للحكومات عبر التاريخ ثلاث مهمات ووظائف أساسية تسعى لتحقيقها وهي الأمن والصحة والتعليم، وما دون ذلك هي تفرعات عن تلك المهام، فالاقتصاد بحاجة إلى الأمن والصحة والتعليم والصناعة والزراعة وكل مقومات الدولة الأخرى. فالأمن على سبيل المثال يشمل كل أنواع الأمن ومشتقاته ومنها الأمن الغذائي والأمن الاجتماعي وحماية الأرواح والممتلكات إلى غير ذلك. التعليم بشقيه العام والعالي والجامعي هما بالأساس مهمة الحكومة وهي التي تسعى لتوفير التعليم للمجتمع. وحسب القانون والأنظمة من حق الجميع الحصول على التعليم الملائم معقول الكلفة، دون تمييز مبني على القدرات المادية، فتقدم المجتمع مرتبط كلياً بتمكين الكفاءات والعقول من المشاركة والمساهمة في بناء الوطن، وأهم لبنه لذلك تمكينهم من التعليم الجامعي بكرامة ومساواة. يتميز نظام التعليم الجامعي الفلسطيني عن غيره من الدول بوجود ثلاثة أنواع من الجامعات. فهناك الجامعة العامة والخاصة والحكومية. في العالم هناك نوعان من الجامعات إما حكومية أو خاصة ربحية أو غير ربحية. فالجامعة العامة هي التي كانت نتيجة جهود خيرة من رجالات الوطن الذين تداعوا لتأسيس جامعات عامة في مرحلة الاحتلال الإسرائيلي لتكون قواعد للعلم والمقاومة ولنشر الثقافة الوطنية، وكانت تلك الجامعات مرتبطة سياسياً بمنظمة التحرير الفلسطينية وتمول تلك الجامعات من المنح والهبات وأقساط الطلبة. أما الجامعات الخاصة فهي الجامعات التي انبثقت عن شركات خاصة استثمارية وجدث الاستثمار في التعليم طريقاً للربح وهذه الجامعات يتم تمويلها من المساهمين ومن أقساط الطلبة المرتفعة بالمقارنة مع الجامعات العامة غير الربحية. أما الجامعات الحكومية فظهرت في وقت متأخر من تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية. وهذا النوع من الجامعات يمول من الحكومة ومن دافع الضرائب الفلسطيني، وتحقق رؤية واستراتيجية الحكومة في التعليم وتطوير برامج وتخصصات تعكس تطلعات الحكومة في الحد من البطالة وخلق المزيد من فرص العمل، وكذلك توفير تعليم ميسّر للفئات الفقيرة وذوي الدخل المحدود. فالجامعة الحكومية من واجبها أن توفر التعليم برسوم تكاد تكون زهيدة لأن تمويلها بالكامل يأتي من الحكومة، فهناك المكرمات والمنح والخصومات للعديد من فئات المجتمع التي لا تقدر على نيل التعليم في الجامعات العامة أو الخاصة لمحدودية الدخل فهو دور الحكومة في توفير التعليم لها. والجامعة الحكومية تتبع الحكومة إدارياً ومالياً، والحكومة هي التي تشرف على كل تفاصيلها وحوكمتها من تعيين مجلس أمناء ورئيس لها بمرسوم رئاسي يصدر عن رئيس الدولة بتنسيب من الحكومة. وتعيين أعضاء هيئة التدريس وإنشاء البنى التحتية من أبنية ومختبرات ومرافق بعكس الجامعة العامة والخاصة. فالجامعة العامة يكون تعيين مجلس أمنائها من شخصيات عامة ومجلس الأمناء يعين رئيس الجامعة. أما الجامعة الحكومية فيرصد لها مخصصات في الميزانية العامة للدولة لتنفيذ رؤيتها واستراتيجيتها لأنه ليس لها سلطة كحكومة على الجامعات العامة والخاصة. فمثلا في الأردن هناك نوعان من الجامعات. جامعات حكومية متربطة بالحكومة تمويلاً وإدارة وإشرافاً، وجامعات خاصة تملكها شركات، وتشرف عليها مجالس إدارة وهي التي تعين