مفاوضات الدوحة جائزة ترضية لبايدن

 

بعد مكالمة وصفت بالإيجابية قرر نتنياهو إرسال وفده للدوحة لاستئناف مفاوضات الهدنة والتبادل التي يحتاجها الرئيس الجريح جو بايدن، لعلها ترمم بعضاً من التصدع الهائل الذي اعترى حملته الانتخابية بفعل سوء أداءه في المناظرة الأولى التي تفوق فيها المرشح الغوغائي ترامب عليه.

كان نتنياهو قد دخل الحملة ضد بايدن، والتي سميت بحملة الفيديو، ما أثار حفيظة الديموقراطيين الذين لم يقلقوا فقط من الفيديوهات، بل من الخطاب الذي سيلقيه نتنياهو في الكونجرس، ويقدّرون أنه سوف يصب زيتاً إسرائيلياً على النار التي أشعلها الجمهوريون في جسد الديموقراطيين.

نتنياهو أرسل وفده إلى الدوحة، ليس كمؤشر على استعداده لإتمام الصفقة وإنما كجزء من لعبة شراء الوقت، فهو من جهة يرضي بايدن بجزئية ارسال الوفد بعد تمنّع طويل، ويرضي أجندته بإطالة أمد الحرب، حتى لو خفّض وتيرتها باعتماد الذهاب إلى أهداف انتقائية بدلاً عن الإفراط في التدمير العشوائي والقتل الجماعي، بذلك يكون حقق هدفاً مزدوجاً إذ ما يزال وإلى أمد غير مسمى صاحب القرار الأول والأخير في إسرائيل، وهذه أولويته التي لا يتنازل عنها، وما يزال المحاور المعتمد في واشنطن التي قد تفتح أبواب البيت الأبيض بعد إغلاق طويل الأمد.

معادلة نتنياهو تفرض نفسها على جميع الأطراف المباشرة وغير المباشرة في لعبة النار المشتعلة جنوباً وشمالاً، وما يعنيه أساساً في هذه الفترة بالذات، هو جرّ الإدارة الأمريكية وراء قاطرته وها هو ينجح في ذلك سواء من خلال التكيف الأمريكي مع قراراته وخططه، فها هي ديبلوماسيتها تعمل في مجال توفير الوقت الثمين له على جبهة غزة، وتعمل كذلك على الجبهة الشمالية وفق معادلته "ما لا يتحقق له بالحرب فقد يتحقق بالديبلوماسية الأمريكية".

وقد حصل على تعهد أمريكي "كتحصيل حاصل" بأن يحظى بالدعم إذا ما وقعت الحرب على الجبهة الشمالية.

نتنياهو الذي يدرك حجم الضغوط الداخلية عليه من قبل ذوي الأسرى المحتجزين في غزة، ويدرك كذلك مغزى تعاظم المظاهرات الداعية إلى إجراء انتخابات مبكرة ربما تؤدي إلى الإطاحة به إلا لأنه يدرك بالمقابل أن هذه الضغوط لم تصل بعد مرحلة الخطر، وأمانه في هذه الحالة ضعف منافسيه من داخل حزبه ومن خارجه، واضطرار الإدارة الأمريكية على مسايرة أجنداته بما يعني الخضوع لها وخصوصاً في هذه المرحلة الحرجة التي تسبق الانتخابات الوشيكة، وحين يخوض رجل في حالته معركة وجود ومصير فلا خطوط حمراء أمريكية أو داخلية تحد من مجازفاته السياسة والحربية، فهو لا يقامر برصيده كزعيم حزب أو ائتلاف أو اتجاه، بل يقامر بإسرائيل بكل ما لديها من إمكانات وعلاقات وتحالفات، فالرجل يمتلئ يقيناً بأن وجوده على رأس الحكومة أهم بكثير من وجود الدولة من دون رئاسته.

لقد برهن خلال حرب الأشهر التسعة على الجبهتين الشمالية والجنوبية عن جاهزية من جانبه للتضحية بالرهائن جميعاً إذا ما تطلبت مواصلة الحرب ذلك، وهو غير آبه باحتجاجات "رهائن حزب الله في المستوطنات الشمالية" الذين يرغبون في دخول المدارس في الفصل القادم، وقد تخلصوا من الخطر وإلى الأبد.

إنه يعتبر ذلك مجرد ترفٍ يمكن التخلي عنه ما دام يعبئ إسرائيل بفكرة أنها تخوض حرباً مصيرية تحتاج إلى تضحيات الجميع.

 ربما يقبل نتنياهو بصفقة جزئية تنتجها مفاوضات الدوحة الحالية، ولكن شرطه الأعمق الذي لا تراجع عنه أن تستمر الحرب إلى أجل غير مسمى لعلها تحمل له مفاجآت سارة تنعش آماله بولاية جديدة.

 

Loading...