مقالات مختارة

"المقامرة" الإسرائيلية باشتعال شامل | عاموس هرئيل

 

 

أعادت الاغتيالات التي نفذت في أقل من سبع ساعات، في بيروت وبعد ذلك في طهران  بشكل معين صورة الردع والمبادرة إلى إسرائيل، التي نسبت لها العملية الأخيرة، إذا لم تكن في نظر جيرانها فعلى الأقل في نظرها هي نفسها.
اخترق دمج القدرة الاستخبارية والعملياتية الدقيقة دوائر الحماية في حزب الله وإيران، وأدى إلى موت قادة «إرهاب» كبار في المنطقة، فؤاد شكر الذي وصف كرئيس أركان حزب الله وإسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس.
في الحالتين هما لا يستحقان ذرف الدموع عليهما. فشكر هو المسؤول بشكل مباشر عن قتل عشرات الإسرائيليين والأميركيين، وهنية قاد كبار قادة حماس في قطر لاحتفال شكر بعد نشر الصور الأولى للمذبحة في الغلاف في 7 تشرين الأول.
لكن موتهما أيضاً يقرب أكثر الشرق الأوسط من الاشتعال الإقليمي الشامل. يبدو أن إسرائيل أخذت المخاطرة لكسر دائرة الاستنزاف التي وجدت نفسها عالقة فيها أمام إيران ووكلائها.
تصفية شكر كانت رداً إسرائيلياً مباشراً وعلنياً على موت الـ 12 فتى وطفلاً في مجدل شمس في هضبة الجولان في يوم السبت الماضي، نتيجة صاروخ أطلقه حزب الله.
عملية التصفية المركزة في حي الضاحية الشيعي تدخل حزب الله إلى ورطة بخصوص قوة الرد المطلوبة، إذا كان يريد المس بإسرائيل وفي الوقت نفسه تجنب الحرب الشاملة.
عملية الاغتيال الثانية، إسماعيل هنية، تضم إلى هذا التخبط إيران، التي حدثت العملية فيها وكشفت عجزها عن حماية رعاياها.
في نيسان ردت إيران بإطلاق 330 صاروخاً ومسيرة نحو إسرائيل بعد تصفية الجنرال حسن مهداوي، قائد في حرس الثورة، في مبنى السفارة الإيرانية في دمشق.
الآن حزب الله وحماس وإيران جميعهم يهددون برد قاس. في إيران أعلنوا أنهم يجرون مشاورات، وهذا يمكن أن يستغرق وقتاً، يبدو أن الاغتيال في طهران فاجأهم. بالنسبة لهم توجد أهمية أيضاً لشد أعصاب إسرائيل بضعة أيام كما حدث في السابق.
تعهدت الولايات المتحدة بالمساعدة في حماية إسرائيل، وهي تقول إنها لم تعرف مسبقاً عن نية إسرائيل اغتيال هنية.
من هنا يتبين ضمنياً أنها عرفت عن العملية المخطط لها ضد فؤاد شكر، أيضاً قادة كبار في أميركا ناقشوا الوضع في الشمال مع نظرائهم الإسرائيليين خلال الأيام الأخيرة.
سيحظى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو الآن بلحظة نادرة نسبياً من رضا الجمهور بعد الفشل الذريع في بداية الحرب.
في بعض وسائل الإعلام التملق الآن في ذروته. ولكن نتنياهو توجد له دوافع أخرى تتجاوز وعده بالفوز على أعداء إسرائيل. واضح جداً منذ فترة طويلة أنه يسعى إلى حرب استنزاف طويلة، التي ستفشل الجهود لإسقاط الحكومة وتؤجل محاكمته وتمكن من إعادة تشريع الانقلاب النظامي من البوابة الخلفية.
يمكن إيجاد الإشارات على ذلك أيضاً في مقاربة صفقة المخطوفين مع حماس. فنتنياهو أفشل مؤخراً التوصل إلى الصفقة، بما في ذلك التصلب في المواقف في المفاوضات بعد المرونة التي أظهرتها حماس.
الآن حيث توجد إمكانية لتحقيق حلم يحيى السنوار، حرب إقليمية يشارك فيها حزب الله، فإنه يبدو أيضاً أنه لا توجد لرئيس حماس في القطاع أي مصلحة في التقدم.
مشكوك فيه أن يكون السنوار في حالة حداد على موت خصمه السياسي هنية، الذي غادر القطاع ووجد ملجأ له في الفنادق الفاخرة في قطر. لكن التصفية يمكن أن تكون من ناحية السنوار مبرراً آخر للاستمرار في الحرب وعدم التوصل إلى الصفقة.
