مقالات مختارة

حرب في الشمال؟ التصريحات الساخنة لا تعبّر عن رغبة حقيقية | عاموس هرئيل

 

 

52 دقيقة، كانت مدة خطاب رئيس الحكومة في الكونغرس الأميركي، و52 مرة قام الجمهور، على الأقل الجمهوريون، على أرجلهم وصفقوا له. حتى الآن واشنطن ستبقى دون تغيير أيضا في الأسبوع القادم وكذلك القدس. رتب نتنياهو في الحقيقة الأمور وتلاعب بها بحيث يحظى بنهاية أسبوع في الولايات المتحدة، حيث مدد غيابه عن البلاد لأسبوع كامل تقريبا في ذروة الحرب. لكن عندما سيعود إلى البلاد في يوم الأحد، ستنتظره مشاكل سيجد صعوبة أو أنه لا يريد حلها: استمرار الحرب في القطاع، صفقة المخطوفين العالقة، خطر اشتعال حرب شاملة مع "حزب الله" في الشمال.
في الوقت الذي يتعثر فيه الائتلاف بسبب التوتر مع أحزاب اليمين المتطرف فإن نتنياهو يقوم بتأخير المفاوضات حول الصفقة بشكل متعمد. ورغم التفاؤل الذي نثره على أبناء عائلاتهم الذين رافقوه في رحلته. التقدم في المفاوضات يمكن أن يتأثر الآن أيضا بنقص الاهتمام من الجانب الأميركي. طاقم الرئيس جو بايدن كان في حالة ذعر في الأسابيع الأخيرة إزاء ما ظهر كرفض منه للانسحاب من المنافسة على الرئاسة. خشيت جهات رفيعة في الإدارة من أن تصميم بايدن العجوز سيمهد الطريق لفترة ولاية ثانية لترامب الذي لا يخفي حلمه بأن يصبح الديكتاتور الأول في تاريخ الولايات المتحدة.
بث إعلان انسحاب بايدن ونقل الشعلة لنائبته كمالا هاريس روح الحياة في الحزب الديمقراطي. يبدو في هذه الأثناء أن معظم الديمقراطيين متوحدون حول ترشحها غير المثير للحماس. السؤال هو كم هي الجهود والموارد التي يمكن لبايدن في آخر أيام رئاسته تكريسها لضمان ارثه في مجال السياسة الخارجية في الشرق الأوسط – وقف إطلاق النار، إعادة المخطوفين وربما أيضا التطبيع بين اسرائيل والسعودية.
نُشر في موقع "اكسيوس" وفي صحيفة "واشنطن بوست" عن لقاء ثلاثي في دولة الإمارات بين ممثلي الدولة المستضيفة وجهات رفيعة أميركية وإسرائيلية. وقد كانت على الأجندة أفكار لترتيبات اليوم التالي للحرب في القطاع. وحسب التفاصيل التي وصلت للصحيفة فقد كان على الأجندة تعيين نوع من لجنة إدارة دولية، وتحتها مدير فلسطيني يكون المسؤول عن إعادة إعمار القطاع. المرشح الرئيس لهذا المنصب هو رئيس الحكومة الفلسطينية السابق سلام فياض. هذه الخطوة يمكن أن تكون مدعومة بقوة أمنية متعددة الجنسيات، بعضها من دول عربية وإسلامية إلى جانب شركات حماية خاصة أميركية. دولة الإمارات غير متحمسة للتعاون مع القيادة الحالية للسلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. في المقابل، هي تعمل على الدفع قدما بالشريك المخضرم من القطاع، محمد دحلان (طرحت أيضا فكرة إطلاق حليف دحلان من السجن، مروان البرغوثي، وطرده إلى الخليج).
إضافة إلى ذلك، يجري نقاش حول حلول تكنولوجية لمراقبة ما يحدث في محور فيلادلفيا على الحدود المصرية في رفح. حسب تقديرات "الشاباك" فإن الأمر سيحتاج بضعة اشهر من اجل تركيب وسائل المراقبة على الحدود. في المقابل، هناك وثيقة تمت بلورتها في قيادة المنطقة الجنوبية، أعجبت نتنياهو الذي يؤيد البقاء الإسرائيلي الدائم في المحور. بخصوص معبر رفح، فقد تم التحدث عن تواجد رمزي لجسم يرتبط بالسلطة الفلسطينية إلى جانب استئناف التفويض لقوة مراقبين أوروبية، التي فشلت في مهمتها هناك بعد الانفصال في العام 2005.
حقيقة أن "حماس" تتعرض لضغط شديد هي حقيقة غير قابلة للنقاش. هذا يحدث إزاء استمرار الحرب ومعاناة السكان والمس بقدرات "حماس". في هذا الأسبوع، نشرت "حماس" منشورا فيه نوع من الاعتذار للجمهور الفلسطيني. "نحن نعرف حجم ألمكم نتيجة الدمار المنهجي وحرب الإبادة"، كتب في المنشور. الجيش الإسرائيلي يستمر في استخدام الضغط. فإضافة إلى استمرار عمليات الفرقة 162 في رفح عادت هذا الأسبوع الفرقة 98 إلى خان يونس، في عملية تم فيها إنقاذ خمس جثث مخطوفين. بالنسبة لسكان المدينة هذا كان يعني المزيد من الإخلاء القسري والسريع إلى أماكن بديلة لا يوجد فيها شعور بالأمان الحقيقي.
من غير اللطيف قول ذلك، لكن إعادة المخطوفين بهذا الشكل مريحة للحكومة، دون مفاوضات ودون تقديم تنازلات يصعب تحملها ودون شهادات عن الفظائع التي مروا بها في أسر "حماس". ولكن ما زال هناك حتى الآن 115 إسرائيليا في القطاع، الذين اكثر من نصفهم يبدو أنهم ليسوا أحياء.
لا يمكن إعادتهم جميعا بالقوة. فللمرة الأولى منذ تشرين الثاني يوجد إجماع نادر في المستوى الأمني لصالح الصفقة بذريعة أن "حماس" قامت بتليين موقفها وأن أي تأخير آخر سيكلف حياة المخطوفين. هذه هي الصورة التي سيواجهها نتنياهو في بداية الأسبوع القادم. ولا يوجد أي يقين بأنه هو نفسه سيقرر تليين مواقفه. كبار الشخصيات، على رأسها وزير الدفاع يوآف غالانت، سيتعين عليهم التقرير إلى أي درجة يمكن كشف اختلاف المواقف بينها. حتى الآن رد الجمهور لامبالٍ بشكل كبير. ودون استيقاظ القيادة الأمنية والجمهور الواسع فإنه مشكوك فيه أن يتم الدفع قدما بالمفاوضات.

