سقوط لحظة الإقلاع

عندما بدأتُ في الإطلالة على العمل السياسي، كنت أتصوّر أن لبنان هو المشكلة من حيث التركيبة السياسيّة والاجتماعيةّ. وبعد أن واجهت الحقائق، وعلى امتداد فترات من الزمن، تعلَمتُ واقتنعت أن المشكلة تكمن في كل لبناني. وبالتعمق أكثر، ومن خلال الوجود المؤثِّر للشعب الفلسطيني، لما لقضيّته من تأثير سياسي واجتماعي وأخلاقي، لا يمكن لأي إنسان يتمتَّع بذرَّة من القيم إلا وتراه داعمًا أو مؤيِّدا، وفي كثير من الأحيان، منخرطا في العمل والنضال من أجل فلسطين.

ولكنَّك تكتشف أنه، بالرغم من التركيبة السياسية والاجتماعية المختلفة في لبنان، هناك مشكلة أيضا وقد تكون، وعلى الطريقة اللبنانية ذاتها، في كل فلسطيني... ولن أعدِّد. وفي حال الذهاب إلى دول عربية أخرى، أعتقد أننا نصل للاستنتاج ذاته:

أهم المشكلات هي الكلام الكثير عن الحرية والاستقلال. فترى أحدهم في مقابلة تليفزيونية أم إذاعية أم غيرها يذكر هذه الكلمات إلى حد المبالغة في الرقم من كثرة تكرارها... والسؤال هو ماذا نعرف عن الحرية والاستقلال؟ ماذا نعرف جميعنا عن الحرية والاستقلال؟ فإذا اعتقدنا أن خروج المستعمر أو المحتل من بلادنا والتوقيع على قصاصة ورق "اتفاقية الخروج من حالة الاستعمار والاحتلال إلى الاستقلال والحرية"، فهذا هراء. أيها السادة الحكام، ما الذي يحصل في لبنان وفي الكثير من الدول العربية، منذ استقلالها حتى اليوم؟ تتولون المسؤولية وتصبحون رؤساء لشعوبكم، وتملكون البيوت والحرس والناس، دون أن ننسى السيارات وحتى الطائرات، ولكن، ماذا تفعلون حينها؟ تمارسون السلطة على ناسكم! وهل لديكم مشروع للحكم؟ حتما لا... وحين ترون أنفسكم بموقع العاجز عن الإنجاز تستخدمون سلطتكم على مواطنيكم حيث يصبحون أعداءكم بدلا من المحتل الّذي كان في يوم من الأيام هو العدو...

وهذا ما يؤكد أن تغيير الشكل لا يغيِّر شيئا في المضمون.

ومثل آخر حين نقع في مشكلة اقتصادية نذهب إلى صندوق النقد أو البنك الدولي، فهل سألنا أنفسنا من هم هؤلاء المسيطرون على صندوق النقد وعلى البنك الدولي؟ هم المستعمرون الذين وقَّعنا معهم وثيقة انتصارنا عليهم وخروجهم من بلادنا! ومنهم نطلب "الديون"، دون أن ننسى الحرية والاستقلال طبعًا!

مثل آخر أيضا هو مطالبة الأقليّات والأكثريّات بحقوقها التي سكتت عنها في سبيل "الوحدة الوطنية والحرية والاستقلال". وجميع هؤلاء لا يرى عند العجز حلًّا إلا الذهاب إلى الأمم المتحدة واللّجوء إليها لحل كافة المشاكل وحتى الداخلية منها. والسؤال هنا أيضا، ما هو دورنا في الأمم المتحدة؟ وما هو حجمنا وتأثيرنا؟ وهل يقبل العقل، وخاصة بعد اندلاع الحرب في غزة، أن صوت لبنان والبقية يساوي صوت أمريكا أو روسيا أو الصين أو غيرها من دول "الڨيتو"؟

ليست المسألة مسألة يأس ولكنها قضية تتعلق بفهم أبعاد الحرية والاستقلال، والتي بدون خطط التنمية والتطوُّر، وبدون اللجوء إلى القانون والدستور لإنتاج سلطة تعمل على تحقيق المواطنة والالتفاف حول برنامج أو برامج التنمية، سنبقى ويبقى حكامنا كما وصفهم " أندروبوڤ" ذات يوم حين قال أن "زعماء العالم الثالث هم الوحيدون الذين يغيرون الطائرة وهي في الجو، فتراهم يقلعون مع روسيا ويهبطون مع أميركا، وهكذا...

وآخر أمثلة هذه النماذج حركة " حماس" التي أقلعت قيادتها بنهاية الحرب الأخيرة في غزة بالطائرة المصرية وهبطت في بداية هذه الحرب الدائرة الآن بالطائرة الإيرانية في طهران، لا بل سقطت في طهران والسقوط لحظة الإقلاع لا يعني إلا التحطُّم...

 

كلمات مفتاحية::
Loading...