مقالات مختارة

«حماس» كلّها الآن تخضع لإمرة السنوار | آفي يسسخاروف

 

 

يمثّل اختيار «حماس» يحيى السنوار لرئاسة المكتب السياسي للحركة بدلاً من إسماعيل هنيّة المسار الذي اختارت «حماس» السير فيه في بداية الحرب: هذه حركة رجل واحد، مع رؤيا واحدة، أو بكلمات أخرى السنوار يقول لكل باقي كبار «حماس»: أنا سأتصدر وأنا سأوجّه الدفة. من لا يعجبه، سيكون مصيره كمصير محمود شتيوي. محمود شتيوي كان مسؤولاً كبيراً في الذراع العسكرية لـ»حماس»، كتائب عز الدين القسام. كان قائد كتيبة الزيتون بل ومسؤول التوجيه في اللواء الجنوبي لـ»حماس». عائلته كلها كانت تعتبر مقربة جداً من الذراع العسكرية وقيادة «حماس». لكن في شباط 2016 أعلنت حركة «حماس» أنه أعدم على جرائم أخلاقية. غير أن شتيوي أعدمه أغلب الظن يحيى السنوار ورجاله للاشتباه بالتعاون مع إسرائيل وتسليم معلومات في أثناء «حملة الجرف الصامد» أدت إلى محاولة تصفية محمد ضيف التي فشلت في حينه بينما قتلت زوجته وابناه.
بعد بضعة أشهر على نهاية القتال، اقتحمت بيت شتيوي قوة من مسلحي «حماس» بقيادة يحيى السنوار نفسه. اعتقل شتيوي من بيته أمام عيون أبناء عائلته المذهولين. كل استجداءات أبناء العائلة لمسؤولي «حماس» لتحريره من السجن وادعاءاته بتعذيب شديد تعرض له، لم تلق جواباً. بعد نحو سنة من اعتقاله أعدم.
شتيوي لم يكن الفلسطيني الأول الذي يعدمه السنوار. في السجن الإسرائيلي كان يلقب «أبو طنعش» أي أبو الـ 12، للاشتباه بأنه قتل 12 مشبوهاً بالتعاون (أدين بقتل خمسة منهم). لقد أثبت السنوار بأفعاله حتى قبل الحرب وبالتأكيد منذ 7 أكتوبر أنه رجل خطير، ذو رؤيا مسيحانية، أكثر تطرفاً من أكثر المتطرفين من بين رجال «حماس»، أكثر وحشية وذكاء من معظمهم. فقد قاد «حماس» إلى الحرب الأكثر وحشية وضراوة التي شهدتها غزة وفهم جيداً أنه يوشك على أن يضحي بآلاف الفلسطينيين على مذبح رؤياه – أن يكون صلاح الدين الأيوبي الفلسطيني.
لقد فهم أن 2.2 مليون فلسطيني سيدفعون ثمناً رهيباً وفظيعاً على جنونه، لكن شيئاً لم يمنعه أو يؤخره من أن يخرج إلى حيز التنفيذ خطة إرهاب خطيرة بهذا القدر ستكلف حياة أكثر من 1200 إسرائيلي، واختطاف 242، لكن أيضاً حياة عشرات آلاف الفلسطينيين الذين حتى عددهم الدقيق ليس معروفاً. غزة في الخرائب، الذراع العسكرية لـ»حماس» في الخرائب، والآن الذراع السياسية للمنظمة التي سارت على الخط مع الرجل الذي قاد الغزيين إلى الكارثة الأكبر التي شهدوها منذ «نكبتهم» في 1948.
يشكل اختيار السنوار في واقع الأمر إخضاعاً للمكتب السياسي كله للسنوار. فلئن كان حتى يوم أمس فصل ما، أو توزيع للصلاحيات، تقسيم المناصب بين كبار المسؤولين في الخارج (هنية وآخرين) وبين أولئك الذين في غزة، فإن الحركة كلها الآن تخضع لإمرة السنوار في غزة، على المستوى النظري أيضاً.
لقد تحول هنية إلى زعيم رمزي للمكتب السياسي في السنوات الأخيرة منذ غادر إلى قطر، وكان لا يزال له قول وتأثير سياسي ما. أما الآن فلن يكون من يتجرأ حتى على الاختلاف مع الزعيم كلي القدرة، الذي يرى نفسه مخلصاً بل وربما كمسيح للفلسطينيين. وهو سيعمل كل شيء كي يثبت مكانته طالما كان على قيد الحياة وسيحيد كل تهديد دون تردد. بمفاهيم كثيرة فإن «حماس» في واقع الأمر اختارت رجلاً متطرفاً جداً، مندفعاً أيديولوجياً باتجاه متطرف حتى أكثر مقارنة بـالاتجاه الذي تبنته حتى الآن. وهذا يسمى في أماكن معينة «القطبية» على اسم أحد زعماء «الإخوان المسلمين» سيد قطب الذي خلف مؤسس «الإخوان» حسن البنا. قاد قطب «الإخوان» إلى خط متطرف أكثر بكثير من خط المؤسس (الذي هو الآخر كان متطرفاً) وشكل بعد ذلك إلهاماً أيديولوجياً لحركات كالقاعدة وداعش. وهكذا ستبدو «حماس» في السنوات القادمة تحت قيادة السنوار (التي نأمل ألا يعيش لزمن طويل آخر): ثابت، لا يتردد في المسّ بالفلسطينيين الذين يتجرؤون على تحديه وبالتأكيد الإسرائيليين.


عن «يديعوت أحرونوت»



 

Loading...