعدد الأحزاب ومواقفها تجاه قضايا الاحتلال الكولنيالي الإسرائيلي لفلسطين، لم يدفع الاتحاد الأوروبي الابتعاد عن سياسة ازدواجية المعايير.
في سياق القضية الفلسطينية واجراءات الاحتلال والاستيطان الإسرائيلية:
فالبرلمان الأوروبي يجب أن يُعبر كهيئة تشريعية عن مواقف قوية بشأن حقوق الإنسان والقانون الدولي بشكل عام سنداً لمبادئ نشؤ الاتحاد نفسه، مما يتوجب أن تؤدي مواقفه إلى انتقادات واضحة للجرائم الإسرائيلية ضد شعبنا الفلسطيني وإلى المساهمة الفاعلة في إنهاء الاحتلال ونظام الفصل العنصري.
كما يمكن للبرلمان الأوروبي لاحقاً أن يدعو إلى اتخاذ إجراءات عقابية معينة أو مقاطعة ومراجعة اتفاقية الشراكة مع إسرائيل.
وإلى طلب زيادة المساعدات الإنسانية للفلسطينيين والخروج بمبادرة سياسية تدعم المبادرات الداعية بوضوح إلى حل الدولتين وفق القرارات الأممية وعلى قاعدة حق تقرير المصير لشعبنا وإنهاء الاحتلال أولاً وإقامة دولتنا المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس الشريف، وأن يساهم من أجل وضع آليات تنفيذية لذلك عبر مساهمته في انعقاد مؤتمر دولي بالخصوص وإلى استكمال اعترافات دوله الأعضاء بالدولة الفلسطينية على حدود ما قبل 4 حزيران 1967.
بعض العوامل التي قد تؤثر على الانتخابات البرلمان الأوروبي:
1. زيادة النشاط السياسي: زيادة الوعي حول القضية الفلسطينية والنشاط السياسي بين الناخبين مع الحملات الانتخابية الجارية منذ شهرين، خاصة بين المجموعات التي تدعم حقوق الفلسطينيين والتي شاركت بكافة مظاهر التضامن في الشوارع والجامعات الأوروبية وما زالت. الأمر الذي قد يؤدي برأيي إلى زيادة التصويت للأحزاب التي تتخذ موقفاً صارماً وواضحاً ضد إجراءات الاحتلال الإسرائيلي وممارساته البشعة.
2.الضغط على السياسات الخارجية: الأحزاب التي تتخذ مواقف صريحة تجاه السياسة الخارجية التي تحمل طابع النفاق للإتحاد الأوروبي والمفوضية، قد إستخدمت الأحداث الجارية في فلسطين كجزء من حملاتها الانتخابية لفضح هذه السياسات والمطالبة بسياسات تتسم ومبادئ حقوق الانسان والعدالة والديمقراطية والحريات، مما يؤثر برأيي على الناخبين الذين يهتمون بهذه القضايا وشحذ تأييدهم لقضيتنا الوطنية.
3. التغطية الإعلامية:
التغطية الإعلامية المكثفة للأحداث في فلسطين أصبحت تؤثر على الرأي العام، مما يزيد من التركيز على القضية في سياق الانتخابات ونشر حقائق الحركة الصهيونية وادعاءاتها الزائفة من معاداة السامية وكونها ضحية التاريخ وغيرها، وهذا ما يجب أن يدفعنا إلى زيادة حملاتنا وبرامجنا الإعلامية بلغات الشعوب الأوروبية بشكل دائم.
المؤثرات الممكنة لزيادة مقاعد الأحزاب الصديقة:
العديد من الأحزاب اليسارية في أوروبا تتخذ مواقف واضحة ومبدئية قوية ضد سياسات الاحتلال الإسرائيلي وتدعم حقوق شعبنا الفلسطيني. إن تصعيد جرائم الاحتلال وفظائعه الحالية في فلسطين، وهذا ما يمكن أن يعزز دعم الناخب الأوروبي لهذه الأحزاب في معظم دول الاتحاد بسبب زيادة الوعي والتعاطف مع القضية الفلسطينية، وهذا كان واضحا بالحملات الانتخابية، الأمر الذي يجب علينا الاستفادة منه والبناء عليه. كما أن الناخبين الذين يرون أن السياسات الحالية لحكوماتهم التي تقودها أحزاب اليمين أو يمين الوسط تجاه إسرائيل غير متوازنة أو غير عادلة قد يميلون إلى دعم الأحزاب اليسارية التي تقدم بديلاً واضحا ومواقف متضامنة مع الشعب الفلسطيني وقضايا الحرية بالعالم.
تأثير التشكيلة البرلمانية الجديدة المتوقعة:
1. زيادة قوة اليمين:
- الأحزاب اليمينية، إذا زادت قوتها في البرلمان كما هو متوقع، فقد تدفع نحو سياسات أقل انتقاداً لإسرائيل، مما قد يؤثر على المواقف العلنية للاتحاد الأوروبي والمفوضية التي ستنسجم مع تلك التوجهات. فهذه الأحزاب قد تحاول حجب الضغوط على المفوضية الاوروبية التي تهدف إلى مواقف قوية ضد سياسات إسرائيل في الأراضي المحتلة.
