الحلقة الثانية
ننشر في مسار على حلقات كتاب أيام.. كلام وخطاً (رحلتي) للكاتب د.خالد مسمار وفيما يلي نص الحلقة الثانية:
(2)
تعودت في نهاية كل عام دراسي أن أعود من القاهرة إلى عمان لقضاء الاجازة الصيفية في كنف أهلي، ولكن في العام 1968م، لم أستطع ذلك بسبب التحضير لانطلاقة الإذاعة والتدريب على يد الأستاذ أبو صخر والاستاذ أحمد حمزة. كيف أبرر غيابي عن عمان لوالدي؟ ذهبت إلى مبنى البريد في القاهرة وأجريت اتصالا هاتفيا بسيدي الوالد رحمه الله أعلمه انني سأستنكف هذا العام عن العودة إلى عمان. أراد أن يعرف السبب، لم أستطع أن أخبره الحقيقة لالتزامي بقسم فتح وسرية العمل. فادّعيت انني ملتزم برحلة مع الكلية، قال: إذا تأتي بعد الرحلة، حاولت إقناعه دون فائدة، أنهيت التدريب وانطلقت الإذاعة وعرف أستاذنا أبو صخر بمأزقي فسمح لي بالمغادرة لفترة اسبوعين.
أثناء وجودي في عمان شنت إسرائيل غارة جوية على أحد مواقعنا في السلط استشهد خلالها أحد قادة الحركة هو الرائد خالد رحمه الله وكان من القادة العسكريين الأوائل، كنا نجلس في منزل الوالد نتناقش ونتحاور حول ما يجري وتطرق الحديث إلى الإذاعة الثورية الجديدة، وكان أحد أبناء عمومتي ويعمل في الكويت في زيارتنا ادعى معرفته بالإذاعة والعاملين بها ومن أين تنطلق في الأرض المحتلة ويؤكد على ذلك! حاولت إقناعه بأن كلامه يحتاج إلى دليل، فأخذ يسمي بعض أسماء شباب الحركة من إقليم الكويت اذكر منهم الحاج سكيك، وعلا صوتنا ونحن نتناقش. حضر والدي يستطلع الخبر، وما زال ابن عمي يتمسك بأقواله. (طقّك معي)، قلت له وبكل قوة: كلامك غير صحيح لسبب بسيط. قال ما هو؟ هنا فجّرت المعلومة المدوية، قلت: لأنني واحد منهم.
سكت الجميع..
اختلست النظر إلى والدي، لاحظت ابتسامة عريضة تعلو وجهه والانشراح واضح في ملامحه، فقد عرف لتوَه لماذا تأخرت عن العودة إلى عمان، وعرف أنني من فتح، فارتحت لانبساط والدي، وعرف الأهل كلهم بالتحاقي بالحركة.
عندما خرجنا من مبنى الإذاعة ساعة انتهائنا من تسجيلها كاملة بصحبة القائدين أبو جهاد وأبو لطف إلى ميدان التحرير، جلست مع الزملاء في مدينة البعوث لنستمع سويا للإذاعة الجديدة دون معرفتهم أنني والأخ يحيى العمري من مذيعيها، انطلقت إشارة الإذاعة التي اختارها أبو صخر بفنية عالية، وما أن نطق عبد الشكور " صوت العاصفة"... ويحيى "صوت فتح".. وأنا "صوت الثورة الفلسطينية" حتى أحسست بقشعريرة بدنية جميلة وإحساس بالفخر والعزة، إننا نحن الشباب (طلع منّا شيء) نفخر به.
حدثتني إحدى شقيقاتي قالت إنها كانت في سيارة أجرة هي وزوجها في عمان وكان مذياع السيارة ينقل صوتنا، وما أن سمع السائق صوتي حتى بادر يقول لركابه: هذا المذيع راضع من بزّ إمه! قالت شقيقتي كنت أود أن أصرخ وأعلن له أن هذا الصوت صوت أخي، لكنني خفت أن ننكشف. كان انطلاق الإذاعة مدويا في فلسطين والأردن وسوريا ولبنان ناهيك عن مصر، حالة معنوية قوية لدرجة أن عامة المستمعين، عامة الشعب كانوا يطلقون على الإذاعة اسم إذاعة البلاغات العسكرية، هنا تظهر عظمة الانجاز وعظمة أبو صخر، وشعراء الإذاعة أصحاب كلمات الأناشيد الثورية، التي أصبحت شعارات المتظاهرين في الوطن المحتل التي كانت تهتف بها: بلادي بلادي، أنا صامد صامد أنا صامد.
