يتلهف نتنياهو إلى إشعال حرب جديدة مع حزب الله وذلك بهدف تحقيق غايتين: الأولى "الهروب إلى الأمام" من أجل خلط الأوراق السياسية والعسكرية في الإقليم واستدراج إدارة بايدن لتكون جزءً من هذه الحرب دون مراعاة لحساباتها بحكم أنها في سنة انتخابية ووضعها العام صعب واستطلاعات الرأي تؤكد تراجع فرص الرئيس والحزب الديمقراطي، والغاية الثانية هي: التغطية على الفشل الميداني في قطاع غزة والذي أخذت تقر به عموم النخب السياسية من أمثال يائير لبيد وليبرمان وجدعون ساعر و جنرالات الجيش السابقين من أمثال "نبي الغضب اسحاق بريك" أو عضو كابينت الحرب غادي ايزنكوت أو أفيف كوخافي أو "آفي ديخت" عضو المجلس الوزاري المصغر، وحتى عملية استرجاع الأربعة رهائن من النصيرات مازالت تطاردها أسئلة كثيرة وهناك جوانب أخرى من الصورة قد تكشف عنها حماس خلال الساعات أو الأيام القادمة (أمس الأحد كشفت حماس عن أن الاحتلال قتل في تلك العملية ثلاث رهائن مما يعنى فشل تلك العملية التي حوّلها نتنياهو إلى عمل أسطوري).
كما أن هذه النخب تقر بحقيقة أن الحرب الأصعب والأخطر هي التي لم تأت بعد ويقصدون الحرب مع حزب الله والتي في حال اندلاعها ستغير وجه المنطقة برمتها، وخلال الأيام الماضية زاد حزب الله من ضغطه العسكري ضد مستوطنات شمالي فلسطين والجولان المحتل وتسببت هذه الهجمات باندلاع حرائق غير مسبوقة في شمالي فلسطين، وظهر جيش الاحتلال في حالة عجز تكتيكي أفقدته القدرة على إيجاد "الردع المطلوب"، وبسبب هذا العجز سارع رئيس أركان جيش الاحتلال هرتسي هليفي إلى التبجح إعلامياً معلناً "إننا جاهزون لحرب مع حزب الله"، وهو ما دفع الكاتب أوري مسغاف للرد على هاليفي في مقال له في صحيفة "هآرتس قبل عدة أيام" قال فيه (... لا تصدّقوا هرتسي، فهو يعيش فيلماً. اطلبوا رأياً آخر. إن كلاًّ من الجيش ودولة إسرائيل غير جاهز لحرب رسمية في لبنان ستؤدي إلى دمار كبير في الجليل وهجوم صاروخي ومسيّرات على حيفا ومنطقة الوسط) أمّا نتنياهو فقام بزيارة سريعة للمنطقة وبعد يومين من اشتعال الحرائق التقط خلالها صورة مع عدد من ضباط جيش الاحتلال في محاولة منه ليظهر بصورة "البطل" وصرّح من هناك بأن إسرائيل مستعدة لتحرك قوي ضد لبنان قاصداً بذلك إطلاق عمل عسكري لإرجاع قوات حزب الله إلى ما وراء الليطاني، ويقدر الخبراء العسكريون داخل الاحتلال أن إسرائيل في حال قررت خوض مواجهة مع حزب الله عليها أن تأخذ بالحسبان أن قدرات حزب الله القتالية مختلفة كمّاً ونوعاً عن قدرات حركة حماس، ويقدر "أمان" وفقاً للقناة 13 الإسرائيلية أن حزب الله أطلق منذ الثامن من أكتوبر 4800 صاروخ ومسيرة، وأنه في حال وقعت الحرب سيكون قادراً على إطلاق من ثلاثة آلاف إلى أربعة آلاف صاروخ في اليوم الواحد ويوجد لدى الحزب أكثر من ألفين مسيرة من الحجم الصغير التي يصعب كشفها من أجهزة الرادار ومنها المسيرة التي ضربت مؤخرا قرية حرفيش وأوقعت عدداً من القتلى والجرحى، أمّا إجمالي عدد الصواريخ التي يمتلكها حزب الله فيقدر بحوالي 160 ألف صاروخ قادرة على الوصول إلى عمق دولة الاحتلال وقادرة على تدمير محطات توليد الكهرباء ومراكز الصناعات المدنية والعسكرية، كما يقدر الخبراء أن "إسرائيل" سوف تتحاشى خوض حرب برية جنوبي لبنان وستكون بالتالي عاجزة عن إنشاء منطقة عازلة وراء الليطاني وأنها ستكتفى باستخدام سلاح الطيران ضمن نهج الانتقام الذي مورس بمنتهى الوحشية والحيوانية ضد غزة بشراً وشجراً وحجراً.
ويقول الصحافي الشهير توماس فريدمان والمقرب من الرئيس بايدن ومدير المخابرات المركزية الأمريكية "وليم بيرنز" في تقديره لأي مواجهة بين الحزب والاحتلال في لقاء مع قناة الجزيرة (أن احتمالات اندلاع حرب بين إسرائيل وحزب الله تتزايد بشكل كبير في ظل عدم التوصل لاتفاق ينهي الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة، مؤكدا أنها "ستكون حرباً مدمرة للطرفين وربما للمنطقة")، ويكمل قائلاً (إن العام الجاري إما أن يشهد حلاً جذرياً للصراع الإسرائيلي العربي يقوم على تنفيذ جذري وجاد لحل الدولتين أو أنه سيشهد عودة بالصراع إلى عام 1947 لكن بأسلحة جديدة) .
إلى هذه الدرجة يبدو أن المشهد خطير وإلى هذه الدرجة تستشعر واشنطن تعقيدات "الحالة" من خلال تقييم شخصية مطلعة جيداً على تفاصيل ما يجري في الشرق الأوسط مثل توماس فريدمان.