كلمة "أنفاق" استخدمت لأول مرة في حروب الشرق الأوسط كعلامة فارقة للحرب على غزة، لم تستخدم هذه المفردة لا في حرب 48 ولا 67 ولا 73، وما بينهم من حروب متقطعة على كل الجبهات، بما في ذلك الحرب التي لم تتوقف على الجبهة الشمالية – جنوب لبنان.
إلا أن هذه الظاهرة جرّت إسرائيل إلى التوغل في أنفاق لا مخرج منها، ولكنها فوق الأرض وليس تحتها، ويجوز القول إن شبكة الأزمات الإسرائيلية التي أنتجتها الحرب على غزة هي شبكة أنفاق توغلت فيها إسرائيل ولن تخرج منها.
النفق الأخلاقي، فلقد تغيرت صورة إسرائيل أمام العالم، وتحديداً أمام المتعاطفين التلقائيين معها، وخصوصاً في دول وشعوب الغرب، الذين لم يحركوا ساكناً والدولة العبرية في قفص اتهام محكمة العدل الدولية والجنايات.
النفق الداخلي، فلأول مرة منذ تأسيس الدولة العبرية، يحدث انقسام مركب بين مكونات المجتمع، إذ أصبح التظاهر بمئات الآلاف جزءً من الحياة اليومية للإسرائيليين، كان ذلك قبل الحرب على غزة، وها هو يتجدد وعلى نطاق واسع بفعل هذه الحرب.
نفق الخسائر البشرية، والاقتصادية والنفسية، وهذا يحدث كذلك لأول مرة فها هي الحرب تدخل شهرها التاسع وربما العاشر، والنزف الاقتصادي لا يتوقف، والنزف البشري كذلك، أمّا النزف النفسي فهو الأخطر والأعمق والأشد تأثيراً في الحاضر والمستقبل.
نفق الهيبة وصورة التميز والتفوق، لقد دخلت إسرائيل هذا النفق حين هرعت حاملات الطائرات الأمريكية والإنجليزية لحمايتها أوائل أكتوبر الماضي، إذ انقلبت الصورة النمطية للعلاقات الامريكية الإسرائيلية من اعتماد أمني استراتيجي على إسرائيل، إلى اعتماد وجودي على أمريكا، في أكتوبر الماضي بعد عملية طوفان الأقصى جاءت حاملات الطائرات وفي هذه الأيام تعود من جديد، بفعل عدم حسم الحرب على الجبهة الجنوبية واحتمال اتساعها على الجبهة الشمالية.
أنفاق كثيرة فوق الأرض وليس تحتها، وكلها ذات عمق استراتيجي يبدو أن لا مخرج منه، وإسرائيل التي تتكرس أمام حلفائها كعبء ثقيل على المنطقة والعالم، تدرك دون اعتراف صريح بأنها هي ذاتها من حفر أنفاقها الخطرة، وجذر هذه الأنفاق احتلالها لشعب آخر، وإنكارها الغبي لحقوقه وستظل داخل أنفاقها الخطرة ما دامت تواصل فعل ذلك.