الجالسون على طاولة المفاوضات في الدوحة، يرغبون حقاً في التوصل إلى صفقة حتى لو كانت محدودة جداً، وأولهم أمريكا المحتاجة إلى إنجاز ولو على هيئة البحث عن إبرة في كومة قش.
أمّا المصريون والقطريون، فهم معنيون بنجاح ولو جزئي، لعله يقود إلى نجاحات أوسع، وقد أظهر الطرفان العربيان صبراً ومواظبةً يحسدان عليهما، إن إمساكهما بالملف الشائك لفترة طويلة دون تحقيق هدنة وتبادل، يؤكد أن استمرارها في الوساطة رغم تهديدهما أكثر من مرة بتجميد جهودهما هو الأساس السياسي لدورهما وحتى مصالحهما.
حتى الطرف الإسرائيلي الراغب بعضه في صفقة فورية، إذا ما نظر للأمر من زاوية رغبة الجنرالات في إنهاء الحرب، ولهم أسباب كثيرة لذلك، فإنه مرتهن لأجندة نتنياهو الخاصة التي لا يخفيها وأساسها شراء الوقت بما يضمن إطالة أمد الحرب، وها هو بعد استماعه لتقرير برنياع العائد من الدوحة، يتحدث عن ألغام بثتها حماس في أجندة المحادثات، وسيحتاج إلى وقت طويل لتفكيكها، وفي أفضل التقديرات يحتاج إلى عدة أسابيع.
الوقت هو العامل الأهم في لعبة الدمار والموت التي يؤديها نتنياهو في غزة والضفة كذلك، وحتى على الجبهة الشمالية، وعلى مدى الأشهر المتبقية له في الحكم وهي طويلة وخطيرة، سيواصل لعبته على كل الجبهات وينتظر دفعة استراتيجية يراها قريبة، وهي عودة ترامب إلى البيت الأبيض، دون تخليه عن هوايته المفضلة في ابتزاز الديموقراطيين وجرّ إدارتهم وراء قاطرته، وحتى لو اضطر لمجاملة الوسطاء والذهاب إلى صفقة، فلن يتخلى عن أجندته الأساسية القائمة على أساس الحرب على كل الجبهات، دون إغفال الجبهة الأهم الضفة.
مذبحة جنين بالأمس وقبلها مذابح في مناطق أخرى تقع في صلب أجندة نتنياهو الخاصة، وقوامها حرب على كل الجبهات حتى إشعار آخر.