يحتفل العالم بميلاد الفلسطيني العظيم عيسى بن مريم، وتضاء أشجار العيد في كل العواصم والمدن والقرى، وقليلاً ما يخلو بيت من شجرة مزينة، وسهرة فرحة تمتد حتى الصباح، وحفلات غناء ورقص وهدايا يحملها بابا نويل للأطفال، لتملأ قلوبهم بالسرور والبهجة، وتبشرهم بعام جديد، يأملون أن يكون أفضل من الذي انقضى.
ذلك يحدث في كل مكان، إلا في فلسطين وفي كل بيت فلسطيني في عالم اللجوء، ذلك أن الموت الهاجم على غزة وتوأمها الضفة لا يترك في النفوس فسحة ولو ضيقة للفرح، ولا يسمح للأطفال الذين بقوا على قيد الحياة بالاستمتاع بالهدايا ولا حتى ببعض ما يحمله العيد من بهجة ينتظرونها في نهاية كل عام وبداية العام الجديد.
كل شيء مفرح مؤجل عند الفلسطينيين الذين يتبادلون تحية العيد بجملة واحدة "عيدنا يوم عودتنا" وكل أمنية مؤجلة إلى يوم يطويه الغيب، تعبر عنه العبارة الفلسطينية "العيد القادم في القدس انشاء الله".
جمل لا يقولها إلا الفلسطيني للفلسطيني، هي ليست مجرد لغو يتكرر في المناسبات بل هي كلمة سر الأمل الذي إن انطفأت أشجار العيد حزناً، إلا أنه لن ينطفأ من القلوب والأرواح والسواعد.
على هذا الأمل يحيا الفلسطينيون ومن أجله يعبرون المآسي الثقيلة المروعة.
موت الأطفال بالجملة لا يحدث مثله في هذا العصر ولكنه يحدث في فلسطين، والألعاب الملونة التي تملأ واجهات المتاجر تشاهد في غزة قتيلة تحت ركام البيوت يحتضنها قتيل لم تتح له فرصة الاستمتاع بها، ليدفنا معاً تحت الأنقاض.
هكذا هي أيامنا الأخيرة من العام الذي يرحل، ومع كل هذه الأهوال ننطلق إلى العام الذي سيأتي.
غير أن للحزن وقت، وللفرح القادم والمنتظر كل الوقت، إن فرحنا الذي نشتاق إليه يقف وراء كثبان زمن ظالم لابد وأن ينتهي، ينتظرنا بفعل جملة سحرية تملأ روحنا باليقين تقول "ما بعد كل هذا الضيق إلا الفرح... وما بعد كل هذا الموت إلا الحياة".
قد تطول الأيام الصعبة في هذا الزمن الصعب وقد طالت بالفعل، إلا أن ما سيأتي لابد وأن يكون مختلفاً.
هذه هي سنة الحياة، ومهما استطال الليل فالنهار قادم، لأن الشمس الفلسطينية التي حجبتها الغيوم السوداء سوف تشرق، فهي أقوى من الغيوم التي مصيرها دوما أن تتبدد.
إلى مسحيي فلسطين الأوفياء في القدس وبيت لحم والناصرة وغزة، وفي كل الوطن وإلى الذين يؤدون الصلوات في الكنائس التي لم تدمر، وعلى أنقاض التي دمرت، لهم من القلب ألف تحية، ولنهتف معاً وبلسان واحد.. الفجر آت وشمس الحرية سوف تشرق من جديد ولا ظلام ولا حزن بعدها، فهذه إرادة الناس التي هي من إرادة الله.