ثلاث طائرات إلى ثلاث اتجاهات

 

سوف تقلع طائرة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، حيث خطابه المنتظر في الكونغرس، ولقاءه الذي كان ممنوعاً في البيت الأبيض.

تزامن زيارة نتنياهو مع الحملة الانتخابية المسعورة في أمريكا، وفّر له فرصةً ثمينةً يتسابق فيها الديموقراطيون المتحفظون عليه، مع الجمهوريين الداعمين له، على الحفاوة به وتقديم الهبات والعطايا التي مهما تعاظمت تبدو رخيصةً أمام دعمه ودعم جماعته في الانتخابات المصيرية، للحزبين الديموقراطي الجريح والجمهوري المتحفز.

نتنياهو ينتقل من الكنيست الصغير، الذي ما يزال يتمتع بالأغلبية المقررة فيه، إلى الكنيست الكبير "الكونغرس" حيث الأغلبية الأكثر راحة له، بل والأكثر فاعلية لدعم أجنداته ومغامراته.

قبل إقلاع طائرته إلى واشنطن، زوّد رحلته بقرار استصدره من أغلبيته في الكنيست، يرفض الدولة الفلسطينية بصورة مطلقة، ولقد طوّر الرفض من حالته الملتبسة القديمة "رفض الإملاء" إلى حالة أكثر تحديداً أي رفض المبدأ، ومثلما جرّ "سيء الذكر" هنري كيسنجر "الكنيست الأمريكي" لرفض الاعتراف بمنظمة التحرير إلا وفق شروط وضعها هو، وجرى التقيد بها، فها هو نتنياهو يعيد الكرّة بعد عقود.

رحلته الحالية لها هدفان متداخلان:

الأول منع ولادة الدولة الفلسطينية أو الاعتراف بها مسبقاً.

والثاني تجديد ولايته المتراجعة بولاية جديدة، تكون واشنطن المتأهبة لاستقبال ترامب بمثابة الضمانة لها، ومثلما لم يجد نتنياهو صعوبة في استصدار أي قرار من الكنيست الصغير في إسرائيل، فلن يجد صعوبة في استصدار ما يريد من الكنيست الكبير في واشنطن.

في وقتٍ متقارب ستقلع طائرةٌ تحمل قادة الفصائل الفلسطينية إلى بكين، ليس من أجل إنشاء تحالف استراتيجي مع الدولة العظمى التي تنافس على زعامة الكون، وليس من أجل تسريع ولادة الدولة الفلسطينية التي يعمل نتنياهو وحلفاءه الأمريكيون على منع إقامتها، ولكن من أجل أن يتحاوروا مع بعضهم البعض، ليدخلوا موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأطول حوار عديم الجدوى في التاريخ، بين شقيقين واقعين تحت أشرس احتلال عرفته البشرية، ويتقاسمان الوطن والشعب وفق مقولة... من يحظى بجلد الدب قبل اصطياده؟

الطائرة التي ستقلع إلى بكين تحمل في داخلها من يحبون تلبية الدعوات، وإصدار البيانات لإرضاء الداعين، وما أن يعودوا إلى أرض الأزمة حتى ينصرف كل منهم إلى أجندته الخاصة، دون الاكتفاء بمواصلة الانقسام بل بالذهاب حثيثاً إلى جعله انفصال.

قبل ركوب الطائرة المتجهة إلى بكين، وضع ركابها ألغاماً لنسف أي إمكانية لإنجاز وحدة حقيقية، إذ تصاعدت لغة التخوين المتبادل، وهذا من شأنه أن يجعل من القبلات المتبادلة مجرد نفاق ليس إلا.

أُقدِّرُ أن الصين التي تستثمر في كل صغيرة وكبيرة في سياق منافستها على زعامة الكون، تكون قبل توجيهها الدعوة للفصائل قد درست الملف جيداً، درست الجهود المصرية الحثيثة والمواظبة، والتي لم تفضي إلى أي شيء يؤدي إلى إنهاء الانقسام، أو حتى خفض وتيرة العداء بين أطرافه، ودرست كذلك تجربة موسكو التي استضافت الفصائل فرادا ومجتمعين، وعادوا منها بخفيّ "مرزوق وعزام"، ودرست كذلك تجربة الجزائر التي ازدهرت سويعات وانطفأت بعد ساعات.

الصين ليست بالدولة الساذجة التي تبني آمالاً على استثمارات جُرّبت وفشلت، ولكنها كدولة عظمى لن تخسر جرّاء دعوة الفصائل لجولة محادثات على أرضها، إذ مجرد المحاولة تعتبر استثماراً وحضوراً في قضية لها بريقها الدولي ومكانتها في الإعلام.

طائرة نتنياهو إلى واشنطن ستحط على أرض الدعم المطلق لإسرائيل سواء كان نتنياهو على رأسها أو كان غيره، وسواء كذلك كان بايدن أو ترامب أو أي شخص آخر من يجلس في المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، أمّا طائرة الفصائل فستحط على أرض بيكين لمجرد استئناف الكلام الذي بدأ قبل ستة عشر سنة، ولم ينتهي ولم يتغير ولم يفضي إلى شيء.

الحرب على غزة وامتداداتها تحمل كل يوم وكل ساعة مفاجأة مدوية وآخر مفاجئات هذا الأسبوع انفجار الطائرة المسيّرة القادمة من بعيد في تل أبيب، ولقد أحدثت هذه المفاجأة جدلاً واسعاً في إسرائيل حول أسئلة متكررة، ولكنها دائماً بلا أجوبة، كيف وصلت المسيرة؟ ولماذا أخفقت الدفاعات المتطورة في إسقاطها قبل دخولها المجال الجوي الإسرائيلي؟ ولماذا لم تنطلق صافرات الإنذار؟؟ ولماذا ولماذا ولماذا؟

مفاجأة غذّت الإحباط الجماعي الذي يعيشه سكان إسرائيل، ما حمل لبيد زعيم المعارضة إلى قول "لقد انفجرت المسيرة على مقربة من منزل والدتي، إذاً لم يعد في إسرائيل مكانٌ آمن".

 

 

 

Loading...