في الوفاء لغزة والأسرى، واستهداف مرتكز الهوية الوطنية

 

 

إن المشروع الوطني الفلسطيني التحرري بأهدافه المتمثلة بهزيمة المشروع الاستعماري في فلسطين، والعمل من أجل إنضاج كافة الشروط والعوامل اللازمة لهذا الانتصار نحو حق تقرير المصير والاستقلال الوطني واسقاط نظام الفصل العنصري، يتمثل في توظيف كافة المُمكنات لتحقيقه بما يتطلب منا التصدي لمجموعة من التحديات الراهنة على الصعيد الفلسطيني والعربي والدولي، والتي يجب أن تتلخص بثبات الموقف السياسي الوطني التاريخي وفهم المتغيرات الدولية اليوم التي تستهدف الهيمنة الأمريكية وإنهائها من خلال صعود قوى جديدة تعمل نحو عالم أكثر عدالة. إلا أن الولايات المتحدة بالمقابل وللحفاظ على هيمنتها تريد إشعال العديد من بؤر التوتر والحروب والربط بينها بما يخدم مصالح هيمنتها ومجمعاتها الصناعية العسكرية والمالية في ظل أوضاعها الإقتصادية المتراجعة اليوم والمواجهة التي تفرضها هي مع الصين وروسيا من جهة أخرى حتى في منطقتنا من خلال التوافق والضوء الأخضر الفعلي الممنوح منها لعصابة حكومة الاحتلال الفاشية، رغم النفاق اللفظي والوعود السرابية .

واليوم فإن المنطقة وقد تكون الأوسع منها أيضاً تقف على برميل من البارود كما يقال. فبؤر التوتر قائمة أصلاً والتهديدات والتخوفات متبادلة، ولا يفترض وفق المنطق أن أحداً يتلقى ضربة موجعة ويتجاهلها لأسباب متعددة. فقد جعلت الحركة الصهيونية العالمية بكل مكوناتها وأنظمة الإستعمار الأوضاع أمام تصعيد أكيد وأمام معادلات قد لا يبدو التوسط فيها أو تجاوزها أمراً سهلاً وهو ما قد يؤدي إلى انفجار المنطقة أو باتفاق كبير يعتمد المساومات للحفاظ على النفس والذات، ننتظر الأيام أو الساعات لتبيان أكثر وضوحاً.

إن إدراك ما نواجهه على أرض فلسطين بانه مشروع استعماري استيطاني إحلالي مركّب ، يضاف لذلك ممارسة الاحتلال وسياساته المتعددة القائمة على قاعدة المحو والإلغاء والاقصاء لغير اليهود، ولشعبنا الفلسطيني، ولأهدافه المُعلنة التي يعمل الاحتلال على تحقيقها من خلال ممارستهم سياسة التطهير العرقي وجريمة النكبة المستمرة حتى الآن والتي تتم بفعل تلك الأيديولوجية الصهيونية الإقصائية العنصرية وصمت الغرب بل وتعاونه في تنفيذ ذلك من خلال حماية دولة الاحتلال من المحاسبة والعقاب وتزويدها بأنواع الأسلحة بل وإعطائها مبرر الدفاع عن نفسها أو بما يسمى مناهضة العداء للسامية، الأمر الذي في حقيقته يعني الدفاع عن استدامة استعمارها العنصري وممارساتها التي اعتبرتها محكمة العدل الدولية إبادة جماعية وجرائم بحق الانسانية والقانون الدولي .

ونحن إذ نحيي اليوم السبت الوفاء والتضامن لنصرة غزة والأسرى، فإنني أعيد هنا ما نقلته سابقا عن القائد الأسير مروان البرغوثي أمام إحدى التظاهرات التضامنية باليونان التي يدعوا لها باستمرار أصدقاؤنا هنالك؛ "إن مُرتكز الهوية الوطنية الفلسطينية يتمثّل في ثنائي المقاومة والتحرير، وكل انتكاس في أحد المرتكزين، أو كلاهما، يجد ترجماته على صعيد الهوية الوطنية الفلسطينية الجامعة، ويفتح المجال أمام الهويات الفرعية لأن تتقدَّم، وهذا يجعل وحدة الخيار المتمثّل بالمقاومة ووحدة الهدف ممثّلاً بالحرية والاستقلال الوطني، مركّبات بنيوية للهوية الوطنية الفلسطينية."