2. استمرار تحالف الوسط واليسار:
إذا حافظت كتل الوسط الاشتراكية واليسار على قوتها من خلال تحالفات قوية ينضم لها الشيوعيين، فقد تواصل التأثير وبشكل أكبر على المفوضية الأوروبية باتجاه تطوير مواقفها الداعمة لحقوق الإنسان وحقوق شعبنا الفلسطيني السياسية.
مرشحون من أصول فلسطينية:
هناك مرشحون من أصول فلسطينية ومن الجاليات العربية يشاركون في قوائم الأحزاب اليسارية عموما المشاركة في انتخابات البرلمان الأوروبي.
هذه المشاركة تعكس تزايد الانخراط السياسي للمجتمعات المتنوعة داخل أوروبا، وتسلط الضوء على تمثيل وجهات نظر متنوعة في المشهد السياسي، كما يعكس تنامي الاعتراف بأهمية هذه الجاليات العربية ومنها الفلسطينيين وأهمية دعم قضاياهم على مستوى السياسات الأوروبية وخاصة في الظرف القائم. وبالنظر إلى السياق الحالي، تكون القضايا المتعلقة بفلسطين والتمييز ضد المهاجرين ذات أهمية كبيرة، فقد تسهم هذه الشخصيات في لفت الانتباه إلى هذه المواضيع داخل البرلمان الأوروبي لاحقاً بشكل أكبر.
ومع ذلك، يعتمد التأثير الكلي لهؤلاء المرشحين على عدة عوامل، بما في ذلك منصاتهم السياسية، والأحزاب التي يمثلونها، وقدرتهم على جذب الأصوات والتفاف الجاليات العربية حولهم. حيث تتأثر محركات السياسة الأوروبية، وخاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، بطيف واسع من الأحزاب والمصالح وسياسات الولايات المتحدة التي تعمل من أجل فرض هيمنها على سياسات القارة الأوروبية وتبقيها تابعا لها. مما يجعل التأثير الكلي للمرشحين ضمن قوائم الأحزاب المشاركة ممكنا برغم الصعوبة والتعقيد بعد فوزها لما ستواجهها من تحديات اليمين الأوروبي، الذي من جهة أخرى يتوجب العمل مع غير المتطرفين منه عن قرب أكثر من جانبنا لمحاولة تعديل مواقفهم السياسية تجاه ما يجري.
الأحزاب اليسارية في مختلف الدول الأوروبية، بما في ذلك فرنسا وبلجيكا وإيطاليا وإسبانيا واليونان وغيرها ضمت مرشحين من أصول عربية أو فلسطينيين لقوائمها الانتخابية نظراً لأجنداتها التي تتفق مع دعم حقوق الفلسطينيين ومعارضة سياسات دولة الاحتلال الإسرائيلي.
واعتماداً على هذا المتغير الجاري على الجاليات العربية أن تنظم صفوفها لتشكل مراكز قوى وتأثير / لوبيات على كافة مكونات الطيف السياسي الأوروبي، حيث يمكن أن يساهم ذلك في تعزيز الدعم السياسي لقضايانا على المستوى الأوروبي ومناهضة قضايا التمييز ضد الهجرة.
إن التركيز على هذه الترشيحات يظهر تنامي الوعي بالقضية الفلسطينية الآن والذي يتصاعد بشكل يومي ويساهم في عزلة إسرائيل وسياسات الولايات المتحدة المنحازة بل والشريكة، الأمر الذي يتوجب البناء عليه فلسطينياً من خلال تعزيز التضامن الدولي بين الشعوب ومعها وزيادة حجم عملنا الدبلوماسي الشعبي والعام في دول الاتحاد، بل وعلى مستوى العالم.
لذلك فإن التغييرات في البرلمان الأوروبي قد تؤدي إلى تعديلات في توجهات السياسات الخارجية للمفوضية الأوروبية، ولكن مدى هذا التأثير يعتمد على قدرة أحزاب الوسط الاشتراكية واليسارية والشيوعي على الحفاظ على تحالفات قوية وفعالة داخل البرلمان أمام صعود اليمين الشعبوي وتحديداً في فرنسا وإيطاليا وبعض دول أوروبا الشرقية.
المطلوب اليوم من مؤسسات الاتحاد الأوروبي بما فيها البرلمان دعم العدالة الدولية في محاسبة وعقاب دولة الاحتلال ليتم انهاء احتلالها الكولنيالي على طريق إقامة دولتنا الديمقراطية ذات السيادة، وهو أمر عجزت حتى اللحظة المفوضية الأوروبية وسياساتها الخارجية عن تحقيقه لشعبنا الفلسطيني رغم مسؤولياتها السياسية، القانونية والأخلاقية.