لم تؤثر الإذاعة في جماهيرنا الفلسطينية والعربية فحسب، بل كان لها تأثيرها الكبير على الكيان الصهيوني. كان الإعلام الاسرائيلي يسجل ما تقوله إذاعتنا ويأخذ بالتعليق على ما نقول وفي إحدى المرات نقلت إذاعة إسرائيل صوتي وعلقت على ما أذعت بقولها: "قال المذيع المخرب"، هنا شعرت بالفخر والاعتزاز لأنني علمت بانزعاجهم منا وبما نقول. صحيح أن كلمة مخرب شتيمة، لكنني فرحت بهذا اللقب من عدوي، فالكلمة أيضا تزعجهم وليس الرصاصة فقط.
لم نذكر أسماءنا.. كنا ننكر ذاتنا، ولم نعط أنفسنا أسماء حركية.. الكل متواضع أمام ما يقدم الفدائي المقاتل وامام ما تقدمه الجماهير في الأرض المحتلة. أحبّنا الناس دون أن يعرفونا ما ساعد على انتشار الإذاعة في كل الميادين والساحات الفلسطينية والعربية.
لكن لا بد من بعض النقد الذاتي، فعندما خرجنا في أيلول من عمان ونجاح الإذاعة (زمزم 105).. أرادت القيادة أن تكرمنا، فاختارت الرأس دون القوى الفاعلة وعينت الأخ ربحي عوض مسؤول الإذاعة عضوا في المجلس الثوري. وكررت نفس الأمر في لبنان وعينت الأخ نبيل عمرو عضوا في المجلس الثوري. طبعا هذا لا يعني الانتقاص من قدرة الأخوين ومحبتي لهما واعتزازي بهما فقد نسيت القيادة وللأسف أستاذنا جميعا فؤاد ياسين، ولم يعين لا في المجلس الثوري ولا في اللجنة المركزية، صحيح أننا لم نفكر يوما بالمنصب أو الموقع.. فهذا الأمر يعتبر تكليفا لا تشريفا.. ومع ذلك قررت أن أدخل انتخابات المجلس الثوري في المؤتمر العام الخامس، وانتخبت من قبل المؤتمر لدرجة أن الأخ الرمز أبو عمار عندما هنأني أنا وزملائي الآخرين قال بحب وإعجاب (يا سكر زيادة)، ما أسعدني وشجعني أن أكون على قدر المسؤولية.
في العام 1970 أعلن عن مشروع أميركي للحل في المنطقة سمي بمشروع روجرز نسبة إلى وزير الخارجية الأميركية آنذاك المستر روجرز، قبله الرئيس الراحل عبد الناصر ورفضته حركة فتح التي تقود الثورة الفلسطينية، كان مفوض الإعلام في حركة فتح والذي يزودنا بالخط الإعلامي اليومي من عمان عن طريق الهاتف هو القائد الشهيد كمال عدوان، وكانت التعليمات تقول لنا: افتحوا النار على مشروع روجرز ومن يقبل مشروعه! وهذا يعني عبد الناصر الذي نحن عملياً في حضنه حيث الإذاعة وكادرها يعملون من شارع الشريفين في القاهرة.
لم يكن أمامنا إلا الالتزام بالتعليمات الحركية، كان وزير الإعلام والثقافة المصري في ذلك الوقت هو الكاتب والصحفي المشهور والمقرب من عبد الناصر "محمد حسنين هيكل" زارنا في مقر الإذاعة مرتين محاولاً بكل أدب أن يثنينا عن ذلك قائلا للأخ أبو صخر: يا اخوانا ده عبد الناصر، انتو بتهاجموا الهرم، راجعوا سياستكم، دي مش طريقة ". لكن القائد الشهيد كمال عدوان استمر على إصراره بالالتزام بنفس الخط الاعلامي، ومما زاد الطين بلة أن إخواننا في الجبهة الديمقراطية سيّروا في شوارع عمان حماراً يحمل على عاتقه صورة لجمال عبد الناصر! وهو أسلوب غير حضاري وهو خطأ سياسي كبير أساء لنا فيما بعد.
وهنا قررت مصر إغلاق صوت العاصفة، ولكن بهدوء ودون شوشرة، فعندما كنا متوجهين إلى موقع الإذاعة لمباشرة عملنا اليومي فوجئنا قبل الوصول إلى الموقع بأمتار قليلة من جاءنا هامساً: (النهاردة ما فيش إذاعة يا أستاذ خالد)، كان أسلوباً مخابراتياً هادئاً وحضارياً بالمقارنة مع الأسلوب الذي اتبع معنا فيما بعد عندما اختلفنا مع نظام حافظ الأسد في سوريا في عام 1973م حيث تم تحطيم أجهزة الإذاعة وسرقة كل ما فيها حتى ملابسنا واعتقال الكادر كله!
