محاولة استعادة قوة الردع بالحرب الشاملة، فشل وتحولات

 

 

مع تصاعد التوتر في المنطقة، تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى محاولة استعادة قوة الردع التي تهاوت، معتقدين أن الحرب الشاملة قد تكون الوسيلة المثلى لتحقيق هذا الهدف. ومع ذلك، فإن الواقع يشير إلى أن الأهداف الفعلية للعدوان الجاري على غزة والضفة وبالمقدمة منها التهجير والإحلال لم تتحقق بالشكل المطلوب رغم جعل غزة مكاناً غير قابل للحياة بعد كل أشكال التدمير والإبادة وحجم الضحايا .

منذ ما قبل اتفاق أوسلو وتحديداً منذ اجتياح لبنان وحصار بيروت عام 82 وصمود المقاومة فيها، كان هناك سعي مستمر لضرب فكر وعقيدة المقاومة في المنطقة التي كانت تمثلها فصائل الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية آنذاك. هذا النهج الأمريكي شمل فرض استحقاقات سياسية وأمنية على منظمة التحرير الفلسطينية وخروجها القسري من بيروت، بهدف تقويض فكر ومنهج المقاومة وفتح مسار سراب الحل السياسي بالرعاية الأمريكية .

ضرورة بلورة مشروع عربي إقليمي

في ظل هذه الظروف، هناك حاجة ملحة لبلورة مشروع حقيقي عربي إقليمي يهدف أساساً إلى التصدي للمشروع الصهيوني الجاري تنفيذه، فالصهيونية ليست حكراً على اليهود فقط، بل هناك صهيونية مسيحية وإسلامية تتنافس أيضاً على تنفيذ المشروع الأمريكي في المنطقة. إن دور قوى حركة التحرر العربية الوطنية والمقاومة بأشكالها المختلفة يجب أن يتبلور اليوم في صياغة هذا المشروع اعتماداً على الشعوب، وتحديد استراتيجية الردود غير المعتادة وغير المسبوقة على الجرائم العابرة للحدود التي تتجاوز كل الأعراف والقوانين الدولية.

التوتر والتحولات الإقليمية

تسعى إسرائيل إلى توسيع نطاق الحرب، ولكنها تواجه عقبات كبيرة، حيث أن الحرب الشاملة ليست في مصلحة الولايات المتحدة التي ترى أن مصالحها والعلاقة مع أصدقائها قد تتضرر. هذا يأتي في وقت تقود الولايات المتحدة الحرب الجارية وهي تدرك تماماً حجم الأزمة التي يعيشها نظام الاحتلال الاستعماري بشكل غير مسبوق منذ أن تم إنشائه كقاعدة لقوى الإستعمار، فتريد الحفاظ عليه وحمايته.

 في هذه الحرب المفتوحة والتي تتجاوز فيها إسرائيل قواعد الاشتباك المعتادة، مستهدفة العاصمة طهران وبيروت ومدنيين آخرين. فإن الولايات المتحدة، رغم دعمها اللامحدود لإسرائيل، تعيش في أزمة سياسية وعسكرية نتيجة ما يترتب عليها دولياً نتيجة الدعم غير المحدود لدولة الأحتلال من جهة ولما تواجهه نتيجة تورطها في حرب أوكرانيا والتطورات الجارية في بحر الصين من جهة أخرى في وقت يعاني اقتصادها من الانكماش وتهديدات مجموعة البريكس إضافة إلى دخولها فترة الحسم الانتخابي الآن، ما يجعلها تتردد في الانخراط في حرب شاملة .

 من هنا، تأتي الحاجة إلى رسم صورة انتصار لنتنياهو وحكومته أمام المجتمع الإسرائيلي بهروبه إلى الأمام وفتح الجبهات وسعيه للحرب دون أن تكون نتائجها محسومة له،  كما وتحقيق صورة إنجاز لبايدن وهاريس وحزبهم الديمقراطي أمام إخفاقات متعددة في شأن ملف المنطقة .

الردود المتوقعة والمستقبل

مع جريمة اغتيال رىئيس المكتب السياسي لحماس القائد الوطني إسماعيل هنية في طهران ومحاولة إغتيال أحد قادة حزب الله في بيروت ودمشق وبغداد واليمن تشتعل نيران الصراع. يحاول نتنياهو بجرائمه المتجددة أن يكتب الحروف الأخيرة من بيان "الانتصار" المزعوم أمام شعبه بمصادقة الإدارة الأمريكية.

فعلى الرغم من توقيت اغتيال قيادي حزب الله فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية من بيروت، إلا أن هذا التوقيت قد يكون مرتبطاً بتوفر معلومات نادرة وفرت مبرراً أمريكياً إسرائيلياً لاستهدافه بهدف خلط أوراق الأوضاع اللبنانية الداخلية تمهيداً لمحاولة توجيه ضربة عسكرية لحزب الله في إطار رؤية توسيع نطاق الحرب التي ذكرتها والإطباق على ملف الغاز والطاقة. إلا أن الدبلوماسية الأمريكية القائمة على النفاق والكذب تحاول الإيحاء الآن بمنع اندلاع حرب شاملة، إلا أن الرد على استهداف شكر وهنية الذي تم التوافق عليه خلال زيارة نتنياهو الكونغرس والإدارة الأمريكية مع الدولة العميقة فيها، بات مسألة حتمية تقترب من الحدوث .

الصفقات والتسويات الممكنة

تسارع التطورات الأمنية قد يعجل بإمكانات تنفيذ صفقة لإنهاء الصراع في غزة وجنوب لبنان تحت ضغوط أمريكية وإقليمية. ومع ذلك، فإن اغتيال هنية قد يعرقل هذه الصفقة التي لا يريدها نتنياهو بالأصل نظراً الاحتمال تعذر انخراط حماس في مفاوضات مع إسرائيل التي اغتالت رئيس مكتبها السياسي ودور الاحتلال في تقويض السلطة الوطنية التي أضحت دون سلطة بعد إعلان نتنياهو عن أن الاتفاقيات السابقة أصبحت بحكم اللاغية وقرارات توسعة الاستيطان ومصادرة الاراضي والضم ومحاولات إقامة دولة يهودا.

ضرورات المراجعة ووضوح الرؤية

في ظل هذه الأوضاع، يتضح أن المنطقة أمام تحديات كبيرة تستدعي أولاً من الكُل الوطني إجراء مراجعة وتقييم لمسيرة العمل الوطني بما يقود إلى رؤية وطنية موحدة وواضحة تقترن ببرنامج وأدوات يتم التوافق عليها في إطار منظمة التحرير الفلسطينية بدورها التمثيلي وتطوير أوضاعها وتوسيع قاعدة مشاركة كل فئات شعبنا في أطرها وتفويضها بحكم المكانة الدولية ووحدة الأرض والشعب بكل الملفات بالعمل على محاولة الإسراع في تنفيذ ما تم الإتفاق عليه في لقاء بكين وتضافر الجهود العربية المتاحة بهدف محاولات خلق توازن إستراتيجي مع القوى الدولية الصديقة يضمن حقوق شعبنا بالتحرر وتقرير المصير ويحافظ على استقرار المنطقة في غياب مشروع عربي واحد بوجود مشاريع أخرى، وذلك من أجل مواجهة نتنياهو وإسقاط رؤيته التي ستبدو أكثر إصراراً على نهج الحرب والتوسع والاستيطان الأحلالي كأسس للفكر الصهيوني.

 

 

Loading...