إن تعريف مشروعهم الاستعماري يَفتَرض هدف هزيمته وتفكيكه، فمكوناته ليست ولن تكون شريكاً بالسلام في ظل انحدار مجتمعاتهم المتباينة نحو اليمين العنصري رغم أزماتهم التي تعيشها مجتمعاتهم اليهودية، ولا جاراً يسعى للتعاون من أجل الاستقرار المنطقة، ومن الصعب تصوُّر الوصول إلى تسوية سياسية مع هذا المشروع في ظل أيدولوجية النظام العنصري الصهيوني الاستعماري القائم وأحلامه، لأن ذلك يتعارض مع مركّباته ومرجعياته ومنهجيته وثوابته ومصالحه بالتوسع واضطهاد شعبنا التي تمثلها الحركة الصهيونية العالمية وأدواتها التي نرى ممارساتها اليوم تتسع بوضوح أمامنا في غزة التي لم يتركوا شيئا بها إلا ودمروه ولا عائلة بها إلا وأثقلوها جراحاً وجعلوها ثكلى بجرائم إبادتهم الجماعية، وفي مخيمات الضفة والقدس نحو تجسيد مملكة يهودا، بل وفي كل فلسطين وحتى العابرة للحدود من خلال الاغتيالات وانتهاك سيادة الدول ليس فقط في منطقتنا وإنما بكل أرجاء العالم بالتوافق مع قوى اليمين المتطرف والنازية الجديدة التي يتصاعد نفوذها وضررها علينا وعلى كافة القيم الانسانية والسِلم الدولي .

إن شعبنا الذي يختزن تجربة غنية وثرية في المقاومة والكفاح والنضال، والذي تمكن من الانبعاث والصمود من تحت رماد التطهير العرقي والنكبة والعدوان والحصار والمجازر والاعتقال والاغتيال التي ما زال الاحتلال يكررها حتى اليوم باغتياله المناضل اسماعيل هنية، وسجّل خلالها شعبنا أسطورة في الصمود والبقاء والمقاومة، جدير بحركة وطنية واحدة وموحدة بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية ونظام سياسي فاعل وديمقراطي، يمتلك خطاب التحرر الوطني والتقدم الموحد. وسيظل شعبنا الفلسطيني في الوطن ومنافي الشتات حارس وصانع مستقبل المشروع الوطني، وسيواصل نضاله وكفاحه ومقاومته الشاملة لهزيمة النظام الاستعماري وإنجاز التحرير والحرية والعودة وفق القرار الأممي ١٩٤ والكرامة والعدالة والاستقلال الوطني بعد دحر الاحتلال وهزيمة نظام الأبرتهايد الكولنيالي الصهيوني، فهذا هو الطريق للسلام، ولا بد من ثمن لذلك يدفعه اليوم شعبنا بالدم والتشريد القصري والنزوح الذي تفرضه عصابات قوات الاحتلال والمستوطنين بمساندة البوارج الحربية الأمريكية في شرق المتوسط والقواعد الأمريكية المنتشرة بالمنطقة إضافة إلى القوات الإضافية التي سترسلها الإدارة الأمريكية وفق وعد بايدن وهاريس لنتنياهو مجدداً.

وهنا وفي وقوفنا إلى جانبهم وغضبنا من أجلهم، لا بد من التذكير بوثيقة الوفاق الوطني التي توصل إليها قادة الأسرى الأبطال في معتقلات الاحتلال في أيار 2006 لأهميتها وضروراتها الملحة، مما يتطلب اليوم تنفيذ ما تم الإتفاق عليه في بكين باللقاء الوطني الأخير، وفاءً لهم ولكافة الأسرى الذين يتعرضون اليوم لما هو أبشع مما يتصوره العقل البشري من ابتكارات التعذيب الوحشي والقتل العمد بالمعتقلات، الأمر الذي يستدعي تطوير كل أشكال الدعم والمساندة السياسية والحقوقية لهم من الجهات الدولية الرسمية والشعبية من أجل وقف هذه الجرائم بحقهم ومن أجل الحفاظ على حياتهم وحريتهم.

 

 

Loading...