قبل إغلاق صوت العاصفة في القاهرة كان الأخ أبو صخر قد عرّفني على كادر حركي قادم من عمان هو المرحوم خطاب (عزت أبو الرب) وقال لي: أن الأخ خطاب من عمان ولديه هناك محطة إذاعية محلية يديرها وكان، وهو قائد الميليشيا هناك، يرغب في التدرب على الأداء الإذاعي، بذلت كل جهدي في سبيل ذلك بالرغم من ضعف الخامة الصوتية.
فلما أغلقت الإذاعة في مصر كان لا بد للأخ أبو صخر أن يبحث عن بديل فقام بتوزيعنا على عدد من الدول العربية، وكان نصيبي أن أرافقه إلى بيروت حيث الأخ حمدان عاشور معتمد الإقليم هناك في ذلك الوقت أفادنا أنهم في الإقليم لديهم إذاعة قوتها ما بين 1 كيلو واط -3 كيلو واط.
وصلنا بيروت، وكانت المرة الأولى التي أزور فيها بيروت، وكنت في طفولتي لا أحب لبنان بسبب ما كنت أطالعه في مجلاتها من صور شبه عارية لسيدات المجتمع اللبناني أو الفنانات مما أعطاني انطباعاً أن المجتمع اللبناني فاسد!
استقبلنا الأخ حمدان وكادر الاقليم بالترحاب ونزلنا في أحد الفنادق - وكانت المرة الأولى في حياتي أنزل فندقا- وفي اليوم التالي تم اصطحابنا إلى موقع الإذاعة التي فوجئنا بانها لن توصل صوتنا إلى أي مكان. ما العمل إذا؟!
قال أبو صخر نتوجه فورا إلى عمان حيث المحطة التي تم تدريب الأخ خطاب عليها.
وصلنا عمان وتوجهنا إلى موقع المحطة وبدأنا العمل فيها، كان الموقع عبارة عن غرفة أرضية متواضعة تحوي جهاز الإرسال الصغير وبعض المسجلات والرسيفر وميكروفون كلها على طاولة واحدة يجلس على كرسي أمامها الأخ عطا خيري، الذي كان مراسلنا العسكري هو والأخ أبو الصادق الحسيني واللذان يوافياننا يوميا بالخط الإذاعي الذي يرسله لنا القائد الشهيد كمال عدوان، بالإضافة إلى البلاغات العسكرية الصادرة عن القيادة العامة لقوات العاصفة والإشارات المشفرة، التي كان يذيعها في البداية الأخ عبدالله حجازي، المعروف أن الأخ عطا هو الآن سفير فلسطين لدى الأردن.
تدرب عطا على الإرسال مع زميل آخر اسمه نجاح الذي عمل فيما بعد في إذاعتنا ببغداد، وفي تلك الفترة كان يحدث بيننا وبين الجيش الأردني بعض المشاكل وإطلاق نار شبه يومي.
كانت الإذاعة في الأشرفية وكنت أسكن في منزل والدي رحمه الله في الشميساني، وكانت معظم تحركاتنا مشيا على الأقدام، في تلك الأثناء وصلت إلى العبدلي قادما من الأشرفية باتجاه المنزل في الشميساني وكان في العبدلي مركز قيادي أو مجمع للقوات الأردنية (القيادة الأردنية)، لأول مرة أرى هذا المجمع ومقابله مخيم صغير للاجئين، جرى بشكل مفاجئ إطلاق نار كثيف وقريب مني جداً، دون شعور وجدت نفسي في الأرض!
وتساءلت بيني وبين نفسي: هل أنا خائف؟ لماذا (بركت) على الأرض)؟
عندها مرت سيارة أجرة استقليتها في اتجاه البيت وانا أفكر فيما جرى لي، (فدائي وخايف.. ليس هناك إحساس بالخوف لكن لماذا بركت على الأرض بالرغم من أن أعصابي قوية؟!)، كان ذلك قبل أحداث أيلول المؤسفة.
في عمان كانت الحركة تصدر جريدة يومية اسمها " فتح "، وكانت ذات تأثير قوي في الشارع وتوزع بأعداد كبيرة وعلمت انها كانت تطبع في مطابع الدستور حيث كان يعمل المرحوم حنا مقبل وبنت الشعب (سلوى العمد) -المحرران الأساسيان- في الجريدة بقيادة ماجد أبو شرار وصخر حبش (ابو نزار) رحمهما الله.
تفاقمت الأوضاع في عمان وتزايدت الاشتباكات وأصبحت يومية مما ينذر بخطر كبير، ومما زاد من التوتر خطف الطائرات من قبل الجبهة الشعبية إلى مطار المفرق الذي أطلق عليه اسم مطار الثورة، وفي تلك الفترة تمت تقوية الإذاعة، وشكل الأخ أبو صخر كادر الإذاعة وغادر إلى مصر واستلم إدارة الإذاعة الأخ ربحي عوض وكان محرر الاخبار الأخ عصام بسيسو، والكادر الإذاعي يتكون من خالد عزمي خميس، حنا مقبل، وبين الفينة والاخرى نزيه أبو نضال، ورسمي أبو علي، وصخر أبو نزار ومهندس البث عطا، ومهندس الإرسال رافع الخالدي، ومعه مجموعة جهاز اللاسلكي التابع للأخ أبو جهاد.