في أوساط عائلات المخطوفين هذا يبدو بشرى سيئة. رئيس حكومة قطر، محمد آل ثاني، تساءل أمس «كيف يمكننا النجاح في الوساطة في الوقت الذي يقوم فيه أحد الأطراف بعملية اغتيال في الطرف الثاني؟».
وزير الدفاع، يوآف غالانت، قال في محادثة مع نظيره الأميركي لويد أوستن إنه «لا سيما في هذه الأثناء إسرائيل تعمل على التوصل إلى خطة تمكن من إعادة المخطوفين».
هذا يبدو كرسالة مزدوجة، أولاً، للجمهور في إسرائيل وكأنه لم يتم التنازل عن إجراء المفاوضات، على الأقل في ما يتعلق بالقيادة الأمنية التي تؤيد الصفقة، للوسطاء وكأن تصفية هنية ستمكن نتنياهو من الدفع قدماً بالصفقة من موقع قوة.
في النقاشات حول رد إسرائيل على إطلاق النار نحو مجدل شمس تم طرح الادعاء بأنه أحياناً توجد حاجة إلى تصعيد متعمد حتى لو كان محدداً زمنياً، من أجل أن يؤدي فيما بعد للتهدئة.
وإذا كان توجه إسرائيل ليس نحو الحرب الشاملة، فمن الواضح حالياً أن سياستها في الشمال لا تنجح في ردع حزب الله، فإن هناك من يؤيدون حرباً كثيفة أكثر تستمر بضعة أيام على أمل أن يستيقظوا بسرعة في بيروت وفي طهران.
المشكلة هي أنه يصعب جداً السيطرة على شدة اللهب، بالتأكيد عندما يكون هناك توجه للتصعيد.
حقيقة أن إيران توجد الآن أيضاً في موقع المصابين الذين يريدون الانتقام ستصعب التوصل إلى التهدئة.
خلال عقود يجري في إسرائيل نقاش حول موضوع نجاعة اغتيال شخصيات رفيعة في التنظيمات الإرهابية. حماس، حزب الله وتنظيمات أخرى، فقدت عشرات من قادتها في عمليات التصفية الإسرائيلية، ومع ذلك لم تتوقف في أي وقت عن القتال.
في المقابل، كان هناك إسهام كبير لسلسلة التصفيات لكبار قادة حماس في الأعوام 2003 – 2006، على رأسهم الشيخ أحمد ياسين رئيس حماس في القطاع، في قرار حماس التوقف عن العمليات الانتحارية، وفي الواقع إنهاء الانتفاضة الثانية.
الآن السؤال الأساسي يتعلق باعتبارات السنوار نفسه. ففي الاستخبارات الإسرائيلية يتم وصفه وكأنه يتعرض لنوبة مستمرة من المسيحانية منذ نجاح المذبحة.
ومشكوك فيه أن تصفية أصدقائه في القيادة ستجعله بالضرورة يفكر في قدرته على البقاء على قيد الحياة فترة طويلة.
في نطاق التوضيحات والاعتبارات ينبغي أيضاً الأخذ في الحسبان توصيات كبار قادة الأجهزة الأمنية.
الجين العملياتي لهم مبني على المبادرة، الهجوم والعمل. وعندما توجد فرصة تكتيكية للتصفية فعلى الأغلب الأجهزة الأمنية تؤيدها، حتى لو كانت إمكانية لتطور تداعيات استراتيجية مقلقة.
في حالة الجيش الإسرائيلي فإن الموضوع أكثر خطورة على خلفية الأحساس بالذنب في أوساط كبار الضباط والرغبة في إصلاح جزء من الأضرار الكبيرة التي حدثت تحت مسؤوليتهم في 7 تشرين الأول.
سؤال أساسي سيؤثر على الأحداث فيما بعد يتعلق بموقف الولايات المتحدة.
الوزير أوستن قال أثناء زيارته في الفلبين إن بلاده ستساعد في الدفاع عن إسرائيل إذا تمت مهاجمتها. وأضاف إن الحرب الشاملة في الشرق الأوسط ليست أمراً لا يمكن منعه. لكن ما الذي تريده إسرائيل وبحق؟.
في الأشهر الأخيرة يتعزز هنا الحوار حول خطة إيران الكبيرة، التي تطمح إلى انهاك، وبعد ذلك خضوع، إسرائيل بوساطة استخدام الضغط المتزايد بوساطة «دائرة النيران» للتنظيمات الإرهابية التي تعمل في محيطها.
فهل ننتنياهو يفكر في جر الإدارة الأميركية إلى معركة مباشرة ضد إيران على خلفية التصعيد الإقليمي، حتى قبل الانتخابات للرئاسة الأميركية في تشرين الثاني؟.
في هذه الأثناء يصعب تشخيص سياسة واضحة للإدارة الأميركية في ما يتعلق بالشرق الأوسط في أعقاب انسحاب الرئيس جو بايدن من المنافسة واستبداله بنائبته كمالا هاريس وخوف الديمقراطيين من فوز دونالد ترامب.

عن «هآرتس»

 

 

Loading...