يجب أن تدخل التصفيتان الناجحتان المنسوبتان لإسرائيل، في بيروت وفي طهران إلى سياق الحرب في غزة التي نحيي اليوم فيها 300 يوم على بدئها.
عملياً، باستثناء حرب الاستقلال، التي بدأت قبل أن توجد إسرائيل كدولة، فإن الحرب الحالية هي أطول حرب نشهدها.
بمفاهيم عديدة فإن تواصلها هو بحد ذاته فشل إسرائيلي، هذا حتى قبل أن نبحث في أن عشرات الآلاف من سكان الشمال لا يزالون يخلون بيوتهم والمخطوفون في غزة لا يزالون هناك.
إن تواصل الحرب - الحرب التي تعتبر الأكثر إيلاما وصدمة، حرب يوم الغفران، تواصلت أقل من ثلاثة أسابيع – هو فشل، إذ إنه يقف بخلاف مفهوم الأمن الإسرائيلي الأساس
مفهوم الأمن صاغه رئيس الوزراء الأول دافيد بن غوريون في 1953، وفي وثيقة من 18 بندا.
مفهوم الأمن لـ «الختيار» كتبت على خلفية استيعاب حقيقة أنه حتى لو كانت إسرائيل قوية من ناحية عسكرية، فإنها صغيرة بالنسبة لجيرانها واليهود هم أقلية في الشرق الأوسط، لهذا فهي ملزمة بعقيدة أمن تتوافق مع هذه الشروط.
مفهوم الأمن تحدث في السنوات التي مرت منذئذ وحتى عهد نتنياهو، ولكنّ أساساً واحداً مركزياً كان ولا يزال فيها: على إسرائيل أن تسعى إلى حرب قصيرة قدر الإمكان وتستند إلى الردع، الأخطار والحسم السريع
ينبع السعي إلى حروب قصيرة من أن إسرائيل تعتمد على جيش احتياط تجنيده فترة طويلة من شأنه أن يدفع الاقتصاد إلى الانهيار، لكن الحروب الطويلة تعطي تفوقاً للعالم العربي الذي لديه مقدرات أكثر ومستوى معيشة أدنى، ما يتيح لهم استنزاف إسرائيل على مدى الزمن.
لقد حاول المصريون العمل بهذا الشكل بعد حرب الأيام الستة، في أحداث حدودية أخذت لاحقاً اسم «حرب الاستنزاف».
لكن الأحداث كانت بعيدة عن الجبهة الإسرائيلية – الداخلية التي كان يمكنها في حينه أن تدير حياتها كالمعتاد.
أما هذه المرة فالوضع مختلف. كل الشعب جبهة، مثلما درج على القول في 1948. سكان الشمال مخلَوْن، وفي غلاف غزة سيستغرق زمناً لترميم البلدات والكيبوتسات.
ولهذا ينبغي أن يضاف، بالطبع، المخطوفون الذين يذوون في غزة. لا شك، بالتالي من أن الحروب القصيرة أفضل، لكن يمكن ظاهراً أن يقال إن مقترح بن غوريون ليس حكمة عظيمة، إذ إنه توجد أوضاع، مثل الحرب الحالية في غزة، لا يكون لإسرائيل فيها مفر غير المواصلة.
غير أن مفهوم الأمن الأصلي لإسرائيل استهدف بالضبط أوضاعاً مركبة كما هي الحال في أيامنا، وهي تلزم القيادة الحالية باحتساب معطيات الربح والخسارة الناشئة عن السعي إلى «النصر المطلق».
بمعنى، حتى لو افترضنا مبدئياً أن تحقيق «النصر المطلق» هو أمر جيد، فلا يزال يوجد له ثمن.
حرب متواصلة في غزة تأتي على حساب الشمال، تمس بالمكانة السياسية لإسرائيل، تضعف الاقتصاد، تستنزف المواطنين، تعرض المزيد من الجنود لخطر الموت وأساساً، ليس واضحاً ما هي غايتها الاستراتيجية.
وعليه فإن وقف الحرب، وبالتأكيد حين تكون حماس تنهار منذ الآن وبالذات مصلحتنا.
مشكلة أخرى تكمن في أن الحروب الطويلة هي أيضاً عبء نفسي على كل واحد منا. فالآثار النفسية للحياة تحت حرب متواصلة لم تنكشف بكاملها بعد، لكن حتى اقتحام رجال اليمين المتطرف وقواعد الجيش أعاق معارضتهم للتحقيق مع جنود للاشتباه بتنكيلهم بالمخربين، يمكن أن نفهمه أيضاً بالنسبة للمصاعب النفسية للناس للمواجهة على مدى الزمن في ظل تقارير يومية عن الموت والقصص الفظيعة.
بمعنى أن الروح تتشوه في مثل هذه الأوضاع.
تاريخياً، الإنجازات الكبرى كانت في حروب قصيرة. حرب سيناء، التي احتلت فيها إسرائيل غزة وسيناء، تواصلت بثمانية أيام.
النصر العظيم في الـ 1967 تواصل ستة أيام. حرب يوم الغفران انتهت في غضون 19 يوماً. في حرب لبنان الأولى نجح الجيش الإسرائيلي في طرد م.ت.ف من بيروت في غضون أقل من ثلاثة أشهر. والتورط بدأ حين اختارت إسرائيل البقاء في لبنان.
في هذه اللحظة، في ضوء التصفيتين الأخيرتين، من الصعب أن نعرف إلى أين نسير.
يجب أن نتذكر أن كل يوم آخر فوق 300 يوم نقاتل فيها في غزة كفيل بأن ينتج لنا مخرباً مصفّى آخر، هكذا كل يوم آخر يشكل خروجاً عن مبادئ الأمن ويضعفنا استراتيجياً.
عن «يديعوت أحرونوت»