كان من المفروض أن نغلق الإذاعة عصر يوم السادس عشر من أيلول بعد انتهاء فترة البث وان نذهب إلى بيوتنا إلا أن الأوضاع توترت فجأة وأعلن الملك حسين تشكيل حكومة عسكرية وما لبث أن بدأ القصف المدفعي من قبل الجيش الأردني تجاه المواقع الفدائية فاضطررنا للبقاء في نفس المكان وإعادة البث من جديد مساء 16/9/1970، استمرت الاشتباكات العنيفة والمعارك بين كر وفر، وكنا ننقل تفاصيل ما يجري على الهواء مباشرة حيث كنا نرى رأي العين من مقر الإذاعة بالأشرفية، وهو مكان مرتفع يشرف على عمان، تقدم الدبابات مثلا في منطقة القلعة أو الهاشمي الشمالي ومن ثم التصدي لها وتراجعها، كل ذلك كان على الهواء مباشرة وأعتقد اننا الإذاعة الميدانية الوحيدة في ذلك الوقت التي كانت تبث المعارك بثا حيا ومباشرا على الهواء، وفي تلك الأثناء سقطت منطقة جبل الحسين والشميساني بسرعة بأيدي الجيش وتم أسر واعتقال الأخوين أبو لطف وابو أياد وهما أبرز قائدين في فتح بعد الأخ أبو عمار وأبو جهاد، مما أثر في معنويات قواتنا، خاصة عندما سمعنا صوتهما من الإذاعة الأردنية يومها صدر تصريح من قيادة الثورة أن الأخوين أبو اللطف وأبو إياد لا يعبران عن موقف الثورة بعد أسرهما وربما أجبرا على الحديث في الإذاعة.
مرّ أسبوع على المعارك الشرسة والمعنويات ساءت بعد حديث أبو اللطف وأبو إياد الإذاعي، وساد بعض الهدوء، تم إيقاف البث الإذاعي وأردت أن أستريح وكانت الساعة حوالي التاسعة ليلا فافترشت أرض غرفة البث، وكانت الفرشة عبارة عن كرتونة تحيط بي بعض الكتب، واستيقظت عند التاسعة والنصف على صوت نقاش عالي بين الأخوين أبو عمار وكمال عدوان، وأشعرتهما أنني استيقظت حتى لا يشعرا انني اتنصت على كلامهما، فقال الأخ كمال شو ازعجناك؟ قلت: لا، بس إذا بدكم تحكوا على مسمعي أنا صاحي، فابتعدا قليلا حتى لا يزعجاني لكني فهمت من كلامهما أن الأخ أبو عمار كان قلقا بسبب تفاقم الوضع وقلة الذخيرة ويبدو أن هناك من اقنع الأخ أبو عمار اننا إذا صمدنا اسبوعا سيتحول الامر إيجابيا تجاهنا!
وفي تلك الأوقات كان الأخ أبو جهاد يصلنا باستمرار حيث أن موقعنا هو موقع جهاز اللاسلكي الذي يتبع له بقيادة الأخ رافع الخالدي والذي كان يسمى زمزم 105 لذلك أصبح اسم الإذاعة في أيلول هو (زمزم105).
استمرت المعارك الشرسة وكان الأخ أبو جهاد على اتصال من خلال اللاسلكي مع الأخوين أبو علي إياد وأبو صبري عضوي القيادة العامة لقوات العاصفة اللذين تقدما على ما يبدو متأخرين من الشام وأنهما الآن في الزرقاء، ويبدو أنهما كانا موعودين بشيء من الجيش السوري ومما سمعته من الأخ أبو جهاد موجها كلامه للأخ أبو علي إياد "من آدم جلال إلى آدم أياد احمل عصاك وارحل" ولم أستفسر من الأخ أبو جهاد فيما بعد عن سر تلك العبارة ولكن على ما يبدو أن حضورهما كان متأخرا. دخل الجيش السوري المعركة لكن وزير الدفاع السوري في ذلك الوقت اللواء حافظ الأسد رفض إعطاء الأوامر للطيران السوري ليغطي دخول الجيش مما سهل ضربه من قبل الجيش الأردني وانسحابه إلى الأراضي السورية، ويبدو أن ذلك كان بسبب الخلاف في القيادة السورية الحاكمة في تلك الأوقات بعدها قام حافظ الأسد بانقلابه بما سمي في تلك الفترة بالحركة التصحيحية واعتقل كل رفاقه في الحزب وقاد الحزب والدولة حتى وفاته.
