الشهور العشرة التي هي المدى الزمني للحرب الحالية، تعرضت أمريكا فيها لإمتحان مباشر، بدأ من أول رد فعلٍ على زلزال السابع من أكتوبر، حين أشهر الوزير بلينكن يهوديته في مطار بن غوريون، مع أننا لسنا بصدد حربٍ دينيةٍ في الأساس، أو على الأقل كما نفهمها ويفهمها كل العالم معنا.
ومنذ ذلك الإشهار المستهجن من قبل أكبر دولة في العالم تتحمل مسؤوليات كونية عظمى، وإلى هذه اللحظة لم تحقق السياسة الأمريكية بأداء عرّابيها ومؤسساتها أي إنجاز إيجابي، فيما تعلن عنه، وإن جاز لنا اختصار الحالة بعبارات مركزة مختصرة فهي..
الإنجرار الأعمى وراء نتنياهو، وتغطية هذا الانجرار بقشرة رقيقة من انتقاداتٍ لفظية، مع تواجدٍ دائمٍ في مربع الوساطة غير المجدية، والإكثار من الحديث عن اليوم التالي، ولكن بصيغة متناقضة، وكأن السياسة مجرد حقل تجارب نرى خلاصتها الأمريكية الأكيدة.. توفير كل إمكانيات كسبها لمصلحة إسرائيل. وأهم عناصر هذه المعادلة تدفق السلاح وكسب الوقت وتوفير الغطاء السياسي.
ونحن عربان هذا الزمن، الذين دائماً ما نصفه بالماضي الجميل والحاضر البشع، ما نزال الجهة الوحيدة في الكون، التي تصرّ على أن تخاف من أمريكا وتخوّف شعوبها بها، وأمام أعيننا نرى ماذا تعني إسرائيل بالنسبة لأمريكا، ولكننا نتغاضى ونتجاهل.
أمريكا تعتبر إسرائيل ظالمة كانت أم مظلومة، دينية كانت أم علمانية، حضارية أم مارقة، معتدية أم مدانة من كل العالم، تعتبرها أهم ولاية تمتد من واشنطن إلى أقصى نقطة في الشرق الأوسط، أو كأنها نُقلت من قلب أمريكا لتستقر في منطقتنا حاكمة متحكمة.
لا يحتاج هذا كي نعرفه ونفهمه إلى مؤسسات بحثية متخصصة تنفق عليها المليارات، فهي سياسةٌ معلنةٌ وممارسةٌ ولا يخفى منها شيء.
غير أن المشكلة ليست هل نفهمها أو لا نفهمها، المشكلة هي كيفية استخدامنا لأمريكا، نخاف منها ونخوّف شعوبنا بها وهذا أساس السياسة في عالمنا العربي.