حين قرر الإسرائيليون اجتياحا برياً واسعاً لغزة، وجندوا له كل ما يملكون من قوة عسكرية، ورصدوا له موازنات هائلة، كانت تقديراتهم تتجه إلى أنهم سينهون المهمة في أيام أو أسابيع، ليعودوا وقد أعادوا الاعتبار لجيشهم الذي هزم في السابع من أكتوبر، ويعيدوا الثقة التي انعدمت في نفوس جميع سكان الدولة ويستأصلون المقاومة من جذورها، وكأن الأمر مجرد شوكة يتم اقتلاعها وينتهي كل شيء.
غير أن الذي حدث.. أنها مائة يوم من الخسائر الفادحة التي تكبدتها إسرائيل، بشرياً ونفسياً واقتصادياً، مع نزف لا يتوقف من السمعة والرواية، حتى بلغ الأمر امتلاء شوارع العالم بالمتظاهرين تنديداً وإدانة لحربها، وتغيير مواقف العديد من الدول التي باركت عدوانها في اليوم الأول لتدينه آخر الأمر. إلى أن توجت حربها الفاشلة بالوقوف في قفص الاتهام أمام محكمة العدل الدولية. ودون انتظار الحكم بالإدانة والعقوبة، فإن مجرد وقوفها في قفص الاتهام هو خسارة فادحة لدولة سوقت نفسها للعالم على أنها واحة الديموقراطية والحداثة في صحراء الشرق الأوسط.
مائة يوم من القتل والتدمير والتجويع والتهجير القسري للبشر من بيوتهم إلى العراء، قابلها صمود اسطوري لأهل غزة رغم كل الالام وتقطع سبل الحياة العادية، وفقد عشرات الالاف نصفهم من الأطفال وغالبيتهم العظمى من النساء والشيوخ والمدنيين من محتلف الأعمار.
الحرب مهما استسهلها الإسرائيليون وقدروا أنها الملاذ الوحيد لهم من ظلمهم ومواصلة احتلالهم لشعب قوي وعنيد هو الشعب الفلسطيني، فإنها لابد وأن ترتد عليهم بخسائر لم يحسبوها ولابد من دفع أثمان باهظة لم يقدروها.
اننا نتألم لفقدنا أطفالنا وبيوتنا ومدارسنا ومستشفياتنا، ولكننا لا نتألم وحدنا، فالمعتدون يتألمون: كل يوم يزداد عديد الذين يطالبون بوقف هذه الحرب بعد أن صفقوا لها في أيامهم الأولى ليس رأفة بالفلسطينيين ولكن لشعورهم بخديعة قادتهم لهم، وفداحة الخسائر التي أرغموا على تقديمها بفعل الغرور والاستثمارات البائسة لآلامهم.
هل تؤدي الخسائر الفادحة بقادة إسرائيل إلى استيعاب الدرس والإفادة منه.
هل يقتنعون بعد كل الذي حدث.. بأن الشعب الفلسطيني لم ولن يكون سهل المنال مهما حشدوا من قوة لإخضاعه.
إن استوعبوا الدرس يكونوا أراحوا واستراحوا وإن لم يستوعبوه فلابد أن يألموا كما يألم الفلسطينيون.