في إحدى فترات الهدوء وصل إلى موقع الإذاعة وهو قريب من مقر اللجنة المركزية لفصائل الثورة الفلسطينية الأخ أبو ماهر اليماني نائب الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومعه عضو في المكتب السياسي للجبهة وهو عراقي من عائلة السامرائي نسيت اسمه الأول وعلمت منه أنه يبحث عن مقر اللجنة المركزية لأن الأخ أبو عمار دعاهم لاجتماع عاجل فلم يجد أحدا، وعندما رآنا جاء ليستفسر ولم يكن يعرف أن هذا المكان هو الإذاعة واستفسر عن سبب توقف الإرسال حيث أنه لم يسمع الإذاعة منذ فترة متسائلا هل تم ضربها؟! طبعا لم نخبره عنا ولكن مفاجأتي شخصيا أنه أثناء حوارنا سقطت قذيفة مدفعية قرب مقرنا فسارع أبو ماهر للاختباء تحت الطاولة! فاستغربت ذلك من نائب الأمين العام للجبهة التي تخيف العالم بعملياتها الجريئة وباختطاف الطائرات وبتصلبها الثوري.
كان الوضع في عمان مأساويا، خاصة في مستشفى الاشرفية حيث الجرحى بالمئات ناهيك عن الشهداء وخاصة المدنيين وتأتينا الأخت أم ثائر وهي زوجة حنا مقبل تطلب منا الإعلان عن التبرع بالدم حيث لم يعد هناك ما يكفي لعلاج الجرحى خاصة وأن المستشفى نفسه يتعرض للقصف ولا يوجد فيه كهرباء، وكان الناس يتوجهون إلى مسجد أبو درويش كونه في منأى عن قذائف الدبابات والمدفعية، ورغم ذلك كنا نشعر من حديث أم ثائر الواثقة من نفسها أن المعنويات ما زالت مرتفعة وكانت المأساة ظاهرة على الوجوه، الدماء في كل مكان، وفي إحدى الليالي كان نداء الله أكبر يتردد عبر سكون عمان كي يتوقف القتال.
استطاع الأخ رافع الخالدي مسؤول اللاسلكي لدى الأخ أبو جهاد أن يلتقط لاسلكي إحدى الدبابات وسمعت الحوار التالي بين الأخ أبو جهاد شخصيا وبين قائد الدبابة: قال أبو جهاد هل يعقل أن يسيل هذا الدم بينا وبينكم، نحن إخوان. كان الحوار طويلا بين الرجلين وربما خفّف من الاحتقان بين الجانبين. وقبل هذا الحوار كنا نسمع حوارا بين اثنين من قادة الدبابات يستفسران عن الوضع واين وصلوا وتطرقا إلى الحديث عن الإذاعة إلى أن سمعنا أحدهما يقول للآخر: " ملعون ابوهم ما أحلى أغانيهم!".
أثناء حرب أيلول المؤسفة وافقت القيادة العراقية على افتتاح محطة للثورة الفلسطينية ذهب إليها من القاهرة الأخ الطيب عبد الرحيم وكان معه يوسف القزاز وعارف سليم وفيما بعد استلمها الأخ عزمي خميس، وعلمت أن الأخ حسن البطل قد عمل في بغداد معلقا سياسيا بقلمه الرشيق، وكانت إذاعة بغداد في تلك الفترة إذاعة مساندة لنا نحن بعمان، حيث أن إذاعتنا في عمان لم تكن مسموعة في العالم العربي لضعف إرسالها الذي يكفي عمان وما حولها فقط. أثناء استماعي إلى الإذاعة في بغداد في إحدى ليالي عمان علمت أن عددا كبيرا من القوات في الجيش الأردني التحقوا بالثورة وكنت أخشى على أخي نافذ الضابط في الجيش من أي مكروه، وكم كانت سعادتي وارتياحي عندما سمعت بوصوله امناً إلى قواعد الثورة وتم ذكر اسمه من الإذاعة هناك ضمن من التحقوا بنا. فسارعت للإعلان عن ذلك من (زمزم 105) بصوتي حتى يطمئن الأهل في عمان بالذات.
اتخذ الأخ الطيب من بغداد خطا هجوميا عنيفا ضد النظام المصري، خاصة وأنّنا كنا نتوقع تحركا من الرئيس عبد الناصر ليتوقف سيل الدم في الاردن، لكن عبد الناصر بقي ساكتا ربما لعدم رضاه عما يجري ولغضبه من قيادتنا لموقفها منه بخصوص مشروع روجرز، إلى أن تدخلت الجامعة العربية وأرسلت السيد الباهي الأدغم رئيس الوزراء التونسي إلى عمان لإيجاد مخرج من المأساة، وتحرك الرئيس السوداني جعفر النميري الذي وصل إلى عمان، وكان الحديث عن كيفية لقاء الوفد العربي بالأخ أبو عمار، تم الاتفاق على أن يتم اللقاء في السفارة المصرية في جبل عمان ووضعت خطة التحرك للقاء حتى لا يتم ضرب المتحركين من قبل الجيش الأردني وليكون على علم باتجاه سير القافلة.
