في الوقت الذي يستمر فيه تعرّض شعبنا إلى جرائم لم تعرفها البشرية من قبل، وفي أجواء تسودها فقدان ضوابط الفضاء الإعلامي، إن كان في وسائل إعلام التي تسودها الثرثرة على مدار ساعات اليوم وعلى شبكات التواصل حول الرد الإيراني والتنبؤ بمواعيده، على إثر اعتداء دولة الاحتلال واغتيال الشهيد إسماعيل هنية على أرضها، حيث القرارات الإستراتيجية للدول والحروب باتت جزءاً من ملهاة وتكهنات فلكية، وكأن قرارات الدول تؤخذ دون حسابات دقيقة تمهد لها تحقيق انتصارات على الأرض أو انجازات سياسية.
مواقف ومصالح الأطراف
إن استراتيجيات اللاعبين على مستوى العالم والمنطقة لا تحكم قراراتهم تلك الرؤية المشوشة أو المبسطة لقرارات الحرب والسلم تحديداً، فكل يسعى إلى تحقيق مكتسبات سياسية تحقق له مكانته في إطار لعبة الأمم التي تحدد توازنات المصالح والقوة والردع في إطار النظام الدولي، وإلى تثبيت أو تغير المعادلات الجيوسياسية في مناطق العالم ومن ضمنها منطقتنا.
إن منطقتنا تشهد توترات متزايدة، خاصة بين إيران ودولة الاحتلال الإسرائيلي، مما يثير تساؤلات حول تداعيات توسع رقعة الحرب على الجغرافيا السياسية ومصالح الأطراف المختلفة في المنطقة. لكل طرف في هذا النزاع مصلحة استراتيجية محددة يمكن تلخيصها كما يلي:
إيران تسعى إلى تعزيز نفوذها الإقليمي والحفاظ على تحالفاتها مع الدول والجماعات المسلحة مثل حزب الله في لبنان والفصائل المسلحة في سوريا والعراق واليمن. فمن خلال تطوير قدراتها العسكرية، تسعى إيران إلى خلق توازن ردع ضد التهديدات الخارجية، خصوصاً من دولة الاحتلال والولايات المتحدة. كما تسعى إلى استغلال الفوضى الناجمة عن أي تصعيد لتعزيز موقفها التفاوضي في المحافل الدولية حول الملف النووي وقضايا أخرى.
إسرائيل بدورها تهدف إلى تعزيز "أمنها"، أي استدامة احتلالها وعملياتها العسكرية في غزة والضفة التي تتصاعد يومياً. وذلك من خلال مواجهة التهديد الإيراني وتقويض دعم إيران لفصائل المقاومة المسلحة الفلسطينية مثل حماس والجهاد الإسلامي. كما تسعى إسرائيل إلى تعزيز علاقاتها مع دول الخليج التي تشاركها القلق من "التهديد الإيراني". توسيع الصراع قد يوفر لإسرائيل دعماً دولياً أكبر، خصوصاً من الولايات المتحدة التي تسعى لإقامة تحالف دولي لحماية إسرائيل، ويعزز موقفها التفاوضي في أي محادثات سلام مستقبلية والتي لا أراها قريبة مع وجود الطغمة الفاشية الدينية بإسرائيل التي تسعى لتنفيذ الحلم الصهيوني ومملكة يهودا ومحاولة تفريغ الأرض من سكانها الأصليين مرة أخرى.
أما الولايات المتحدة فلديها مصالح استراتيجية كبيرة في المنطقة، وهي تعمل على الحفاظ على هيمنتها وسيطرتها على منطقتنا من خلال:
حماية حلفائها، تلتزم الولايات المتحدة بأمن إسرائيل وتعمل على مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة، حيث تصاعد الصراع قد يدفع الولايات المتحدة إلى تعزيز وجودها العسكري في الشرق الأوسط وهو الأمر الحاصل بعد إرسال القوات والمدمرات الجديدة.
حماية تدفق النفط والغاز، الاستقرار في المنطقة مهم لضمان تدفق النفط بأسعار معقولة كما السيطرة على حقول الغاز، وأي تصعيد قد يؤثر سلباً على الأسواق العالمية ووضع الشركات الكبرى الاحتكارية التابعة لها.
مواجهة النفوذ الروسي والصيني: في ظل التنافس العالمي، تسعى الولايات المتحدة إلى الحد من نفوذ روسيا والصين في الشرق الأوسط من خلال دعم حلفائها وممارسة الضغوط على خصومها. كما وتعزيز رؤيتها ومشاريعها المتعلقة بمواجهة المبادرة الصينية "الحزام والطريق"، والبحث عن بدائل لها مثل قناة بن غوريون والسيطرة على الخطوط البحرية والتجارية بين آسيا وأوروبا.
