وكأن قدر منطقة الشرق الأوسط الواقعة في آسيا، غربًا وشرقًا، وبقية الجهات، أن يبقى التاريخ في حالة إعادة لنفسه.
كتبت يومًا عن انتخابات الأسد وانتحابات الشعب السوري، راجعًا إلى رواية "بيلان" (منطقة جغرافية في جبال الأمانوس) للروائي والأديب السوري دكتور موسى عباس، وهي رواية لمرحلة مفصلية من عمر نهر الفرات.
سألت يومها الدكتور موسى: "كيف ولم كتبتها؟" وأذكر حينها أني "تفلسفت وأضفت": "وما هو طقس كتابتها؟" وأنا، في حقيقة الأمر، لا أعرف شيئًا عن "الطقس الأدبي". كل ما أعرفه عن الطقس هو ما أسمعه في نشرة الأحوال الجوية!!
أجاب: "سؤال عريض الطّيف، لن أعيد الشكوى المرّة لبعض من أبناء جيلي، قضية المركز والأطراف. فالكل كان مهمّشًا في مرحلة وسمها "البعث" بالشعاراتيّة وفقدان التنمية الحقيقية، وبناء الدولة البوليسية. لا أدري، هل أقول أنه من سوء حظي أنني عشت بداية تفتح الوعي في السبعينات من القرن المنصرم، وهي مرحلة انقلاب العسكر حين صرخت مع زملائي في المرحلة الإعدادية في "مريبط"، الواقعة على الضفة اليسرى لنهر الفرات إلى الغرب من مدينة الرقة، في خريف 1970: "يسقط الفاشيست"، رغم أني، وأعترف أني لم أكن مدركًا لمعناها الحرفي. وبعدها تغير كل شيء، ففي هذه الأجواء بدأت مرحلة شديدة التعقيد في محيطي وتسربت خيوط جديدة في وعي الناس. هذا ما حاولت رصده في رواية "بيلان" أن أرصد ملامح فشل الدولة الوطنية في بناء مواطنة. وتحوّل حزب البعث الحاكم إلى مؤسسة تنتج الفساد وتحميه وتؤسس له في الثقافة والاجتماع والسياسة. فتمركز كل شيء حول الفرد، وما كانت الديكتاتورية إلا أداة هدم تستخدم الناس وتحولهم إلى كبش المحرقة لأوهام تدّعي الوطنية والقوميّة". وأنهى إجابته قائلاً: "تسألني عن طقس كتابتها، يا سيدي أخبرتك أنني نصف بدري، فنحن لا طقوس لنا، أكتب ما يعبر عن وجعي، وأحلم أن أكون صوتًا لأهلي."
هذا الحدث كان بمناسبة آخر انتخابات أجراها الأسد في سوريا بنتيجتها غير المتوقعة لمصلحته وذلك بسبب التنافس الشديد الديمقراطية!!
وآخر أعراس الديمقراطية كان في إيران منذ أيام قليلة حيث أجريت الانتخابات وتم تمديدها إلى ما بعد منتصف الليل وجاءت بالرئيس الإصلاحي مسعود بزكشيان الذي حظي بدعم وتأييد الإصلاحيين السابقين محمد خاتمي وحسن روحاني. وقبل تهنئته بالرئاسة أُثيرَ نقاشًا حول عدم كون منصب الرئيس مركز السلطة الحقيقي في إيران، حيث تتركز السلطة في يد المرشد الأعلى وأدواته التنفيذية المباشرة وفي طليعتها الحرس الثوري.
بالرغم من الثمن، لا بل الأثمان الباهظة التي دفعتها إيران في مرحلة الرئيس الراحل "رئيسي" حيث شهدت ثورة الحجاب وحصارا أكثر تشدُّدًا أمريكيًّا وأوروبيًّا وخسائر اقتصادية فادحة يصعب تعويضها لجسامتها حيث كانت بوابة الخروج من كل هذا الحرب المدمِّرة بين حماس واسرائيل وشقيقتها في جنوب لبنان سعيًا لفك طوق الحصار ووقف مسار تطبيع العلاقات مع إسرائيل في الدول المحيطة إيران.
ببساطة تكاد لا تنتهي العملية الانتخابية في هذا الشرق من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى رأس النبع إيران؛ إلاّ ويأتيك السؤال الكبير: "هل سيتغير شيء أم ستبقى نتيجة انتخابات هذه المنطقة، انتحابات شعوبها؟ إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولا!!!