كان أحد أهم الأهداف المعلنة للعدوان الهمجي على قطاع غزة والإبادة الجماعية إرغام السكان على الهجرة قسراً أو طوعاً تطبيقاً لخطط حكومة التطرف في إسرائيل والهادفة إلى تفريغ غزة من أجل الاستيلاء على الاحتياطي الهائل من الغاز والنفط إضافة إلى العمل على تجسيد الحلم الصهيوني الاستعماري بإقامة إسرائيل الكبرى من أجل الهيمنة على مقدرات شعوب المنطقة خدمة للمشروع الأمريكي في مواجهة المشروع الروسي الصيني الذي يسعى لإيجاد مجتمع دولي أكثر انصافاً.
لم أعد أطيق البقاء هنا، خوف، رعب، كل ما حولي يثقل الروح، متعبة أنا.. الحياة في غزة الجريحة أضحت لا تطاق، لم يعد قطاع غزة محتلاً ومحاصراً فقط بل أضحى الدمار والقتل وفقدان أبسط مقومات الحياة هو المشهد السائد، في غزة لا ماء نظيف ولا دواء ولا غذاء، لكن غزة لا تنقصها أصوات المدافع ولا وأزيز الرصاص ورائحة البارود، تلك الرائحة التي غطت على رائحة ما تبقى من عطري الذي اشتريته قبل أن اخسر كل شيء، البيت والاهل والجيران والأزقة وليس أقلها الذكريات. كانت تلك الكلمات الأخيرة التي قالتهاِ عَزة الكنعانية المولودة في غزة عندما قررت الرحيل. (عزة بالكنعانية تعني غزة بالعربية).
عزة فقدت كل شيء حتى حقيبة سفرها فالتقطت كيساً بلاستيكياً من الأكياس التي كان المجتمع الدولي يغلف بها الفتات الذي ألقي على القطاع وكانت تفوح من الكيس رائحة عفنة نتنة تدلل بلا أدنى شك على أن محتويات ذلك الطرد الغذائي الذي أمطرته السماء كانت متعفنة وغير صالحة للاستخدام البشري ولانعدام البدائل وضعت ما تبقى من أشيائها الصغيرة، والتي يخجل الإنسان من ذكرها. مع تلك الأشياء كانت تسرح بخيالها لتضع وجوه الأحبة، ودبيب خطوات الصبية في أزقة الحي داخل الكيس وربطته وقلبها يقطر دماً وعندما حاولت السير باتجاه الجنوب عجزت عن تحريك أقدامها الغائرة في تربة الوطن.
لقد كانت قدماها مغروسة كجذور السنديانة التي قصفها الاحتلال ومن شدة الانفجار طارت إلى البحر إلا أن جذورها لا زالت ممتدة في الأعماق تتفيأ ظل الجدار المتبقي مما كان بيتا تملؤه الحياة.
كانت عَزة ولا زالت تجسيداً للصخرة الفلسطينية التي عليها تحطمت عليها كل مشاريع التهجير.
(بداية من مشروع جورج ماك غي مروراً بالعديد من المشاريع: -حسني الزعيم، جوردن كلوب، جون بلاند فورد، دلاس، جونستون، داغ همرشولد، ليفي اشكول، مارك بيرون، غيورا ايلاند، كلنتون، اكس ان بروفانس، صفقة القرن، خطة الحسم وغيرها الكثير).
كل هذه المشاريع سقطت على صخرة صمود الشعب الفلسطيني وذهب أصحابها وبقيت فلسطين. ومن أجل أن تكون هزيمة كل هذه المشاريع حاسمة ونهائية فإننا كفلسطينيين مدعوّين لمراجعة أدائنا والعمل على تعزيز وتحصين منظمة التحرير الفلسطينية كإطار جامع بالضرورة للكل الفلسطيني على قاعدة ميثاق المنظمة كونها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ومن ثم وضع الخطط الكفيلة بإنجاز تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس وتمكين الشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير.