تداعيات خطاب العرش أمام الكونغرس والتحديات الماثلة أمامنا

 

 

في خطابه أمام الكونغرس الأمريكي، شهد بنيامين نتنياهو مقاطعة عدد كبير من نواب الحزب الديمقراطي وخاصة من التيار التقدمي فيه ولافتة تدعوه بمجرم الحرب رفعتها رشيدة طليب واحتجاجات حاشدة خارج مبنى الكونغرس من المتظاهرين، وذلك في ظل تصاعد أشكال حرب الإبادة والترحيل والإحلال بحق شعبنا.

لقد سعى نتنياهو من خلال الخطاب لتعزيز الدعم الأمريكي لإسرائيل، لا سيما في سياق الصراع المستمر بالمنطقة واستمرار الاحتلال الاستيطاني. وقد تطرق في كلمته إلى دفاعه عن مبررات الحرب العدوانية في غزة وانتقاده للمظاهرات ضد سياساته التي اتهمها بأنها تقف إلى جانب محور الشر في هذا العالم، لقد حاول نتنياهو أن يهرب من ما تتعرض له حكومته الفاشية بإسرائيل من أزمات إلى محاولة الحصول على التعاطف الأمريكي في دعم آخر نظام استعماري عنصري، لكن خطابه سيزيد من التوتر بين الحكومة الإسرائيلية وبعض الأعضاء الديموقراطيين في الكونغرس، ويعزز الانقسام في الولايات المتحدة بشأن دعمها لإسرائيل، خاصة مع التحولات الجارية بالرأي العام الدولي تجاه مكانة ودور دولة الاحتلال والتأييد الجارف من شعوب العالم وعدد كبير من الدول بضرورة إنهاء الاحتلال وتنفيذ حق تقرير المصير لشعبنا بمن في ذلك قطاعات أمريكية شعبية واسعة.

اليوم هذا الخطاب الذي انتقده العديد من نواب الكونغرس الديموقراطيين ومن أوساط إسرائيلية كما ويهودية أمريكية، يشكل فرصة وحافزاً إضافيا لنا نحن الفلسطينيين وأصدقائنا حول العالم لتصعيد التضامن الدولي ولتسريع جهود تكريس الوحدة الوطنية على قاعدة وحدة الأرض وكافة أبناء شعبنا الواحد وتطوير وتوسيع منظمة التحرير كعنوان وإطار تمثيلي شرعي وحيد من أجل تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بين الفصائل في بكين قبل أيام وبالمقدمة من ذلك تشكيل حكومة التوافق الوطني للإسراع في مواجهة ووقف العدوان إن كان في غزة أو الضفة والقدس والتوافق على رؤية وبرنامج وطني واضح، والدفع باتجاه تصعيد الجهود الدولية نحو حل قائم على إنهاء الاحتلال أولاً وفق مبدأ الخيار الأممي لحل الدولتين وسنداً لقرارات محكمة العدل الدولية قبل أيام من أجل زيادة عزلة إسرائيل بالمحافل الدولية ووجوب تعليق عضويتها وإعلان الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال دون تأخير واستكمال حصولها على العضوية الكاملة بالأمم المتحدة مع ضرورة حث كافة الدول ليس فقط على إدانة جرائم دولة الاحتلال، لكن لمقاطعة هذه المنظومة من الإستعمار الكولنيالي والابرتهايد، وقد يكون ممكنا اليوم إعادة الاعتبار لقرار الأمم المتحدة بإدانة الصهيونية الذي تم إلغائه بعد المتغيرات الدولية عام 1991.

في خطابه الذي امتلئ بالكذب وتزوير وقائع التاريخ، تحدث نتنياهو عن صراع الخير والشر وهي رؤية تتفق تماما مع رؤية الانجيليين والمسيحيين الصهيونيين حول حرب هارماغدون. حرص نتنياهو على كسب دعم الجمهوريين المحافظين في تلك الرؤية المزعومة التوراتية، مما هدف به نحو إشاعة فكرة ما تقدمه إسرائيل من خدمات للولايات المتحدة وتعزيز التحالف الأمريكي الإسرائيلي في ظل الإدارة الأمريكية الحالية أو القادمة مع احتمالات فوز ترامب الذي كان قد أعلن عن حروب قادمة من أجل السلام!

