لعنة العقد الثامن بين الدين والتاريخ

يهود يمنيون قبيل انتقالهم لفلسطين (1940)

 

 

إن فكرة الخوف من زوال إسرائيل لم تغادر عقلية المنظومة الإسرائيلية بأي شكل وترجع فكرة "لعنة العقد الثامن" إلى رواية أن اليهود أقاموا لأنفسهم في فلسطين على مدار التاريخ القديم كيانين سياسيين مستقلين، وكلا الكيانين تهاوى وآل إلى السقوط في العقد الثامن من عمره.

يسترشد المؤرخون والساسة في إسرائيل بمملكة داوود التي يرجعونها إلى حوالي عام 1000 ق.م، والتي استمرت أقل من ثمانين سنةً تحت حكم الملِكين: داود وسليمان (حيث لا يعتقد اليهود بنبوتهما)، ومع وفاة الملك سليمان في بداية العقد الثامن من حياة هذه المملكة بدأت بوادر الانقسام والتشظي تغلب عليها، ما أدى إلى انقسامها إلى مملكة إسرائيل في الشمال وعاصمتها نابلس، ومملكة يهودا في الجنوب وعاصمتها القدس، وما لبثت كلتا المملكتين الضعيفتين أن سقطتا لاحقاً على يد الآشوريين ثم البابليين. أما الكيان الثاني فقام باسم "مملكة الحشمونائيم" حوالي عام 140 ق.م خلال فترة الحكم اليوناني لفلسطين، نتيجةً لثورة يهودا المكابي، ولكن هذه المملكة دخلت في العقد الثامن من عمرها كذلك في طور الفوضى التي أدت إلى سقوطها.

لا يوجد في العالم دولة أخرى تعيش هوس البقاء والخوف من مدى إمكانية استمرار وجودها مثل إسرائيل. فحتى التيار العلماني واللاديني في إسرائيل يتملكه الهوس بفكرة بقاء إسرائيل واستمرارها، وإن لم يكن ذلك مستندًا إلى النصوص الدينية، حيث استعاض هذا التيار عن هذه النصوص بمعرفته بأنه يغتصب أرضًا ليست أرضه إضافة إلى ربط هذه الهواجس بالوقائع التاريخية لتكون مصدر جدلية بقاء إسرائيل وعمرها الافتراضي، وهذا ما بدأ يظهر بوضوح في السنوات الأخيرة في تصريحات قادة إسرائيل ومفكريها من غير المهتمين بنبوءات التيارات الدينية ونصوصها، وبات يعرف اليوم باسم "لعنة العقد الثامن"

احتفلت إسرائيل بمرور 77 عامًا على قيامها؛ أي أنها الآن دخلت النصف الثاني من عقدها الثامن وهو ما يثير مخاوف ساستها من أن تكون هناك علاقة وثيقة بين العقد الثامن وسقوط أي كيان سياسي يهودي على مر التاريخ. ومن المفارقات في هذا الموضوع أن لعنة العقد الثامن عرفتها شعوب أخرى، من الاتحاد السوفييتي الذي سقط في عقده الثامن، إلى الجمهورية الفرنسية الثالثة التي سقطت تحت الاحتلال الألماني في عقدها الثامن أيضاً، إلى غير ذلك من الأمثلة.

وهذا في الحقيقة ما يضاعف تخوف الساسة والمفكرين الإسرائيليين من أن تلحق بإسرائيل هذه "اللعنة" مرة أخرى. خاصةً أن شكل السقوط للكيانين اليهوديين في فلسطين في التاريخ القديم كان مرتبطًا بالدرجة الأولى بالتفسخ والانقسام المجتمعي، وهو بالضبط ما تشهده إسرائيل منذ أكثر من ثلاث سنوات. فإسرائيل ما زالت منذ سنوات تمر بانقسام حاد، لكن هذا الانقسام بدأ يتعمق ويأخذ طابع التفسخ نتيجة ما بات يعرف باسم "الانقلاب القضائي" على يد حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة.

إن إيهود باراك التي يذكر بهذه اللعنة من حين لآخر، مما يؤجج مشاعر الخوف لدى الإسرائيلي العادي من أن تكون فكرة "لعنة العقد الثامن" حقيقة، وأنه حاليًا يشهد تحققها. ما يزيد الأمر سوءًا ربط بعض التيارات الدينية المتشددة والمعارضة لقيام إسرائيل ذلك بنصوص دينية يمكن أن يفهم منها التخوف على مستقبل إسرائيل من منطق نبوءات دينية يضاف إلى ذلك تخوفات كل من نتنياهو ونفتالي بينت من هذه اللعنة وقد سبقهم إيهود المرت بمعنى أن غالبة رؤساء الوزراء الإسرائيليين مؤخراً لديهم نفس المخاوف مما وضع المجتمع الإسرائيلي في حالة صراع داخلي ربما الهدف منه إطالة عمر الدولة وقد تجلى ذلك بوضوح في كلمة نتنياهو في الذكرى 75 عندما تمنى أن تصل إسرائيل إلى المائة عام.

والاستنتاج الواقعي وبغض النظر عن طبيعة تلك النبوءات سواءً تلك القائمة على النصوص الدينية التي تناولها الحاخامات بشكل خاص واليهود المتدينين بشكل أعم كما حصل مع إحدى اليهوديات العراقيات التي دخلت على جارتها المسلمة وهي تبكي عند الإعلان عن قيام دولة إسرائيل عام 48 وأخبرتها أن الدولة ستدوم 76 عام، أم ما ورد على لسان شخصيات مثل نوستراداموس.

إن القاء نظرة عامة على التاريخ وقوانينه وطريقة سيره، فإن الجامع بين الديني واللاديني هو تمسك الشعوب بهذه النبوءات ورغبة بعضهم في تحقيقها، وخوف بعضهم من حتميتها إلى درجة الشلل والعجز أمامها، والذي يؤدي في النهاية إلى تحولها إلى حقيقة.

 

 

كلمات مفتاحية::
Loading...