إن ازدواجية المعايير تمثل إهانة بالغة لكرامة ممارسيها، قبل أي اعتبار آخر.
لو أن هؤلاء الأشخاص استمعوا باهتمام لما يقوله الناس عنهم في كل أمكنة تواجدهم، من بيوتهم إلى المقاهي والطرقات والباصات وغير ذلك، لوجدوا السبب وراء عدم احترامهم.
لعل هذا التعلق الوهمي لهؤلاء المسؤولين بالسلطة يكشف عن حقيقة أن السلطة هي من تستعبدهم في النهاية.
عرّف الباحث المميّز بالسياسات الدوليّة البروفسور الراحل هادلي بال هؤلاء حين كتب يقول: "إنّها دولة خاصّة أو مجموعة من الدول، تُموضع نفسها عاليًا، بوصفها الآمرة النّاهية ذات السلطة على الخير المشترك للعالم أجمع، عابثة بآراء الآخرين، ما يجعلها تهديدا حقيقيا للبشرية."
بعد التعمق بالمواقف الأخيرة لمختلف قوى الصراع (الحرب)، وجدت نفسي غارقًا في إعادة رائعة الأديب موسى الحالول "التاريخ السِّري لكلبنا نمّور" – وهو عنوان لمجموعة من القصص الرائعة. إلاّ أنّ الأهم هو شخصيّة الكلب نمّور الّذي يرتدي زيًّا عسكريًّا، وهي رمزيّة لا تخفى على أي قارئ. (فالجيوش في كثير من بلدان العالم الثالث تستقيل من وظيفتها الوطنية في الدفاع عن أوطانها، مقتصرة اهتمامها بالحفاظ على كراسي الزعماء، وهذه الجيوش أصبحت خارج دائرة المراهنة والتوقعات وبالتالي ليست المقصودة). ثمّ يأتي "غريب"، وهو شخصيّة تظهر فجأة في القصّة، بأهداف تتوارى خلف العمل الانساني ليهدي إلى نمّور شريكة حياة جميلة من سلالة "الرّعاة الألمان" أو "German Shepherd" أو"Chien Loup" اسمها أماندا. هذه الكلبة المحبوبة "ترفض إلغاء الآخر إذ لا توجد مشكلة لا تحل بالتفاوض ولكل مكان على طاولة الإنتصار"، وهذه العبارة الأخيرة مقولة السياسي الفرنسي إيميه سبيرز.
وفجأة تتحوّل شخصيّة نمّور جذريًا من فخر القطيع إلى خائنه، بعد أن تذوّق حلاوة التّرف ونعيم الغرام. وهكذا تخلّى نمّور عن هويّته الريفيّة ولم يعد يرضَ باسمه الفلاحي. فبدلاً من أن يكون درعًا يحمي قطيعه ويدافع عنه بضراوة، كما فعل في بادئ الأمر، يتحوّل مع مرور الزّمن، وبعد إدمانه عشق أماندا، إلى عميل لذئاب المنطقة يتواطأ معها على سرقة القطيع ويكتفي بما ترميه له من لحوم أغنام أهله. هذا هو حالنا اليوم – فإذا أخرجنا هذه القصّة من إطارها الرّمزي ووضعناها في إطار سياسي، لأدركنا أين نحن وإلى أين ذاهبون!!