مقالات مختارة

لأنها مفاوضات حول "اليوم التالي" | رون بن يشاي

أصبحت المفاوضات على صفقة المخطوفين في الأسابيع الأخيرة مفاوضات على "اليوم التالي" وهذا هو السبب الذي يجعلها صعبة، مليئة بالأزمات، وبالأساس طويلة.
التحفظات والمطالب التي طرحتها حماس، هي التي حولت المفاوضات من مساومة على تحرير المخطوفين الإسرائيليين مقابل وقف القتال وتحرير مخربين من السجن الإسرائيلي، الى مفاوضات على ما سيحصل في القطاع في نهاية الحرب.
عملياً، ما تطالب به حماس هو شروط تسمح لها ليس فقط في البقاء كجيش إرهاب في القطاع – مهزوم لكن لا يزال قائما – بل ان ترمم نفسها. وعليه فان حماس تطلب ان يخرج الجيش الإسرائيلي من محور نتساريم، ما يسمح لرجالها بالعودة مع سلاحهم الى معاقلهم في شمال القطاع، والاهم – الا يتمكن الجيش الإسرائيلي من الإشراف على محور فيلادلفيا ومعبر رفح اللذين تتلقى حماس عبرهما السلاح والمواد الخام لإنتاج السلاح عبر سيناء ومصر.
تستهدف التعهدات التي تطالب بها حماس من الدول الوسيطة، من الولايات المتحدة ويبدو أيضا من روسيا والصين – الا تتمكن إسرائيل من استئناف القتال –  نزع حرية العمل العملياتية لإسرائيل في القطاع في اليوم التالي.
يُلزم هذا العنصر الذي أدخلته حماس الى المفاوضات، إسرائيل أيضا بان تقرر المنحى المرغوب فيه بالنسبة لها، المنحى الذي يخدم مصالحها في اليوم التالي لصفقة المخطوفين التي تنهي عملياً الحرب وتنقلها الى وضع يسمونه في الجيش الإسرائيلي المرحلة الثالثة – صيانة الإنجازات التكتيكية الواضحة التي نجح الجيش الإسرائيلي في الوصول اليها في القطاع في تسعة اشهر القتال.
ما ستحاول إسرائيل تحقيقه في المفاوضات في واقع الامر هو ثلاث مصالح. الأولى هي الحفاظ على السيطرة الميدانية الاستخبارية والقدرة على جمع المعلومات البشرية التي توجد للجيش الإسرائيلي، واساسا للشاباك، الآن في قطاع غزة. الحفاظ على هذا التفوق الاستخباري حيوي لمنع قدرة حماس على إعادة ترميم نفسها كجيش إرهاب.
المصلحة الثانية لإسرائيل هي الحفاظ على حرية العمل العملياتي في القطاع حتى حين يخرج الجيش كله او معظمه. يدور الحديث عن قدرة على استغلال التفوق الاستخباري لأجل الإحباط بواسطة نار من الجو، من البر ومن البحر، او من خلال اجتياحات برية، استعدادات لتنفيذ عمليات إرهاب لمخربين وأساساً قدراتهم على حفر أنفاق جديدة وإنتاج وسائل قتالية وعبوات. الجيش والشاباك ملزمان بان يكونا قادرَين على إحباط كل محاولة لإقامة منظومة صاروخية جديدة.
المصلحة الثالثة هي الوصول الى تنسيق مع مصر حول تعاون يمنع تهريب وسائل قتالية ومواد خام لانتاج وسائل قتالية، وكذا منع خروج ودخول غزيين يتدربون ويجمعون المعرفة في إيران. تنسيق كهذا مع مصر يمكنه أن يعفي من بقاء في محور فيلادلفيا.
حماس لن تقبل ذلك بسهولة، لكن اذا ما أصرت إسرائيل، فلن يكون ليحيى السنوار مفر. هو الآخر يتعين عليه ان يلين، لأن الضغط العسكري الإسرائيلي بدأ منذ الآن يعطي بوادره.
محظور على إسرائيل أن تتنازل عن مصالحها الحيوية في الصفقة، لكن من جهة أخرى، في الحرب الاستراتيجية التي نوجد في ذروتها في هذه اللحظة، والتي ستقرر مستوى الأمن الجسدي القومي الذي سيكون لمواطني دولة إسرائيل عشرات السنين الى الأمام، فان صفقة مخطوفين هي في الأفضلية الأولى.
