العلاقة العربية الإسرائيلية تتبيع وليس تطبيع

 

 

بعد مرور ما يزيد على 300 يوم على بداية العدوان الأكثر همجيةً وبشاعةً في التاريخ، والذي خلّف حتى الآن ما يزيد عن أربعين ألف شهيد ومئة ألف جريح وآلاف المفقودين، إضافة إلى تدمير غزة وتحويلها إلى مكانٍ غير قابل للعيش، فإنه من العبث إضاعة الوقت في البحث عن تعريفٍ للعلاقة بين غالبية الدول العربية وإسرائيل حيث أن الواقع والممارسة والوقت أثبتت أن التسمية الدقيقة هي تتبيع واستسلام وشراكة في العدوان وليست تطبيع بأي حال من الأحوال.

العلاقة بين الدول العربية وإسرائيل قائمةٌ منذ إتفاق رودس وقد فرضت الظروف والوضع الدولي أن تظهر بعض هذه الدول موقفاً في صف الفلسطينيين قولاً وبالدعم المالي أحياناً، إرضاءً للمواقف المبدئية لشعوبها وإخفاءً للعلاقة الوطيدة مع الكيان.

يضاف إلى ذلك أن بعض الحكام مستفيدين من حالة العداء الشكلية مع الكيان الصهيوني، مما منح الكيان وقتاً إضافياً سواءً بقصدٍ أم بغير  قصد، مما شكّل تمكيناً للمشروع الصهيوني من تغيير الحقائق على الأرض  وإعطاء الوقت لأمريكا للقيام بإجراءات كثيرة، منها إثارة الفتن الطائفية والدينية في الدول العربية والحروب المباشرة بكل أشكالها حيناً، و الحروب بالنيابة أحياناً  مما هيأ  الأجواء أمام  الإدارة الامريكية لطرح مشروعها "التصفوي" المتمثل بصفقة القرن والمنسجم مع مشروع الحسم الإسرائيلي واستبدال العدو الإسرائيلي المفترض بعدو  وهمي  أكثر جاذبية وجديّة  يتمثل في إيران "الصفوي[H1] ة" وضرورة إنجاز  تحالف عربي إسرائيلي(كقوة لا يستهان بها)  مما يلغي كل أسباب ودواعي اختباء الأنظمة وراء مواقف وطنية أو قومية، واستبدالها بمواقف علنية تعبر عما يعتقدونه مصلحة أنظمتهم. ساعدهم في ذلك أن مواقفهم القومية المزيفة تَعرّت أمام الشعوب، فمن يحارب في سوريا ومن يحاصر اليمن ويمارس القتل بأبشع صوره وما زال، ومن قسّم ليبيا ومن دمر العراق، من كل الحسابات هم بعض الأنظمة العربية والتي لن تقنع أحداً بموقفٍ وطني أو قومي بعد اليوم.

لم تكن هناك حالة حرب بين دولهم والكيان الصهيوني حتى يصنعوا معه سلاماً ويوقعوا اتفاقيات بذريعة زائفة وهي تحقيق السلام في الشرق الأوسط ومساعدة فلسطين.

إن طريق السلام والأمن والاستقرار في الشرق الاوسط لا يمر من الخليج العربي ولا من باب المندب ولا من البسفور ولا حتى من قناة السويس. الطريق فقط يمر من خلال الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وعبر تحقيق المشروع الوطني الفلسطيني القائم على حق تقرير المصير وإقامة وتجسيد الدولة المستقلة ذات السيادة وعاصمتها القدس وعودة اللاجئين على أساس قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرار 194.

الفلسطينيون هم وحدهم المسؤولون عن إيجاد الطرق المثلى لحل قضيتهم عبر وضع برنامج جديد يستند إلى الشعب الفلسطيني في المقدمة ومن خلفه الشعوب العربية واستنباط الآليات المناسبة والميكانزيم الأمثل لتحقيق الهدف مهما غلا الثمن إضافة إلى رفع كلفة الاحتلال بدل التعايش معه.

إن الوضع الفلسطيني الراهن لا يسر صديق ولا يغيظ عدواً، فنحن بحاجة إلى تجنيد كل الطاقات من خلال إنهاء الانقسام واستثمار الكل الفلسطيني خلف البرنامج الوطني ووضع استراتيجية جادة وتوفير الإمكانيات المادية والبشرية لتحقيق ذلك من خلال استبدال الأدوات التي فشلت في تحقيق الهدف بأدوات جديدة على رأس سلم أولوياتها إنهاء العدوان على فلسطين وبالأخص على غزة كخطوة على طريق الإعمار وترميم الضرر البالغ الذي خلفه ولا زال العدوان الهمجي البربري الإسرائيلي الغربي..

برامج وأدوات قادرة على إعادة ثقة الشعوب الشقيقة والصديقة في مشروعنا الوطني وجدواه. وحشد المعسكر الدولي للوقوف في وجه المشروع الاستعماري الذي يستهدف كل الشعوب في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.

قرنٌ ونيف على سايكس بيكو ولم نستطع تجاوز ويلاته. لا بد من الإسراع في إنجاز ما سلف وعلينا أن نبدأ من الأمس وإلا سيكون قطار الحجاز الجديد قد فات واستعيض عنه بطريق التوابل واستبدال ميناء بيروت بميناء حيفا وغزة ب عزة وفلسطين بإسرائيل والجامعة العربية بالعبرية ومن يعرف ماذا بعد.

 

Loading...