مجالس أمنائها وإداراتها، وقد أنشئت الجامعات الحكومية أولا في الأردن لأنها ضرورة من ضرورات مقومات الدولة الأردنية، فأنشئت الجامعة الأردنية بإرادة ملكية في العام ١٩٦٢، وتلتها جامعات حكومية أخرى في كل محافظة، وفي العام ١٩٩٠ أنشئت أولى الجامعات الأردنية الخاصة وهي جامعة عمان الأهلية، وعند ترخيصها طلب منها الاطلاع على تجربة ومعايير الجامعة الحكومية لنقل التجربة، ولتوفير متطلبات العملية التعليمية تمهيداً للحصول على الاعتماد العام للجامعة، وتلتها الجامعات الخاصة بعد ذلك. الوضع في فلسطين مختلف تماماً فأنشئت الجامعات العامة في أوائل السبعينات، وأولها جامعة بيرزيت في عام ١٩٧٢ وتلتها جامعات عامة أخرى وجامعات خاصة بعد العام ٢٠٠٠. أما بالنسبة للجامعة الحكومية، فأول جامعة حكومية تم انشاؤها هي جامعة فلسطين التقنية خضوري والتي أسست في العام ١٩٣٠ كمدرسة زراعية ثم تطورت إلى معهد زراعي حتى تم ترقيتها إلى جامعة في العام ٢٠٠٧. وفي العام ٢٠٢٠ ارتأت الحكومة الفلسطينية الثامنة عشرة إنشاء جامعة حكومية أخرى هي جامعة نابلس للتعليم المهني والتقني، وذلك للضرورة والحاجة الماسة للتخصصات المهنية والتقنية، وخاصة بعد الأوضاع السياسية من إغلاقات ومنع العمالة الفلسطينية من العمل في إسرائيل وارتفاع معدلات البطالة والحاجة إلى خلق المزيد من فرص العمل، فكانت جامعة نابلس إلهاما للتجارب العالمية وخاصة الألمانية منها.
فالجامعة الحكومية من وظيفتها توفير كل أنواع التعليم والتخصصات للفئات الفقيرة والتي لا تستطيع توفير تكلفة التعليم في الجامعات العامة والخاصة، فهي تنفذ سياسة الحكومة في التعليم من تخصصات ومنح وإعفاءات، حسب التعليمات والأنظمة الحكومية. وهذا تنتج عنه عدة أمور:
أولاً: الأمن الاجتماعي بتوفير تكافؤ الفرص للعقول بعيداً عن القدرات المادية.
ثانياً: تمكين الدولة من التخطيط التعليمي من خلال البرامج والمواضيع التي يتم إقرارها في الجامعات الحكومية والمراجعات الدائمة.
ثالثاً: توفير التعليم الجامعي في كافة المواقع الجغرافية.
رابعاً: استخدام التعليم الجامعي أداة للتخطيط الجغرافي من خلال إقامة الجامعات في المناطق المهمشة لتعزيز واقعها الاقتصادي.
خامساً: تعزيز التبادل العلمي الدولي من خلال البعثات والمنح المتبادلة، حيث تكون هذه المنح في الجامعات الحكومية.
سادساً: استقطاب الكفاءات العالمية للبحث العلمي والتطوير من خلال منح البحث العلمي، كما هو معمول به عالمياً.
سابعاً: تمكين التعاون الدولي واستقطاب الدعم الدولي لبرامج الجامعات الحكومية، كونها أداة لإنفاذ برامج الإصلاح والحوكمة الحكومية.
من الجدير ذكره أن الجامعات الحكومية ليست بديلاً عن الجامعات الأهلية والخاصة وإنما إعادة هيكلة النظام التعليمي الفلسطيني، حيث يختار الطالب ما بين الجامعات المختلفة حسب البرامج التي يرغب بالالتحاق بها، وحسب قدراته المادية.
إن الاستثمار في الجامعات الحكومية له من الأهمية الاقتصادية الكبيرة أيضا بالنظر إلى عدم قدرة الجامعات القائمة على استيعاب أعداد خريجي الثانوية العامة، وخروج أعداد كبيرة للتعلم في الخارج وكلفتها الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة.
*
رئيس جامعة نابلس للتعليم المهني والتقني