رعاية أمريكا لدولة الإبادة الجماعية إسرائيل وحمايتها

بعد اتضاح صورة إسرائيل كدولة إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني على مدار ستة وسبعين عاماً، برزت إلى الأمام أسئلة حول أسباب استمرارها كدولة مارقة على حساب الشعب الفلسطيني وأرضه. وقد استطاعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 استحضار حليف خارجي له وزنه في إطار العلاقات الدولية؛ وذلك بغية المزاوجة بين إمكاناتها الذاتية وبين الدعم الخارجي لها وتعزيز شكل من أشكال القوة.

استثمار القوة

 تستثمر إسرائيل قوتها المستمدة من الدعم الغربي وحاصة الأمريكي في اتجاهين؛ الاتجاه الأول يتمثل في محاولة استكمال بناء المؤسسات الإسرائيلية مع مرور الوقت والعمل على توفير المقومات الاقتصادية والبشرية والعسكرية الضامنة لبقائها واستمرارها بكونها دولة غير طبيعية في المنطقة العربية أما الاتجاه الثاني فيكمن في استحضار القوة للتصدي للتحديات الخارجية لإسرائيل، ونقصد هنا هاجس الخوف الإسرائيلي من القوة العسكرية العربية وكذلك من أصحاب الوطن التاريخي لفلسطين، ونقصد الشعب الفلسطيني.

وفي هذا السياق يذكر أن إسرائيل اتجهت إلى التحالف مع فرنسا في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين كمصدر أساسي لتسليح الجيش الإسرائيلي، كما استطاعت إسرائيل بناء علاقة وطيدة مع ألمانيا الغربية سابقاً، واستفادت إسرائيل من الدعم الألماني المتميز في المجالات العسكرية والاقتصادية حتى منتصف السبعينيات من القرن المنصرم، وقد سبق تلك العلاقات اعتماد الحركة الصهيونية ووليدتها إسرائيل على الدعم البريطاني في المجالات الدبلوماسية والسياسية والعسكرية. وبعد إنشائها في عام 1948 استطاعت إسرائيل استحضار حليف قوي، كان بداية مع كل من بريطانيا وفرنسا، وتالياً استحضار الحليف الأمريكي القوي، حيث تميزت العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بأنها علاقة خاصة بالمقارنة مع علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع الدول الأخرى في العالم، وظهرت المساعدات الأمريكية المباشرة وغير المباشرة لإسرائيل على أنها السمة الأساسية في إطار العلاقات الأمريكية الإسرائيلية ويكمن السبب في رسم تلك العلاقات في الدور الذي تقوم به إسرائيل في إطار المصالح الأمريكية السياسية والإستراتيجية في الشرق الأوسط  من جهة، فضلاً عن نشاط اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الأمريكية ودوره في المحافظة على التأييد الأمريكي لإسرائيل في كافة المستويات العسكرية والسياسية والدبلوماسية من جهة أخرى. وتعتبر حرب حزيران في عام 1967 حداً فاصلاً بين المرحلة التي كانت فيها إسرائيل تلعب دوراً هاماً في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، والمرحلة التي أصبحت فيها إسرائيل تلعب الدور الرئيسي في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، الأمر الذي ترك بصماته على علاقات الولايات المتحدة المتميزة وغير العادية مع إسرائيل. ومن الأهمية الإشارة إلى أن إسرائيل قد مولت حروبها وعدوانها على الدول العربية بالاعتماد على المساعدات الأمريكية السنوية اللوجستية والطارئة، وهي بالتالي أي الولايات المتحدة تعتبر شريكاً لإسرائيل في إرهابها وعدوانها وقتلها للأطفال والشيوخ والنساء العرب وخاصة بعد عام 1967. وقد شكلت المساعدات الأمريكية لإسرائيل أحد أهم وابرز مؤشرات  العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، فتجاوبت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ عام 1967 مع الإستراتيجية التي تقوم على تطوير التحالف مع إسرائيل وترسيخه في مختلف الميادين السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والدبلوماسية، وقد تجلى ذلك بالدعم الأمريكي لإسرائيل  في أروقة المنظمة الدولية واستخدام حق النقض الفيتو ضد أية محاولة لإصدار قرار يدين ممارسات إسرائيل واعتداءاتها المتكررة  على الدول العربية، فضلاً عن مجازرها التي ترتكب على مدار الساعة بحق الشعب الفلسطيني.