كيهود وكبشر لا يمكننا الوقوف جانبا حين يكون عشرات المخطوفات والمخطوفين يعانون وتتعرض حياتهم للخطر. علينا واجب أخلاقي وإنساني لان نفعل كل ما في وسعنا، بما في ذلك تقديم تنازلات أليمة لأجل تحرير المخطوفين الأحياء والأموات ولنا الحق الأخلاقي بعد ذلك لإعادة احتساب المسار.
فقط إنهاء قضية المخطوفين سيعيد قدراً مناسباً من رص الصفوف، التضامن الداخلي والحصانة القومية للمجتمع الإسرائيلي، بل ويرمم بشيء ما الثقة التي اهتزت تماما في أوساط المجتمع الإسرائيلي بالحكومة التي تديره.
الموضوع الثاني في سلم الأولويات الاستراتيجي هو انهاء المهمة في قطاع غزة: تدمير وهدم الأغلبية الساحقة من الأنفاق الاستراتيجية ومنظومة إدارة القتال تحت الأرضية الهائلة التي بنتها حماس في القطاع. ان أخذ منظومة الأنفاق الاستراتيجية هذه من ايدي حماس والجهاد الإسلامي لن يحرمهم فقط من إمكانية إدارة حرب عصابات قوية ضد قوات الجيش الإسرائيلي بل ويجبرهم الى الخروج الى فوق سطح الأرض ليكونوا فريسة لقوة النار الهائلة للجيش الإسرائيلي. هكذا يبدو حسم عسكري حقيقي حين تؤخذ من العدو بنيته التحتية وقدرته التكتيكية على إدارة القتال.
مهمة ثانية، مهمة بقدر لا يقل لهزيمة حماس هي قتل، القبض على أو نفي يحيى السنوار واخيه وواحد او اثنين آخرين من القيادة الغزية لحماس كي توقع ضربة معنوية على نشطاء منظمة الإرهاب في القطاع.
المهمة الثالثة هي البدء بإقامة نظام "اليوم التالي" المدني – الحكمي في القطاع، بمشاركة محافل دولية. هذا  يمكنه أن يتم من خلال إعطاء إمكانية للغزيين بان يديروا بأنفسهم مشاريع مختلفة من ترميم شبكات المجاري والنقليات، توزيع المساعدات الإنسانية من خلال محافل محلية ليسوا رجال حماس؛ ومنع رجال حماس من عرقلتهم والتدخل في عملهم.
لكن المَهمة المُهمة حقاً هي في الشمال. فقد جرى حديث كثير حتى الآن عن أنه ينبغي السماح لسكان حدود الشمال بالعودة الى بيوتهم دون أن تهدد قوة الرضوان بالانقضاض على بلداتهم ودون ان يكونوا خاضعين كل الوقت لتهديد الصواريخ، قذائف الهاون، مضادات الدروع والمُسيرات.
ينبغي أن يقال بوضوح: المَهمة في الشمال لن تنتهي عندما يبعد مسلحو حزب الله الى مسافة عشرة كيلومترات عن حدود دولة إسرائيل ويجرد الجنوب من السلاح. لحزب الله توجد ترسانة هائلة من عشرات آلاف الصواريخ والمقذوفات الصاروخية الثقيلة التي تعرض للخطر كل الجبهة الداخلية الإسرائيلية. ينبغي الاعتراف بان الصواريخ، المُسيرات ومضادات الدروع لدى حزب الله لن "تصدأ"، كما قدر ذات مرة رؤساء الأركان في إسرائيل. الحرب الحالية هي على ما يبدو الفرصة الاصح لهدم هذا التهديد قبل أن يجعله حزب الله والإيرانيون، بمعونة السوريين وحشاً لن تتمكن دولة إسرائيل وحدها من التصدي له. اليوم توجد لإسرائيل قدرة على التصدي لهذا التهديد وحدها، واذا ما تدخلت ايران فمعقول الافتراض بان الأميركيين سيكونون هنا لمساعدتنا. في المستقبل هذا لن يكون مؤكداً. علينا أن نتصدى لهذا الوحش، والجيش الإسرائيلي يمكن أن يفعل هذا الآن، بالطبع بتنسيق مع الولايات المتحدة.
هذه المَهمات الثلاث، تحرير المخطوفين؛ هزيمة حماس في غزة وتحييد تهديد حزب الله – إيران في الشمال وفي الشمال الشرقي، هي المهمات التي سنتصدى لها في الأشهر التالية. السياسيون ملزمون بان يفهموا بأن كل ما يمنع تحقيق هذه الأهداف ويقضم مما تبقى لنا من شرعية دولية، تمس بأمن أبنائنا وأحفادنا لعشرات السنين الى الأمام. السياسة والأيديولوجيا يجب أن تبقيا جانبا الى ما بعد إنهاء مهمات الحرب بنجاح.

عن "يديعوت أحرونوت"

 

Loading...