من يتابع النقاش الحامي الدائر على مختلف وسائل الإعلام الفرنسي وبشكل خاص على القنوات التلفزيونية، مباشرة بعد ظهور نتائج الجولة الأولى للانتخابات التشريعية الفرنسية، والتي أفرزت زلزالاً سياسياً يتمثل بفوز اليمين المتطرف بالمعنى السياسي التاريخي وليس الانتخابي حتى الآن، والذي سيتحدد في الجولة الثانية في السابع من يوليو، يدرك إلى أي مدى استطاع اللوبي المؤيد لإسرائيل أن يضع سرديته كأحدي المعاير التي تشكيل الجمعية الوطنية الفرنسية القادمة أي البرلمان.
فهذا فرانسوا بايرو والذي يمثل تيار الوسط الفرنسي وكان في فترة ما الرجل الثالث في الانتخابات السياسية الفرنسية وهو اليوم جزء من التحالف الداعم للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والذي أصبح القوة الثالثة، طبقا لنتائج الجولة الأولى للانتخابات، خلف اليسار المتحد واليمين المتطرف، يقول بعد دقائق قليلة من ظهور نتيجة الانتخابات في نقاش على القناة الفرنسية الأولى أن اختيار زعيم حزب فرنسا الأبية جان لوك ميلانشو، والذي يشكل الجسم الرئيسي في جبهة اليسار المتحد المعروف باسك "الجبهة الشعبية الجديدة" للنائبة الفرنسية الفلسطينية ريما حسن وهي تضع الحطة الفلسطينية، إلى جانبه في المؤتمر الصحفي يمثل إشارة سلبية يرسلها للفرنسين من الديانة اليهودية ويقول أن هذا الأمر سيصعب في الوصل إلى صيغة تفاهم بين الائتلاف الذي ينتمي إليه واليسار المتحد في محاولة سد الطريق أمام اليمين المتطرف ليحصل على أغلبية مطلقة في البرلمان.
وذاك ايريك سيوتي، الأمين العام لحزب الجمهوريين، وهو الحزب الذي من المفترض نظرياً أن يشكل امتداداً للجنرال شارل ديغول والحزب الذي أسسه وقاده لاحقاً الرئيس الراحل جاك شيراك، والذي انضم إلى جبهة اليمين المتطرف، عكس رغبة الجزء الأكبر من أعضاء الحزب يقول في نقاش تلفزي أنه يعارض اليسار ويدعو لمقاطعته لأن هذا اليسار على حد زعمه، هو معادي للسامية ويدعو للاعتراف بدولة فلسطين في مواجهة إسرائيل.
أمّا النائبة عن اليمين المتطرف "التجمع الوطني" لور لافاليت وهي الناطقة الرسمية في البرلمان، فوضعت جهدها في كل مداخلاتها التلفزية، حالها حال كل المتحدثين باسم اليمين المتطرف، "لشيطنة" اليسار بحجج متعددة منها بشكل واضح أن اليسار وعبر حزب فرنسا الأبية هو معادٍ للسامية ويدعم الإرهاب الذي تمارسه حركة حماس في غزة منذ السابع من أكتوبر وقالت بشكل قاطع أن على الناخبين
الفرنسيين أن يختاروا بين فرنسا والتي تدعي أن حزبها يمثلها ويدافع وعنها وبين حركة حماس والتي يمثلها اليسار كما تدعي.
ومن الجدير ذكره أن "التجمع الوطني" بقيادة رئيسه الشاب جان براديلا، وهو امتداد "للجبهة الوطنية" اليمينة المتطرف والتي أسسها منذ عقود جان ماري لوبين عام 1972 وتبعته ابنته مارين في رئاسة الحزب، وهذا الحزب أي "الجبهة الوطنية" معروف تاريخياً بعدائه للسامية وهناك جمله مشهورة لزعيمه التاريخي جان ماري لوبي، ويتم العودة من حين لآخر حين قال إن "غرف الغاز هي جزء من تفاصيل الحرب العالمية الثانية"، ومعروف أن الكثير من أعضائه تم توجيه التهم لهم في القضاء الفرنسي في سنوات متعددة بأنهم عنصريون، ومعادون للسامية وينفون وقوع حرق اليهود في ألمانيا على يد السلطات النازية الألمانية أو يشككون في الرقم، وهي تهمة جنائية يعاقب عليها القانون الفرنسي.