الهجوم على الجامعات الأمريكية والمظاهرات، إلى جانب دعمه الواضح للجمهوريين والمسيحيين الصهاينة، عكس تدخله في الشؤون الداخلية الأمريكية بشكل سافر مما قد يفاقم الانقسام السياسي في الولايات المتحدة. هذا النهج قد يقوي الروابط بين الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية على المستوى الرسمي، ولكنه قد يزيد من التوترات بين الحكومة الإسرائيلية والمجموعات الديمقراطية التقدمية في الكونغرس خاصة في حال فوز الحزب الديمقراطي، ومع أوساط واسعة من المجتمع الأمريكي التي باتت تخرج بالمظاهرات منذ عام.

التصفيق الحار الذي حصل عليه نتنياهو من الجمهوريين وجزء من الديمقراطيين على حد سواء والذي قلما حظي به رئيس أمريكي يعكس الدعم القوي له وللسياسات الإسرائيلية من قِبل المحافظين تحديداً في الكونغرس الأمريكي وحتى أعدادا من الديمقراطيين ويدلل على سقوط هؤلاء معا إلى قعر ثقافة الإرهاب والاستغلال والفكر الاستعماري.  كما يعكس التصفيق التقدير للعلاقة الوثيقة بين إسرائيل والولايات المتحدة وللدور الذي تلعبه إسرائيل كحليف استراتيجي لها في الشرق الأوسط وللغرض أساساً من إقامتها على حساب حقوقنا التاريخية .

إن دعم الإدارات الأمريكية المتعاقبة لسياسات نتنياهو اليمينية المتطرفة يعود إلى عدة أسباب استراتيجية ومنها، أمن إسرائيل: حيث يرى الجمهوريون ومعهم عدد من أوساط الديمقراطيين وعلى رأسهم بايدن في إسرائيل حليفاً أساسياً ضد التهديدات الإقليمية في مواجهة مصالح الولايات المتحدة. التوافق الأيديولوجي والديني: القيم اليمينية المشتركة والقيم الدينية المعتمدة على العهد القديم التوراتي كما والتماهي حول قيم الحضارة الغربية في مواجهة الشرق إضافة إلى تماثل منهج إقامة الولايات المتحدة وإسرائيل وفق سياسات التطهير العرقي لأصحاب الارض هنا وهنالك. التأييد الداخلي: جذب دعم الناخبين الأمريكيين المؤيدين لإسرائيل، بما في ذلك المسيحيين الصهيونيين الذين يشكلون قاعدة انتخابية هامة. السياسات الخارجية: تعزيز نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من خلال تحالف قوي مع إسرائيل في محاولات تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد واعتبار إسرائيل خط الدفاع عن الغرب الإستعماري. المصالح الإقتصادية والمالية: والتي تتمثل بالسيطرة على الطاقة والغاز والطرق التجارية ومصالح الصناعات العسكرية والمال اليهودي .

من جهة أخرى فإن خطاب نتنياهو قد يُعتبر شكلاً من أشكال التدخل في الشأن الداخلي الأمريكي، خاصة من خلال التأييد المبطن لسياسات دونالد ترامب والجمهوريين. فقد أظهر نتنياهو دعمه للجمهوريين ولترامب بشكل غير مباشر من خلال مواقفه وتصريحاته التي تتماشى مع أجندة الجمهوريين، مما قد يُفسّر كنوع من التأثير على الانتخابات الرئاسية القادمة. هذا النوع من الدعم يعزز التحالف بين القيادة الإسرائيلية واليمين الأمريكي، ولكنه قد يثير الانتقادات من أعداد أصبحت تنمو من الديمقراطيين والمعارضين الذين يرون فيه تدخلاً في السياسة الأمريكية رغم الدعم المستمر الذي قدمه الحزب الديمقراطي لسياسات دولة الاحتلال بل والشريكة معها خاصة بما يجري من إبادة جماعية في غزة وصهيونية بايدن .