تم اختيار الأخ رسمي أبو علي لقراءة التعليمات وخريطة السير لتكون معلومة للجميع كي تصل بأمان، وثم اختيار الأخ رسمي بسبب هدوء صوته ليقرأ سير الطريق من المكان الفلاني إلى الجبل الفلاني في الوقت الفلاني. وفي تلك الأثناء تم إخراج الأخ أبو عمار إلى القاهرة بأسلوب التخفي وعقدت قمة عربية بحضور الملك حسين والأخ أبو عمار وتوقف القتال وبدأ التحضير لخروج الفدائيين والجيش الأردني من عمان على أن يتجمع الفدائيون في دبين وأحراش جرش.
تم اختياري للخروج تحت الراية الخضراء راية الباهي الأدغم إلى سوريا مع من سيخرجون. وبقي الأخ ربحي عوض على أن ينقل الإذاعة إلى موقعها الجديد في أحراش جرش، طلبت أن أذهب لأودع أهلي الذين يسكنون في حي الشميساني والمسافة بين الاشرفية والشميساني ليست بقليلة خاصة وانني سأذهب مشيا على الأقدام. تطوع الأخ ثائر أبو المجد وكان أحد الأشبال الذين يقومون بحراسة الإذاعة في النزول معي بسلاحه إلى البلد. وهذا الشبل كان دائم التجول في شوارع المنطقة يتفقد الأوضاع ويأتينا بالأخبار قال لي: بينما أنا وبعض المواطنين نستمع إليك في الإذاعة، والمعنويات صعبة والوضع حرج، وإذ بك توجه نكتة ساخرة إلى المشير حباس المجالي الحاكم العسكري العام الذي كان قد أعلن في وقت سابق رصد مبلغ (40) ألف دينار لمن يأتي برأس جورج حبش حيا أو ميتا، وكان الأخ نزيه أبو نضال قد كتب كلمة قصيرة وساخرة حول هذا الموضوع كي اقرأها بأسلوبي الساخر الذي أجيده اذكر منها أن المواطنين في عمان ذهبوا إلى سقف السيل ليبحثوا عن ملابس داخلية بيضاء ليرفعوها علم استسلام أمام الجنرال حابس حابس المجالي (على وزن علي علي عامر) ليسلموا جورج حبش فلم يجدوها. فهل رقبة حبش رخيصة إلى هذا الحد، أي لحلحها شوية يا مشير! قال ثائر عندما سمعنا هذه النكتة أيقنا أننا في وضع جيد ورفعتم معنويات الناس.
أثناء المعارك كان الجيران حولنا يأتوننا بالطعام باستمرار من إفطار وغداء وعشاء دون أن يعرفوا ماهية عملنا سوى اننا من مكاتب الثورة، ولما اشتد القتال والحصار اعتذروا لنا حيث لم يعد لدى الجيران طعام أو خبز ولكن كان في الجوار دكان صغيرة صاحبها لم يحضر منذ بدء القتال فاستأذنونا بفتحها واستعمال مواد التموين التي بداخلها ففتحناها ووزعنا عليهم ما بها على أن نعوض صاحبها عند عودته وعودة الهدوء إلى ربوع البلاد.