روسيا من جهتها تلعب دوراً معقداً، حيث تدعم كلاً من إيران وسوريا لتعزيز نفوذها في المنطقة، وفي الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات مع إسرائيل. حيث تسعى إلى تحقيق توازن في المنطقة يمنع الهيمنة الأحادية لأي طرف وخاصة الولايات المتحدة التي تخوض الحرب بالوكالة ضدها في أوكرانيا، ويضمن الاستقرار الإقليمي الذي يخدم مصالحها الاقتصادية والعسكرية. تلعب موسكو دور الوسيط في النزاعات الإقليمية الممكنة وتدعو إلى حلول سياسية للصراعات وتشاركها بذلك الصين وفق قواعد القانون الدولي والقرارات الأممية التي لا تلتزم بها الولايات المتحدة بل وتسعى لغرض تقويض مكانتها.
توسع رقعة الحرب قد يكون له تداعيات كبيرة على القضية الفلسطينية. فمن جهة، قد يؤدي إلى تخفيف الضغط الإسرائيلي على شعبنا الفلسطيني مؤقتا إذا انشغلت إسرائيل بجبهات أخرى، لكن من جهة أخرى، تصاعد الصراع قد يعزز من الإجراءات الأمنية الإسرائيلية ويزيد من الضغوط علينا نحن الفلسطينيين. الدعم الإيراني المتزايد للفصائل الفلسطينية قد يعزز المقاومة، لكنه أيضا قد يزيد ممارسات القمع الوحشية للاحتلال.
على الصعيد الجيوسياسي، فإن توسع رقعة الحرب سيعيد تشكيل التحالفات الإقليمية والدولية. دول الخليج قد تقترب أكثر من إسرائيل لمواجهة التهديد الإيراني الذي عملوا على إحلاله مكان التهديد الإسرائيلي التوسعي، مما يعيد ترتيب التوازنات في المنطقة ويؤدي إلى توسعة اتفاقيات ابراهام، فالفوضى وعدم الاستقرار قد تؤدي إلى تدخلات دولية أكبر من قبل الولايات المتحدة أو روسيا، مما يعيد تشكيل الخريطة الجيوسياسية وفق مصالح هذه القوى الكبرى.
من غير المرجح أن يكون هناك مشروع سياسي شامل بعد نشوب الصراع. تعدد الفاعلين وتضارب مصالحهم يعقد الوصول إلى حل شامل لقضايا المنطقة. التدخلات الخارجية تزيد من تعقيد الصراعات وتؤدي إلى إطالة أمدها. الحلول المستدامة ستتطلب جهوداً دبلوماسيةً مكثفةً وتعاوناً دولياً وإقليمياً طويل الأمد سيمر في مخاضات مختلفة.
بالتالي، فإن مصالح كل طرف متداخلة ومعقدة، وتوسع رقعة الحرب في الشرق الأوسط سيؤدي إلى تداعيات واسعة النطاق قد تزيد من تعقيد الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة. تحقيق الاستقرار والحلول الشاملة سيتطلب تفهماً عميقا لهذه الديناميكيات وتعاوناً دولياً فعالاً.
في مواجهة السياسات الأمريكية والاسرائيلية
من الضروري تثبيت صمود شعبنا الفلسطيني لكن مع توفير الإمكانيات اللازمة لذلك حتى لا يبقى كلاماً، وتعزيز المشاركة الجماهيرية وترسيخ الأسس الديمقراطية لنظامنا السياسي توسيع آفاق كل أشكال مقاومة الاحتلال، من المقاومة الدبلوماسية والشعبية والاقتصاد المقاوم. كما يجب تقييم المرحلة السابقة والظروف الراهنة بعناية وتنفيذ قرارات المجلس المركزي لمنظمة التحرير، وإعادة النظر في العلاقات الخارجية ومراجعة سياساتنا الديبلوماسية الرسمية والشعبية العامة على قاعدة وحدة الأرض والقضية، كما وضع وأداء سفاراتنا حول العالم وكادرها الديبلوماسي، وفتح أبواب العلاقات مع قوى الشعوب في العالم وأحزابها التقدمية المناصرة لحقوق شعبنا بمن فيهم من قوى يهودية معادية للفكر الصهيوني، ليس فقط لفضح جرائم الإبادة ومنظومة الاحتلال العنصري ونظام الأبارتهايد الذي يمارس ضد شعبنا الفلسطيني يومياً ويتوجب العمل على كافة المستويات من أجل وقف العدوان المتدحرج وتقديم ما يلزم لشعبنا في غزة، بل إلى العمل من أجل دعوة الدول لمقاطعة دولة الاحتلال والدعوة إلى تجميد عضويتها في المنظمات الدولية ومحاسبتها استناداً إلى الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية الذي يتوجب العمل الجاد من أجل متابعته، كما ومع كافة المنظمات الحقوقية والإنسانية حول العالم حتى الإسرائيلية منها، وضرورات التموضع السياسي مع حلقة الأصدقاء حول العالم، وذلك بالتوازي مع استكمال الحصول على عضويتنا الكاملة كدولة تحت الاحتلال بالمنظمة الأممية وتجسيدها على الأرض.