المناظرة الرئاسية الأولى أمام ترامب

الرئيس بايدن يضع الحزب الديموقراطي أمام كارثة انتخابية

المناظرة الرئاسية التي نظمتها قناة الـــ CNN مساء الخميس 27 يونيو/ حزيران بين مرشحي الرئاسة الأمريكية عن الحزبين الكبيرين الرئيس الحالي الديموقراطي جو بايدن والرئيس الجمهوري السابق دونالد ترامب، المقرر إجراؤها يوم 5 نوفمبر القادم، كشفت عن حجم الضعف في الأداء الذي قدمه الرئيس بايدن أمام منافسه ترامب منذ الدقائق الاولى لانطلاق أسئلة المناظرة حول القضايا الانتخابية. وفي حال تأكيد خسارة الحزب الديموقراطي للانتخابات الرئاسية القادمة، فإنه يمكننا القول إن العشرة دقائق الأولى من المناظرة كانت كفيلة بسحق إرث 4 سنوات للرئيس بايدن، في أهم مناظرة سياسية في التاريخ الأمريكي.

مع بدء اللحظات الأولى للمناظرة، على خشبة المسرح في اتلانتا دون حضور جمهور، وقبل الإجابة على السؤال الأول، تناول الرئيس بايدن كأساً من الماء، فيما بدا أن كارثة سياسية تدق أبواب الحزب الديموقراطي. وإنطلق الطرفان في تبادل الهجمات حول القضايا الانتخابية مثار الخلاف والجدل بين الحزبين بما فيها القضايا الداخلية (الاجهاض، الهجرة، الاقتصاد المتعثر التضخم، الأجور...)، وقضايا السياسة الخارجية (الحرب في أوكرانيا، وحرب الإبادة الجماعية على شعبنا في قطاع غزة وعموم أراضي دولة فلسطين...).

على الرغم من قضاءه أسبوعاً كاملاً في معسكر للتدريب والاستعداد للمناظرة مع كبار مستشاريه وقادة حملته الانتخابية، إلا أن نقاش الرئيس بايدن بدأ مُهتزاً منذ الدقائق الأولى ولم يتمكن من إنهاء العديد من العبارات بشكل مفهوم. من الناحية الموضوعية - يقول المراقبون، بدأ بايدن متردداً ومتعثراً أحياناً أخرى في إيصال رسائله، وأنتج أضعف أداء منذ أن بدأت تقليد المناظرات المتلفزة عام 1960، وهو ما أكدته نتائج استطلاع قناة الـ CNN بعد انتهاء المناظرة التي استمرت لمدة 90 دقيقة، حصل ترامب على 67% بينما تهاوت أسهم الرئيس بايدن إلى 33%، بعد أن حاز على 40% من بطاقات التصويت في الرضا عن الأداء قبل بدء المناظرة.

تعقيباً على أداء الرئيس بايدن المتعثر، نقلت شبكة CNN عن مسؤول ديمقراطي كبير قوله «من الصعب القول إن بايدن يجب أن يكون مرشحنا». وفي منتصف النقاش تقريباً، وصف خبير استراتيجي ديمقراطي عمل في حملة بايدن عام 2020 المناظرة بأنها "كارثة"، وفقا لتقرير رويترز.  وأضاف أحد كبار المتبرعين "لا يوجد طريقة لتدوير ذلك... كان أداؤه غير مؤهل، وأتوقع أن تجف مصادر التمويل بعد هذا الأداء". من ناحيتها صرحت كيت بيدينجفيلد، مديرة الاتصالات السابقة لجو بايدن، على شبكة سي إن إن: «لقد كان أداء مناظرة مخيب للآمال حقًا من جو بايدن». وسط حالة من الذهول والذعر التي اجتاحت قادة الصفوف الأولى للحزب الديموقراطي بسبب سوء الأداء، كانت تعليقات الناخبين في الولايات المتأرجحة الست لا تقل سوءا عن ملاحظات المراقبين وقادة الحزب الديموقراطي.

خلال المناظرة، تلقى الرئيس بايدن سيلاً من الهجمات من منافسه الشعبوي ترامب الذي تواجد على مسافة عدة اقدام من منصة القتال دون أن يصافحه، وكان على ما يبدو مستعداً لهذه الدقائق المعدودة من الدفاع التي طال انتظارها، تحدث بقوة وأثار طيلة مراحل النقاش قضايا استبعاده ومؤامرة سرقة الفوز الرئاسي في انتخابات عام 2020، والدعاوى القضائية التي تلاحقه. وتجول ترامب وسط العديد من القضايا الداخلية مركزاً على قضايا الاقتصاد والتضخم وما رافقها من ارتفاع الأسعار، محملاً بايدن المسؤولية الكاملة عن تعثر الاقتصاد الأمريكي، "لقد قام بعمل ضعيف والتضخم يقتل بلدنا. إنه يقتلنا تماماً" قال ترامب. وسلّط الضوء على سياسات بايدن الخارجية التي تدفع بالولايات المتحدة نحو حرب عالمية ثالثة. وأغرق ترامب منافسه بأرقام يقول الديموقراطيون أنه يسحبها من الهواء، بما فيها - دخول 18 مليون مهاجر إلى الأراضي الأمريكية في عهد بايدن، وكانت آخر اصداراته اتهامه للرئيس بايدن بقوله لقد "دمر بلادنا"، وفشل في كل شيء، مضيفاً "نحن نعيش في دولة فاشلة"، واعداً أنه سينظف الفوضى التي خلفها بايدن.