والسؤال المطروح لماذا يدافع اليمين المتطرف في فرنسا عن إسرائيل ومنذ سنوات وليس فقط في هذا الانتخابات، هل يسعى هذا اليمين المتطرف الذي كان منذ عقود هامشياً في الحياة السياسية الفرنسية أن "يُبيّض" صفحته إزاء مرحله هامة من التاريخ السياسي والاجتماعي الفرنسي المرتبط بالحرب العالمية الثانية وبموقف الدولة الفرنسية والتي ارتبطت في فترة ما خلال هذه الحرب بالاحتلال النازي الألماني؟ ومتى بدأت العلاقة بين حكومة الاحتلال وقوى اليمين المتطرف في فرنسا وأوروبا وأي مصلحة في ذلك؟
لقد بدأت هذه العلاقة منذ أكثر من عقد من الزمان، عندما استلم نتنياهو سدة الحكم في إسرائيل فهو لم يسعى فقط في تحويل المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، بل قام من خلال السياسة الخارجية والمصالح الأمنية لإسرائيل، بتطوير علاقات مع الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، وفي عدد من دول العالم مثل الهند والبرازيل فهي إذن عملية طويلة الأمد، وتعني على وجه الخصوص أن تقوم إسرائيل، وخاصة حزب الليكود، بإعادة تقييم علاقاتها مع اليمين المتطرف، ومع الأحزاب الأوروبية التي قاطعتها بطريقة أو بأخرى من قبل بسبب ماضيها.
ومثل هذا التوجه يفيد الطرفين بالنسبة لهذه الأحزاب اليمينية المتطرفة، مثل حزب التجمع الوطني في فرنسا، فإن إظهار تحالف قوي مع إسرائيل، ودعم إسرائيل في المنتديات العامة، والتباهي بالحفاظ على علاقات وثيقة مع الحكومة الإسرائيلية، يسمح لها بتحويل الانتباه إلى مناهضيها المعادي للسامية، وبالتالي تقوم هذه الأحزاب اليمينية المتطرفة بتبييض أفكارها ورسائلها الخاصة حول اليهود. ومن ثم بالنسبة لإسرائيل، فهو التأكيد، على الساحة الدولية، على دعم سياساتها القمعية تجاه الشعب الفلسطيني.
أمّا بالنسبة لنتانياهو فهذه العلاقة مع اليمين المتطرف تسعى لأضعاف أي تحرك أوروبي يدين الاحتلال بكافة أشكاله وفي مقدمته الاستيطان.
ولا يخفي على أحد وجود تقاربات سياسية أساسية بين نتنياهو وحكومته الإسرائيلية اليمينية المتطرفة وشركائه اليمينيين المتطرفين في أوروبا والعالم، فهي تعكس رؤية مشتركة، تجاه قضايا عديدة في المجتمع، كراهية الأجانب، وردود الفعل السلبية ضد المهاجرين، بالإضافة إلى الخوف من الإسلام، وتصويره باعتباره تهديداً للغرب وأسلوب حياته. وهذا التصور يحمل إسرائيل على أنها آخر موقع للحضارة الغربية وأوروبا في الشرق الأوسط. في هذه الرؤية، يقدم ممثلو اليمين المتطرف الأوروبي أنفسهم على أنهم حماة لليهود المهددين من قبل المسلمين الذين يجب حمايتهم.
أمام هذا التحالف بين حكومة الاحتلال وقوى اليمين المتطرف يرفع أصدقاء الشعب الفلسطيني في فرنسا وفي مقدمتهم جمعية التضامن الفرنسية الفلسطينية شعار "حاربوا اليمين المتطرف، سواء كان فرنسيا أو إسرائيليا!" حيث تشير أن فوز اليمين المتطرف والذي تعده زلزالاً سياسياً من شانه أن يعرض للخطر بشكل خطير القيم والالتزامات تجاه الشعب الفلسطيني كقيم مرادفة للإنسانية والأخوة والتضامن ومناهضة العنصرية والدفاع عن حرية التعبير للمواطنين، والحق في الحصول على معلومات غير متحيزة، وقبل كل شيء، حق الناس غير القابل للتصرف في تقرير المصير. كل هذه القيم يتم الاستهزاء بها ومحاربتها بانتظام من قبل المنظمات اليمينية المتطرفة الفرنسية التي لا تتردد أبداً في دعم الدول والحكومات التي مثل إسرائيل، تقمع وتسجن وتذبح الشعوب المستعمرة، ضحايا الفصل العنصري والقمع.
كما تعلن جمعية التضامن مع الشعب الفلسطيني أنها بالاتفاق مع الجمعيات والأحزاب والنقابات، ستشارك في مسيرات ومظاهرات ضد خطر انتصار اليمين المتطرف. في فرنسا لرفع العلم الفلسطيني، بنفس الوقت التي فيه بوقف فوري ونهائي لإطلاق النار في غزة، ودخول كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية، وإنهاء الاحتلال والاستيطان والفصل العنصري. وستشارك في الدفاع عن نفس قيم الأخوّة والتضامن والمساواة سواء في فرنسا أو في فلسطين المحتلة.