ًضَرَبَت طائرةٌ مُسَيَّرَةٌ تل..أبيب وقَتَلت شخصا!
حَدَثٌ شَحَنَهُ ملايينٌ العربِ بِجُرعَةٍ عاليةٍ من الرمزية. العرب المهزومون دائما أمام “العدو التاريخي” والباحثون عن وَهَمِ انتصارٍ لِتَرميم جُروحِهم النَرجِسِيَّة. ألم ينهزموا في كل الحروب التي خاضوها ضد العدو؟ أليس وَهَمُ نصرٍ كافياً لَتَخديرِ الأَلم وتَخفيفِ المهانة؟
َلكن المُسَيَّرة قادمة من اليمن. ادعت الميليشيا الحو..ثية مسؤوليتها عن الهجوم. فجأةً، نسي العرب جوع اليمن وفَقرَهُ وحربه وأوبئته والجحيم الذي تُصلي نارَهُ ميليشا المُقاومة. انتشر وَسَمُ “اليمنِ السعيد” في ِ”السوشيال ميديا” بنبرةِ فخرٍِ ممزوجةٍ ببكاءِ المهزوم الذي شاهد قاهرَه التاريخي يتأذّى من عَضَّة بَعوضة”.
“اليَمن قصفَ تل..أبيب”، هكذا بِعمومية وخِفّة وكان اليمن كُتلة مصمتة لا تنوع فيها ولا تعقيدات ولا اختلاف.
عندما يقصف حزب الله أحد يدعي أن “لبنان قصفت اsرائيل “. لكن اليمن مجرد كتلة مجهولة. وها هي الكتلة تعود سعيدة بلمسة سحرية من العواطف العربية الجياشة.
هذا هو هدف الميليشيا من التدثر بالقضية. إخفاء حرائمها بحق اليمنيين عبر اصطناع بطولات ضد العدو.
والنجاح مضمون.
فاليمن “ذلك المجهول” لا زال مجهولاً. قِلَّةٌ من يعرفون ما يحدثُ في الجحيم اليومي الذي بدأ باجتياح الميليشيا لِصَنعاء في 2014.
قِلَّةٌ من يعرفونَ أن الميليشيا قتلت من اليمنيين أكثر مما قتلت اسرائيل من الفلسطينيين. قِلَّةٌ يعرفون أن 4 ملايين يمني فقدوا بيوتهم وارزاقهم وتحولوا الى نازحين داخليين منذ عقد من الزمان. قِلَّةٌ من يعرفون أن 20 مليون يمني يعانون من جوع دائم وبأمس الحاجة للمساعدة الإنسانية.
حققت العملية الاستعراضية هدفها. تمت تغطيةُ واقعَ الجوعَ والفقرِ والدمارِ بلونٍ وردي زائف اسمُهُ “اليَمَنُ السَّعيد”. استعاد اليمن سَعادَتَهُ من بوابة الميليشيا، وتَحولَّ القاتلُ الطائفي العنصري الى بَطَل.
بالنسبة لملايين العرب الباحثين عن ضَماٍد للتَداوي، ليسَ في اليمن الا الفخرُ والمُسَيَّرات والنُصرة. أما الميليشيا التي تنفذ احكامَ الإعدامِ العشوائية بالعَشَرات، وتَغتَصِبُ النساءَ في السجون، وتُفَجِّر منازلَ المدنيين على رؤوس الآمنين، فقد تم تعميدُها بنارِ المُسَيَّرة وتم تطهيرُ الميليشيا من جرائِمها ورفعُها أمام الرأيِ العام طاهرةً بلا خطايا!
في نفسِ اليوم ارتكبت الميليشيا الخو..ثية مجزرةً داخلَ جامعٍ وقَتلت وجرحت 13 شخصا، واستمرَّت في ملء سُجونها بمعتقلين جدداً يدخلون ويختفون لسنوات عن عائلاتهم ويخرجون، إذا خرجوا، مَوتى أو فاقدي الارتباط بالواقع.
لكن الميليشيا عُمِّدَت وطُهِّرَت من كل خطاياها السابقة واللاحقة.
وأي ضحيةٍ يمني سيرفعُ صوته صارخا من ظلمِ الميليشيا سيصبح عدوَّ الجماهير العربية التي تغطي جروحَها بالضماد المسموم.
في هذه اللحظة يتشابه قدر الفلسطيني في غزة مع قدر اليمني في مناطق سيطرة الميليشيا.
فالفلسطيني، من وجهة نظر الجُموع، لا يتألم ولا يخاف ولا يجوع. انه فدائي خُلِقَ ليموتَ نيابةً عن خيباتِِ العرب وهزائِمهم.
واليمني ليس فقيرا وجائعا ومقهوراً. انه بطلٌ يزرعُ الفَخر في قلوب الشعوب المهزومة.
ُوالقاتلُ الذي دمّرَ حياة اليمني وتسبَّب في قتل أطفاله وتجريف مستقبلهِ هو بطلُ الآخرين الذين يتفرجون على المشهد من بعيد. وكلما بَعُدَت زاوية المشهد صارَ الدمُ، في عيونِ المُتفرج الفخور، ورودا ربيعية، وجثثُ القَتلى تماثيلَ بطولة، وصراخُ الثَكالى اناشيدَ فخرٍ وانتصار.
عن موقع الشرق الأوسط الشفاف