رعاية ومساعدات أمريكية

على الصعيد السياسي والدبلوماسي أفشل الفيتو الأمريكي إصدار أي قرار دولي يدين الأعمال التعسفية لإسرائيل في المنطقة وبخاصة الفلسطينيين، ومنذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر المنصرم استخدمت أمريكا الفيتو أربع مرات في مجلس الامن وأفشلت صدور قرارات تدين المجازر الإسرائيلية. وقد توضح التوجه الأمريكي لدعم إسرائيل سياسياً وعسكرياً ودبلوماسياً خلال العقود السبعة الماضية من العدوان الإسرائيلي على الشعب  الفلسطيني والشعوب العربية الأخرى، ومن أهم ملامح الدعم الأمريكي لإسرائيل في المستوى السياسي والدبلوماسي دعمها الدبلوماسي والسياسي لإسرائيل سياسة الضغط المستمر  على المنظمة الدولية التي أجبرت على إلغاء  القرار الدولي الذي يوازي بين العنصرية وإسرائيل، بيد أن المساعدات الأميركية لإسرائيل برزت بكونها السمة الأهم في إطار الدعم الأمريكي لإسرائيل، فحلت تلك المساعدات العديد من الأزمات الاقتصادية الإسرائيلية مثل التضخم في منتصف الثمانينيات من القرن المنصرم، كما حدت من تفاقم أزمات اقتصادية أخرى، ناهيك عن أثرها الهام في تحديث الآلة العسكرية الإسرائيلية، وتجهيزها بصنوف التكنولوجيا الأميركية المتطورة، من طائرات وغيرها، وبالتالي تمويل العدوان الإسرائيلي المستمر على الشعب الفلسطيني. وتبعاً للمساعدات الأمريكية اللوجستية الحكومية السنوية لإسرائيل، وكذلك المساعدات الطارئة، فإن قيمة المساعدات الأميركية التراكمية لإسرائيل خلال الفترة (1948- 2024) وصلت إلى (140) مليار دولار، منها نحو (60) في المائة هي نسبة المساعدات العسكرية، و(40) في المائة نسبة المساعدات الاقتصادية، والملاحظ أن المساعدات الأمريكية لإسرائيل كانت اقتصادية بمجملها قبل عام 1967.  ومن المقدر أن تصل قيمة المساعدات الأمريكية الحكومية التراكمية المباشرة لإسرائيل إلى (158) مليار دولار بحلول عام 2030؛ وإذا احتسبنا المساعدات غير المباشرة من الولايات الأمريكية وكذلك مساعدات الجالية اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل السنوية، فإن قيمة المساعدات الأمريكية الإجمالية المباشرة وغير المباشرة ستصل إلى نحو (200) مليار دولار أمريكي بحلول العام المذكور. ومن نافلة القول أن إسرائيل ومنذ نشأتها في عام 1948 استطاعت  استحضار حليف قوي في إطار العلاقات الدولية؛ وكان التحول الكبير في الاتجاه الأمريكي  بعد عدوان حزيران / يونيو 1967، لكن لابد من الإشارة إلى أن استمرار العلاقة الإستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية  سيبقى مرهوناً بمدى الدور الرئيسي الذي تلعبه إسرائيل في إطار المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وكذلك التغيير والانزياح  التدريجي للمزاج العام الشعبي الأمريكي إلى جانب الحق الفلسطيني والذي سيكون عاملاً ضاغطاً على الإدارات الأمريكية في المدى المنظور.

 

كلمات مفتاحية::
Loading...