خوف مزدوج

يؤثر التأخير في التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بصورة مباشرة على استمرار الحرب في الشمال. تعهد رئيس "حزب الله"، حسن نصر الله، بمواصلة إطلاق الصواريخ على اسرائيل طالما استمر القتال في القطاع. وعدم قدرة اسرائيل على وقف إطلاق الصواريخ والقذائف المضادة للدروع والمسيرات، وحقيقة أن البلدات قرب الحدود فارغة منذ تشرين الأول الماضي، كل ذلك يزيد خيبة الأمل في الحكومة وفي الجيش. النتيجة هي مناوشات يومية يصعد فيها الجيش الإسرائيلي قليلا هجماته، لكنه يحذر من القيام بخطوات يمكن أن تؤدي إلى الحرب الشاملة، و"حزب الله" يرد وفقا لذلك. لكن الأضرار المتراكمة للهجمات في لبنان، كما نشر هنا منذ بداية المواجهة، لا تترجم إلى إنجازات استراتيجية. القيادة في اسرائيل لا تعثر على طريقة أخرى لإعادة السكان إلى بيوتهم، باستثناء الحرب الشاملة أو وقف كامل لإطلاق النار، وهي الخيارات التي تمتنع عن القيام بها.
خوف الضباط مزدوج وهو يتعلق بفترتين منفصلتين، الفترة القريبة والوضع الإقليمي خلال بضع سنوات. في الواقع الحالي، رغم الإبعاد المؤقت لرجال قوة النخبة "الرضوان" عن الجدار فإنه لا توجد لدى اسرائيل قدرة على ضمان إبعادهم عن المنطقة إلى الأبد. وحتى لو تم التوصل إلى اتفاق سياسي بوساطة أميركية إلا أنه لا توجد طريقة للتأكد من أن "حزب الله" سيبقى في شمال الليطاني. في 2006، بعد حرب لبنان الثانية، تم اتخاذ القرار 1701 في مجلس الأمن الذي نص على شرط مشابه، لكن هذا الشرط لم يتم تنفيذه على الإطلاق وتم خرقه من قبل "حزب الله" خلال بضعة أيام. الخطأ في هذه المرة سيكون أكبر إزاء البنية التحتية التي أقامها "حزب الله" قرب الحدود. البنى التحتية فوق الأرض تعرضت للضرر الشديد، لكن اسرائيل حتى الآن لا تعرف حجم ما يختفي تحتها. إطلاق النار من قبل "حزب الله" رغم المس الشديد بمعنويات اسرائيل، ما زال محسوبا وحتى محدودا. "حزب الله" لم يجند كل قوات الاحتياط لديه ولم يستخدم سلاحا استراتيجيا مثل الصواريخ الدقيقة للمدى البعيد. استخدامه للموارد هو استخدام حذر.
مثلما في قطاع غزة، رغم التغطية الاستخبارية المتطورة في الشمال، يصعب استبعاد الشك الذي يخلق فجوة مقلقة بين ما عرفته اسرائيل والواقع الذي يوجد تحت الأرض. استعد "حزب الله" خلال 18 سنة بصورة ستمكن قوة الرضوان من "القفز" إلى الانقضاض على الحدود عند الحاجة. في 2018 كشفت اسرائيل ودمرت في عملية "درع الشمال" ستة أنفاق هجومية تم حفرها تحت أراضيها. هناك شك إذا كانت تعرف بالضبط أين تمر كل الأنفاق الدفاعية في جنوب لبنان، وكيف سيتم بشكل مؤكد صد أي هجوم فوق سطح الأرض، مثل الذي نفذته "حماس" في 7 تشرين الأول. طالما أن البنية التحتية قائمة فقد بقي فقط خطر الهجوم المفاجئ. مع اتفاق وبدون حرب، هل القيادة يمكنها أن تقول للسكان بثقة، إنه لا يوجد أي خطر يهدد حياتهم إذا عادوا إلى المستوطنات على الحدود؟.
الذين يؤيدون الحرب يعتقدون أن مستوى استعداد وحدات الجيش البري في الخدمة النظامية وفي الاحتياط هي الأعلى منذ عقود، في أعقاب التجربة التي تراكمت في غزة وزيادة التدريبات على سيناريو لبنان. أيضا غياب المدنيين على جانبي الحدود سيسهل القتال وسيقلص عدد المصابين غير المشاركين في القتال. دون هجوم لإسرائيل فإن "حزب الله" يمكن أن يستمر في التسلح بوتيرة ونوعية تسبق ما يحدث في الجيش الإسرائيلي. إذا تسلحت ايران بالسلاح النووي فإن المحور الشيعي سيستكمل عملية من نوع حركة الشطرنج ضد اسرائيل.
ادعاءات من يعارضون الحرب في الوقت الحالي معروفة. توجد للجيش الإسرائيلي حاجة إلى إدارة اقتصاد الذخيرة (الإرسالية المشهورة التي قامت بتأخيرها الإدارة الأميركية)، الجيش النظامي والاحتياط يجب أن يستيقظوا من التآكل والعبء الذي ارتبط بالحرب في الأشهر التسعة والنصف الأخيرة. هناك أيضا الخطر الواضح على الجبهة الداخلية الإسرائيلية التي لم تجرب في أي يوم المواجهة مع ترسانة صواريخ وقذائف كثيفة مثل التي يمتلكها "حزب الله".