وفي أحد الأيام فوجئنا بإحدى الدبابات في الشارع الذي خلف موقعنا ورأيناها رأي العين ولم نحرك ساكنا وفي وقت لاحق مر بنا الأخ أبو جهاد وعلم بذلك فطلب منا إغلاق الإذاعة والانتشار بعيدا. كان سلاحنا متواضعا وهو عبارة عن كلاشن بلغاري وجعبة ومدقة مع بعض المخازن نزلنا إلى الشارع الذي أسفل مقر الإذاعة وجلسنا تحت شجرة قريبا من المكان. مر بي، وأنا جالس مع رفاقي في المكان، إحساس غريب، وسألت نفسي هل أواجه الدبابة بهذا الكلاشن والمدقة الصينية، هل سأوجه سلاحي إلى الجندي في الدبابة ليقتلني أو اقتله، الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، وفي هذه الأثناء وانا سارح لا أدرى ما افعل ولكنني كنت اسحب أقسام الكلاشن ببطء، (روكب) الكلاشن وعلقت رصاصة في السبطانة ولم أصح إلا على صوت الأخ ربحي عوض يحذرني من أنني أصوب الكلاشن نحوه دون أن أدري! بعد قليل ونحن في هذه الحالة إذ بالأخ أبو جهاد يمر بنا، وهذا هو ديدن القائد، دائم التحرك ولا يمل، يتفقد المواقع وفوجئ بوجودنا مكشوفين قريبين من الإذاعة: بعدكم هون؟! قلنا: واين نذهب؟ قال: انتشروا. ادخلوا البيوت بين الناس. وفعلا دخلنا أحد البيوت الذين رحبوا بنا وقدمت ربة المنزل الشاي الساخن لنا وتسألنا عن مصير الإذاعة التي لم تعد تسمع! وهي لا تدري أن ضيوفها هم طاقم هذه الإذاعة التي لا تبعد عن منزلها سوى أمتار قليلة، كانوا قلقين على الإذاعة. طلب منا الأخ أبو جهاد أن ننقل الإذاعة في الليل. ولكن في الليل كان القمر ساطعا ومنيرا بشكل غير عادي وكأنه قمر الحصادين، فأي تحرك في هذا الجو مكشوف خاصة وإننا قريبون من حاووز الاشرفية، وهو مكان عال ومشرف على المنطقة وبه مدفع 500 للجيش يستطيع أن يسيطر على المنطقة بسهولة. كيف ننقل جهاز الإرسال وهو ثقيل وطوله يقارب المترين؟ تطوع مقاتل شهم وطويل وحمل الجهاز ونزل فيه المنحدر متحاشيا ضوء القمر حتى لا ينعكس خياله على الأرض أو الجدران وكنا نمشي الهوينا ملتصقين بجدران البيوت حتى وصلنا مقر التصوير حيث هاني جوهرية وابو ظريف وطاقم التصوير بعد طلوع النهار.
وحتى الآن لم أعرف اسم ذاك المقاتل الشجاع الذي تجشم حمل جهاز الإذاعة طيلة ليلة كاملة دون شكوى أو ضجر ينزل منحدراً ويصعد مرتفعاً حتى وصلنا آمنين.
وبعد جهد جهيد وانقطاع دام ساعات طويلة استطعنا تشغيل الإذاعة من جديد، والفضل كله يعود بعد الله للأخ رافع وشاب سوري اسمة جهاد يعمل في اللاسلكي ومد اسلاك الانتين على البنايات حولنا دون خوف، بالرغم من أنه يلبس المرقط وعند الظهر فوجئنا بمن حولنا يحتفلون بقدومنا بصينية مقلوبة ساخنة لكن اللحم فوقها كان علبة بولوبيف! ولأول مرة التقي المرحوم هاني جوهرية مسؤول قسم التصوير ذلك الرجل الهادئ والعامل بصمت ومثابرة كما النحلة.
وفي المساء قيل لنا اسمعوا إذاعة القاهرة، وإذا بالسادات يدعو إلى الصبر ويعلن وفاة عبد الناصر. كان الخبر كالصاعقة على الجماهير التي نسيت ما هي فيه من ألم ومأساة. ورغم أن هذه الجماهير غضبت في البداية من عبد الناصر الذي لم يحرك ساكناً لوقف الدماء التي تسيل في عمان، إلا انها رفعت الإعلام السوداء فوق منازلها حداداً على الراحل الكبير والكل يستمع لإذاعة القاهرة التي تبث القران الكريم.
كان حب الجماهير لعبد الناصر يملأ الوجدان، ما أدى إلى نسيان الدم ونسيان كل ما جرى.
شهر أيلول بالنسبة لي شهر مهم ففيه حصل الانفصال وانتهت الوحدة السورية المصرية ما سبب لي شخصيا ولكثيرين غيري ممن يحبون عبد الناصر، ألما كبيرا ونكسة لحلم الوحدة، ولكن يوم 26/9 قامت الثورة اليمنية ضد حكم أسرة حميد الدين التي أخرجت اليمن من عهد الظلمات فأعادت لي بعض الأمل، وفي 27/9 وهو يوم مولدي وهو أيضاً يوم استشهاد القائد الفارس سعد صايل، أما 28/9 فكان يوم وفاة الزعيم الكبير جمال عبد الناصر. وفي وقت لاحق من العام 1982 حدثت مجزرة صبرا وشاتيلا في أيلول أيضا، وقبلها كانت دير ياسين، واستشهاد عبد القادر الحسيني بطل معركة القسطل في بدايات شهر أيلول، ولكن فيه أيضاً أنني اصبحت جداً في 6 أيلول، ووُلد حفيد آخر جديد لي في نفس يوم مولدي 27/9!
فشهر أيلول بالنسبة لي شهر مميز فيه الحلو وفيه المر، ولكن لو تأملنا شهور السنة كلها بالنسبة للفلسطيني لوجدناها هكذا أيضاً!