إذا فاز ترامب بالانتخابات الرئاسية القادمة واستمر نتنياهو في الحكم، فمن المحتمل أن يؤدي ذلك إلى زيادة التوتر وتفاقم الصراعات في الشرق الأوسط وبمناطق أخرى حول العالم بشكل أكبر وأوضح. ترامب ونتنياهو يتشاركان في سياسات متشددة تجاه إيران ومنظمات المقاومة في المنطقة، مما قد يزيد من احتمالات التصعيد العسكري. كما أن دعمهما المتبادل قد يشجع على اتخاذ خطوات أكثر عدوانية بحق شعبنا، مثل توسيع المستوطنات في الضفة الغربية وضم المناطق أو القيام بعمليات عسكرية واسعة النطاق، مما سيؤدي إلى تفاقم الوضع في المنطقة ويزيد من احتمالات نشوب حروب جديدة.

ومن جانب آخر، فمع صعود اليمين الشعبوي المتطرف في أوروبا وفوز ترامب بانتخابات الرئاسة واستمرار نتنياهو في الحكم وفق رؤيته التي عكسها بالخطاب، يمكن أن يتشكل مثلث تحالف قوي بين واشنطن وبروكسل وتل أبيب. هذا التحالف قد يؤدي إلى زيادة التوترات في السياسة الدولية نظراً لتبني سياسات أكثر تشددا تجاه قضايا مثل الهجرة والأمن الداخلي والعلاقات مع الدول الأخرى مثل إيران، وتداعيات ذلك على الأمن والسلم الدوليين التي قد تشمل زيادة الصراعات الإقليمية، وتفاقم الأزمات الإنسانية، وتزايد الاحتكاكات مع القوى الكبرى مثل روسيا والصين.

خطاب نتنياهو أكد على ضرورة استسلام حماس كشرط لإنهاء الحرب، مما يمكن تفسيره على أنه رفض واضح لأي مبادرة تفاوضية تتضمن توقيع اتفاق سنداً لتلك المقترحات التي كان قد قدمها سابقاً بايدن وتم اعتمادها بقرار في مجلس الامن، الأمر الذي يدلل على عدم وجود نوايا لديه، لا لتوقيع صفقة التبادل ولا لوقف الحرب. انتقاد نتنياهو للمعارضة الإسرائيلية في خطابه يعكس محاولته تعزيز موقفه الداخلي ضد الانتقادات، هذا الموقف المتشدد يمكن أن يُعقد الجهود الأمريكية للتوسط في اتفاق وقف النار ويزيد من التوترات وهو ما يريده نتنياهو، مما يُصعب تحقيق استقرار طويل الأمد في المنطقة ويقوض الموقف اللفظي المنافق للإدارة الأمريكية حول إقامة دولة فلسطينية بالرغم من إفراغ مضمونها، كما يهدد أي إمكانية لوجود استقرار اقليمي بالمنطقة .

بالنتيجة فإن خطاب العرش على حساب دماء شعبنا أمام أسياد الاستعمار والذين باتوا صغاراً اليوم أمام كفاح الشعوب من أجل حرياتها وحقوقها، قد عكس ضعف نتنياهو وفشله الاستراتيجي والسياسي وتميز حديثه بروح الخطاب الاستعماري وبجنون عظمته والاستناد إلى الفزاعة المفضوحة لمعاداة السامية والعدو القضائي الدولي ممثلا بمحكمتي العدل والجنائية الدولية والتهديد الإيراني لمحور الخير، كما ولم يقدم أي أفق حتى لعائلات أسرى جنودهم الإسرائيليين وزاد من الانقسام بين الحزبين الأمريكيين وتفاقم أزمات المجتمع الإسرائيلي نفسه. كل ذلك في محاولة إلى تصعيد الوضع في الشرق الأوسط هروباً من أية حلول سياسية قد تقضي على مستقبله السياسي والشخصي من جهة ولمحاولات استمرار تنفيذ المشروع الصهيوني الاحلالي، الذي بات يحتضر اليوم بفعل أزماتهم وكافة المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية من جهة أخرى .

 

 

Loading...