وسط الهجمات المتبادلة والإهانات الصادرة عن المرشحين، كانت القضية الفلسطينية وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من حرب إبادة جماعية، حاضره على جدول النقاش، في محاولة منه لاسترضاء لوبي إسرائيل، وصف ترامب - مهندس صفقة القرن المشؤومة والمدان في قضايا شراء الصمت، منافسه بايدن بالفلسطيني "السيء والضعيف"، وإتهم بايدن بعدم مساعدة اسرائيل لإكمال المهمة. بينما دافع بايدن عن ولائه لإسرائيل ودعمه الثابت لها بكل أنواع الأسلحة التي تحتاجها لمواصلة المذبحة بحق المدنيين في فلسطين، "نحن نزود إسرائيل بكل الأسلحة التي تحتاجها...نحن أكبر منتج للدعم لإسرائيل" قال بايدن، وحاجج بأنه حصل على موافقة شاملة على خطته المكونة من ثلاث مراحل لإنهاء الحرب على غزة، بما في ذلك موافقة نتنياهو، ومجلس الأمن الدولي، مضيفاً أن "الوحيد الذي يريد استمرار الحرب هو حماس". لكن ترامب الذي ظهر متهكماً على أقوال بايدن، جادله بأنه مخطئ وأقر أن "إسرائيل تريد استمرار الحرب - ويجب أن تستمر... وعليك أن تسمح لها بإكمال المهمة". مؤكداً من جديد رفضه لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

بعد أن صارع الرئيس بايدن على مدار 90 دقيقة للدفاع عن سياساته الداخلية والخارجية. علق ديفيد أكسلرود، كبير المستشارين في إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، إن "الديمقراطيين قلقون للغاية لدرجة أنهم قد يتساءلون عما إذا كان ينبغي على بايدن مواصلة حملته الانتخابية".

في قراءة سريعة لنتائج التصويت على الأداء التي أظهرتها شاشة الـ CNN بعد انتهاء المناظرة، سجلت الأرقام ارتفاعاً كبيراً في شعبية ترامب تجاوزت ضعف شعبية الرئيس بايدن (67% مقابل33%). هذا الرقم الباهت على البطاقة الانتخابية لبايدن، وضع الرئيس في مأزق كبير وخسارة متوقعة لإعادة انتخابه يوم 5 نوفمبر القادم. وأرسلت النتائج أيضاً انذارات ساخنة للديموقراطيين الساعين لتقليص فجوة السباق مع ترامب، تؤكد حقيقة واحدة مفادها خسارة أفضل فرصة كانت أمام الحزب لجمع البطاقات الانتخابية، خاصة شريحة المترددين والبطاقات الواردة من الولايات المتأرجحة.

أفرزت النتائج الأولية للمناظرة الأولى اتساع مساحات السباق بين المتسابقين نحو البيت الأبيض لصالح ترامب. بعد أن أنهى بايدن مناظرته بفشل، تتجه أنظار المراقبون الآن إلى مداولات المؤتمر الوطني للحزب الديموقراطي المزمع عقده في شهر آب/ أغسطس القادم حول ما إذا كان ترشيح بايدن سوف يستمر أو سيسعى المندوبون لترشيح شخص آخر على رأس بطاقتهم الانتخابية.

بغض النظر عن نتائج الانتخابات الأمريكية وفوز مرشح الحزب الجمهوري أو الحزب الديموقراطي، تبقى حقيقة واحدة قائمة وهي، في أمريكا يوجد حزب واحد هو حزب دعم إسرائيل على حساب الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وأن استمرار واشنطن في سياسات إغراق إسرائيل بإمدادات السلاح التي تحتاجها لإكمال مهمة تدمير المشروع الوطني للشعب الفلسطيني هي المؤكدة. على الساحة الدولية، فإن الممانعة الأمريكية لتجسيد قيام دولة فلسطينية مستقلة على الأرض هي السياسة السائدة والمستمرة لكل الإدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض، سواء كانت ديموقراطية أو جمهورية.

 

 

Loading...