بعد الاتفاق على وقف النار والانسحاب من عمان توجهت إلى وسط البلد للاستطلاع ومن ثم زيارة الأهل في الشميساني اصطحبنا الشبل ثائر أبو المجد بكامل سلاحه، وعند وصولنا ساحة الجامع الحسيني وسط عمان كان الجيش والشرطة في كل مكان بسلاحهم ودباباتهم التي تستعد للانسحاب قابلتنا امرأة عجوز وحذرتنا من الاستمرار خوفاً علينا، لكننا ركبنا رأسنا ورفضنا العودة مكابرين! أوقفنا ضابط شرطي قرب البنك العربي، قائلا: على فين يا شباب؟ أجبته لزيارة صديق لنا يقيم في فندق خلف البنك، دخلنا الفندق الشعبي لكننا لم نجد صاحبنا وعدنا أدراجنا، لكنهم اعتقلوا فيما بعد أصحاب الفندق الذي قمنا بزيارته! طلبت من الشبل ثائر أن يعود خاصة وأنه مسلح ومضيت في طريقي لزيارة اهلي كان واضحا من ملابسي المتسخة والتي لم اغيرها منذ المعركة في 16/9 وحتى 28/9 لدرجة أن القميص الأبيض أصبح أسودا وبهذا لا أستطيع مواصلة السير دون أن يعرف أحد من أنا فوضعي يدل على ّ. كانت إحدى أخواتي المتزوجات تسكن قريبا في شارع وادي السير بعد مبنى البريد، وصلت بيتها وكان اللقاء مؤثراً وأراد زوجها أن يخبئني عنده بالرغم من أن جيرانه عرفوا من أنا فأصريت على الذهاب لأرى أمي وأبي واخواني واطمئنهم، فصاحت أختي، راح يعرفوك لحيتك طويلة وملابسك متسخة عندها أعطاني زوج اختي أحد قمصانه لكن كان عليّ مثل الفستان! حيث أن زوج أختي سمين بعض الشيء وأصر على مرافقتي إلى البيت خوفاً عليّ. مشينا من شارع وادي السير إلى جبل عمان فالدوار الثالث حيث كانت دبابات الجيش تتجمع وتتحرك للخروج من عمان حسب الاتفاق، احسست أن زوج أختي كان خائفاً أكثر مني خوفا من إيقافنا وسؤالنا عن وجهتنا وهويتنا، ثم مررنا من أمام دائرة المخابرات دون أن يسألنا أحد فالكل مشغول بالتحرك. وخوف زوج أختي مبرر لأنه كان ضابطا في الخدمات الطبية الملكية. وصلنا البيت في الشميساني وفرحت بلقاء والديّ، ولأول مرة أرى دموع والدي، كان اللقاء مؤثرا اطمأنوا عليّ وعلى أخي نافذ اخذت حماماً ساخناً وغيرت ملابسي بملابس أخرى نظيفة وأكلت طعاماً ساخناً من بين يدي الوالدة رحمها الله وأردت العودة إلى مقر عملي، فاعترضني الوالد رحمه الله قائلا وين رايح! قلت عندي شغل، وكنت وعدت زملائي بألا أغيب إلا ساعات قليلة أعود لهم بعدها. فاستنجد رحمه الله بوالدتي منادياً يا سهيلة تعالي شوفي خالد شو بحكي، هنا كان رد الوالدة رحمها الله كالصاعقة على والدي عندما قالت: الله يسهّل عليه. أسقط في يد الوالد وسكت لكنه استدرك والدمعة تفر من عينيه: روح يا ابني.. أنا وهبتك إنت وأخوك (نافذ) للثورة.
أصر أخي غسان الذي يكبرني بسنتين أن يوصلني بسيارته الصغيرة اخبرته أن الحاكم العسكري يمنع التحرك بالسيارات قال سنضع العلم الأبيض ونسير. ركبت سيارته الفوكس لكنهم أوقفونا عند المخابرات وقبل أن نصل المخابرات سألني أخي أن كنت أحمل هوية، أجبته نعم معي هوية فتح، صرخ بأعلى صوته وأخذ يشتم ارمها في أرض السيارة ولا تظهرها. لم أكن متخوفاً فإيماني بالله لا يتزعزع " قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا ". حتى وقت القصف لم أشعر بذلك الخوف الذي يعتري الإنسان في مثل هذه المواقف ولم أحس برهبة الموت لإيماني المطلق بالقضاء والقدر، لم أرد أن ألقي بهويتي التي تحمل شعار العاصفة شعار فتح في أرضية السيارة، فالشعار يوضع على الرأس لا يلقى على الأرض لكنني استجبت لنداء أخي خوفا عليه أيضا وهو موظف حكومي. قال رجل المخابرات: ممنوع المرور بالسيارة أكثر من هنا، أجابه أخي بأنني سأوصله إلى الحسين فقط، وافق الرجل لكن أخي استمر بنا حتى قصر رغدان، حيث أكملت طريقي مشياً على الأقدام إلى موقعنا.