ما تتم رؤيته من هناك

نشر المراسل العسكري المخضرم ديكستر بلكنس في هذا الأسبوع في مجلة "نيو يوركر" انطباعه من رحلة أجراها على جانبي الحدود بين اسرائيل ولبنان. في الرحلة من بيروت نحو الجنوب كتب بلكنس، "المنطقة آخذة في الفروغ من السكان كلما اقتربنا باتجاه اسرائيل، وعلامات الدمار تصبح اكبر. في القرى الشيعية في جنوب لبنان شاهد إخلاء لانقاض البيوت التي تضررت من الهجمات الإسرائيلية. لافتات كبيرة تخلد قتلى "حزب الله"، ومقبرة تم تخصيصها لتمكين "حزب الله" من دفن القتلى الجدد. في قرية أرميش، المسيحية المارونية، القريبة من الحدود (مقابل مستوطنة متات)، السكان ابلغوا بلكنس كيف أنهم طلبوا من رجال "حزب الله" الابتعاد بعد أن هاجم سلاح الجو مبنى استخدمه الحزب لإطلاق الصواريخ على اسرائيل. القرية الشيعية القريبة، عيتا الشعب، المسيحيون لا يتجرؤون على الاقتراب منها بسبب خطر القصف الإسرائيلي، البعض منهم يخشون من أن يجر "حزب الله" لبنان إلى حرب شاملة.
الدكتور شمعون شبيرا، الخبير الإسرائيلي في شؤون "حزب الله"، قال، إنه يجب الانتباه للعلاقة بين ما يحدث في لبنان وباقي أجزاء المحور الراديكالي. إطلاق المسيرات من اليمن نحو تل أبيب، وبعد ذلك الهجوم الجوي الكثيف الذي قامت به اسرائيل في ميناء الحديدة، كل ذلك يعكس حسب قوله مرحلة جديدة في تطورات الحرب في المنطقة. "ايران اجتازت العقبة الكأداء في نيسان، في هجوم الصواريخ والمسيرات على اسرائيل، والآن، انضم الحوثيون في هجومهم القاتل الأول، أيضا الميليشيات الشيعية تطلق المسيرات في كل أسبوع، لكن في هذه الأثناء جميعها تم اعتراضها.

 

عن "هآرتس"

 

 

 

Loading...