أعتقد أن ملايين من البشر حول العالم ممن شاهدوا المناظرة بين الرئيس بايدن ودونالد ترامب وضعوا أيديهم على قلوبهم خوفاً على أمن هذا العالم واستقراره الذي يتنافس على قيادته رجل ضعيف يتحكم به مستشاروه ويلقنوه بالمعلومات تلقيناً بسبب قدراته الإدراكية الضعيفة، ورجل وقح عديم الثقافة يسبح بالفساد المالي والأخلاقي.
المناظرة بشكل عام كانت ضعيفةً وسطحيةً وعكست هبوط مستوى الإثنين وليس بايدن فقط، غير أن ما يهمنا نحن في العالم العربي هو ما طرح بشان الحرب على غزة وهنا سجل الاثنان التنافس في الانحدار القيمي عندما اتفقا على أخذ مواقف منحازة لصالح إسرائيل بشكل مقزز، وحاولا إظهار دولة آخر احتلال في العالم على أنها ضحية "السابع من أكتوبر" وأن "حماس الإرهابية" يجب أن تُباد وتُهزم، بالطبع هذا متوقع وليس مستغرباً، لكن الشيء المستهجن أن لا أحد فيهما تحدث عن المآسي التي سببها العدوان "النازي" على غزة وعلى كل شيء حي فيها، بل إن ترامب دعا إلى ضرورة استمرار الحرب في غزة للقضاء على حماس وتحدث تماماً كأنه بنيامين نتنياهو، ومن المعروف أن العلاقة الشخصية بين ترامب ونتنياهو قوية لدرجة كبيرة، واستطيع القول أن نتنياهو يدير كل هذه الملفات الساخنة من الحرب على غزة والتصعيد في شمالي فلسطين مع حزب الله وملف الأسرى في غزة وملف "تمنع واشنطن" من إعطاء الاحتلال القنابل الثقيلة (2000 رطل) وملف العزلة العالمية، يديرها كلها نتنياهو وفق "تكتيك" زمني مدروس يريد من خلاله انتظار دخول دونالد ترامب البيت الأبيض والجلوس في المكتب البيضاوي.
ولو أردنا تسليط الضوء على عقلية دونالد ترامب سنجد أنه بات أُلعوبة في يد الصهيونية المسيحية التي يمثلها "الإنجيلين" في الولايات المتحدة والذين ينسجمون تماماً مع مواقف "الصهيونية الدينية" داخل دولة الاحتلال وأقصد سموتريتش وبن غفير ولربما يكون ترامب أكثر تطرفاً منهما في نقطتين، الأولى منع إقامة دولة فلسطينية مستقلة قابلة للحياة من خلال توفير كل الدعم السياسي والمالي لإقامة المستوطنات في الضفة وفي غزة بعد انتهاء الحرب، أمّا النقطة الثانية فهي دعم الاحتلال بكل الامكانيات المتاحة وبخاصة بعد تجربة الحرب في غزة التي أثبتت أن تل أبيب أضعف مما كانت تسوقه عن قدراتها العسكرية والأمنية ولذا باتت بحاجة لكل أشكال الدعم لتكون "القوة الأعظم في الشرق الأوسط وتحديداً في مواجهة إيران".
لقد أشرت في كتابي المعنون "الإنجيليون وترامب ونهاية الخرافة" إلى عمق العلاقة بين ترامب والإنجيليين في أمريكا وأنهم كانوا سبباً أساسياً من أسباب نجاحه في الوصول للرئاسة، ولهذا نجده قد أوفى بوعده بنقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس والاعتراف فيها كعاصمة لدولة الاحتلال وهي "أول إدارة أمريكية تفعل ذلك رسمياً"
وأن هاتين الخطوتين تريدهما الصهيونية المسيحية أو الإنجيلين الأمريكيون من أجل الاسراع في عودة المسيح وإعادة بناء الهيكل الثالث مكان المسجد الأقصى حسب معتقداتهم.
في مناظرة بايدن - ترامب حاول هذا الأخير شتم بايدن بلفظ يعتقد أنه يُحقره فيه فخاطبه قائلاً (بايدن يتحدث كالفلسطينيين وهو فلسطيني سيء) ويقصد هذا ترامب اتهام بايدن بالتعاطف مع الشعب الفلسطيني رغم ما قدمه بايدن من دعم غير مسبوق لدولة الاحتلال في حرب الإبادة الجارية في غزة منذ تسعة شهور، وهدفه من وراء هذا الوصف هو مغازلة "الصهيونية الإنجيلية" في أمريكا.
لم نسمع ولا أي رد فعل واحد ضد هذا الوصف اللاأخلاقي لترامب من أي جهة، فيما انبرى للرد على وقاحة ترامب "جوش بول" المسؤول السابق في الخارجية الأمريكية الذي استقال في أكتوبر من العام الماضي احتجاجا على الدعم العسكري غير المحدود لدولة الاحتلال في حربها على قطاع غزة، يقول جوش في رده ما يلي (قبل يومين شهدنا مناظرة رئاسية استخدم فيها أحد المرشحين لقيادة أمتنا "كلمة فلسطيني "كشتيمة" والأسوأ من ذلك أنه استخدمها ضد المرشح الآخر الذي تسببت سياسته في قتل وذبح عشرات الآلاف من الفلسطينيين وهذا المرشح لم يعلق، وأنا أقف أمامكم هنا كل الذي استطيع قوله للرئيس السابق ترامب وللرئيس الحالي بايدن ولكل الأمريكيين (سوف يكون شرف لحياتي كلها أن أوصف بالفلسطيني)"
شكراً "جوش بول" نطقت بالنيابة عن كل أحرار العالم.