فائض التضامن ونقيضه

من داخل مخيم عين الحلوة

 

غمرت عملية "طوفان الأقصى" احتفالات حركة فتح في لبنان، ولم تخرج الفعاليات عن نمطها، واسلوبها الماضوي، إلا في مخيم عين الحلوة المجاور لمدينة صيدا.

حيث ألقت النسوة، في نار الشعلة صورة الأمين العام لاتحاد علماء المقاومة الشيخ ماهر حمود، إستنكاراً لما جاء في خطبته قبل يومين إذ أكد على (إدانته لموقف السلطة الفلسطينية، التي تدعّي تمثيل هذا الشعب الذي لا يمثله إلا المقاومون) وعطف على إدانته. إستنكاراً لسلوك السلطة الفلسطينية التي تصدر وتبرز العملاء والخونة... حسب ما يرى ويشاء!!!

ومع رمزية إحراق الصورة، فإن قطيعة حصلت، بادر لها الشيخ "المقاوم" تنذر بحدثٍ غير محمود، وتُسهم بمزيد من التحريض للمجموعات الإرهابية، التي يرعاها ويدافع عنها، ويحثّها على تحديّ حركة فتح، إنطلاقاً من مرابضها المحصنّة في حيّ الطوارئ المجاور للمخيم. حيث تعمل جاهدةً لرفع مستوى استعدادها، وعديدها وتسليحها لمعركة قادمة، ولا تخفي نواياها، للسيطرة على عاصمة الشتات الفلسطيني في لبنان.

إن ما يستوجب الآن التحذير والتنبيه من المخاطر القادمة، هو ضرورة اتخاذ الإجراءات الوقائية أولاً. قبل وقوع المحظور، والسعيّ الجدّي لإنقاد مخيم عين الحلوة ومدينة صيدا، من تكرار التجربة المروعة للقتال الذي فجرته تلك المجموعات على امتداد صيف العام الماضي.

وما يدُلنا اليوم، ويعزز هذا التقدير السيء هو قراءة في طبيعة الاستثمار المتصاعد لمحور الممانعة في عملية "طوفان الأقصى"، استثمار يتجه للتباعد والفصل وليس للتقارب والوصل، وينتج المزيد من توسيع الفجوة بين القطبين، حيث تتصرف حركة حماس هنا، على أنها أنجزت الانتصار النهائي على إسرائيل، وتمسك الان بعصا دفة القارب الفلسطيني. ويساعدها على هذا السلوك، تنظيرات يسارية، وقومية فضلاً عن الإسلامية منها.

وعلى الجانب اللبناني، يتصرف حزب الله بصفته ممسكاً بمعظم أوراق السياسة اللبنانية الخارجية قبل الداخلية. ومنها أيضاً الحالة الفلسطينية في لبنان: إذ استطاع الحزب إنجاز إعادة تموضعه داخل محور الممانعة بسلاسة ومن دون أي ضريبة تذكر ما خلا إحباط جزء من الجمهور الفلسطيني الذي انتظر طويلاً دخول الحزب المعركة الفاصلة وهذه ضريبة لا وزن لها في ميزان القوى.

إذ أن الحزب استطاع التخلي عن دور القائد والراعي والشريك، وتحول إلى دور المساند والداعم، من دون أن تهتز شبكة العلاقات الداخلية لمحور الممانعة، بحكم الحاجة والضرورة.

وباتت الأطراف على قناعة، بأنها "مستقلة" حقاً وتتحمل وحدها مسؤولية المعارك وتبعاتها السياسية، انسجاماً مع استراتيجية "استقلال الساحات ضمن وحدتها المنهجية".

وفي هذا السياق جرى استخدام الحالة الفلسطينية، وتم تنفيذ بعض العمليات العسكرية التي نُسبت الى حماس تارة وللجهاد الإسلامي تارة أخرى. مما أدى إلى ارتفاع منسوب السجال السياسي – الإعلامي بين مختلف القوى السياسية اللبنانية، التي تحمل موروثها الطائفي وتاريخ علاقاتها المأزوم على مدار نصف قرن وأكثر.

وبفعل النشاط العسكري هذا لحركة حماس والجهاد الإسلامي من الأراضي اللبنانية فُتحت أبواب مغلقة على الفلسطينيين في لبنان اعتقدوا أنهم تجاوز آثارها الكارثية، حتى أن السجال الدائر طغى على وقائع الحرب التدميرية التي نعاني منها في فلسطين الآن. خاصة وأن لغة التخوين والاستعلاء لا توفر مفردة الا وتستخدمها!!

لذا كانت الحصيلة المباشرة لهذه السياسات غياب الجمهور اللبناني عن ساحات التضامن، الا من بعض الوقفات الاحتجاجية أو التضامنية التي ينظمها هذا الحزب أو تلك المجموعة.

لكن يمكن القول أن فلسطين غابت عن شوارع بيروت وطرابلس وصيدا وصور، إنها المرة الأولى التي يحصل شيء من هذا القبيل، حيث يصادر طرف لبناني – فلسطيني. مجمل الحالة بينما الأطراف الأخرى عاجزة عن انتاج موقف ينسجم مع المصالح المشتركة اللبنانية والفلسطينية المتفق عليها بين الشرعيتين.

لذا فمن يسأل عن تضامن الشعب اللبناني بكافة عائلاته الروحية وأطيافه السياسية مع فلسطين، يمكن أن يسمع بصوت عالٍ ما يفيد أن فائض التضامن أنتج نقيضه.

 

Loading...