قراءة في إعلان الرئيس عباس عن التوجه إلى غزة
في خطوة مفاجئة تحمل دلالات عميقة، أعلن الأخ الرئيس أبو مازن أمام البرلمان التركي عن نيته الانتقال إلى غزة مع القيادة الفلسطينية. هذا الإعلان، الذي يأتي بعد إنهاء زيارة له لموسكو وتوجهه إلى تركيا في ظل أوضاع إقليمية ودولية متوترة، يثير العديد من التساؤلات حول دوافعه وجديته وتداعياته على المشهد الفلسطيني والإقليمي، خصوصاً في ضوء التحالفات والتوازنات الجديدة التي تتشكل في المنطقة. في هذا المقال، سأحاول استعراض التحليل السياسي بشكل موجز لأبعاد هذا التوجه وتأثيراته على مختلف الأطراف، بدءً من روسيا وإيران وتركيا ودول المنطقة وصولاً إلى الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفائها في المنطقة.
التحالفات الروسية-الإيرانية-الصينية والموقف الفلسطيني:
من المؤكد برأيي أن يكون إعلان الرئيس عباس قد تم بالتنسيق مع القيادة الروسية خلال زيارته قبل أيام لروسيا، التي تلعب دوراً متزايد الأهمية في الشرق الأوسط. فروسيا، الحليف القوي لإيران والداعم التقليدي للفلسطينيين منذ العهد السوفياتي، قد ترى في هذه الخطوة فرصة لتعزيز موقفها الإقليمي كوسيط رئيسي في القضية الفلسطينية سنداً لدعمها السياسي الواضح لمنظمة التحرير والحقوق الوطنية السياسية لشعبنا. من هذا المنطلق، يمكن أن يُفهم هذا التوجه كجزء من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز التحالف الروسي-الصيني-الإيراني في مواجهة النفوذ الأمريكي في المنطقة.
إيران، التي تعتبر داعماً رئيسياً لحماس وحزب الله، قد تجد في هذا التحرك تعزيزاً لخياراتها السياسية والميدانية في فلسطين. تأجيل أي رد عسكري إيراني أو من قبل حزب الله ضد إسرائيل قد يكون جزءاً من هذه الاستراتيجية، التي تهدف إلى تحسين الظروف التفاوضية لحماس في قطر وتقوية الجبهة الفلسطينية في غزة. هذا التأجيل قد يعزز من موقف حماس التفاوضي، ويضع ضغطاً أكبر على إسرائيل التي تواجه الآن جبهة فلسطينية موحدة بدعم إقليمي ودولي غير مسبوق.
مواقف الأطراف الإقليمية والدولية:
الولايات المتحدة الأمريكية، من المتوقع أن تعارض الولايات المتحدة هذا التوجه، حيث قد تراه تهديداً لعملية السلام ولنفوذها في المنطقة في إطار سياسة الهيمنة المتبعة. الدعم الروسي-الإيراني والصيني لهذا التحرك يعزز من المخاوف الأمريكية من تصاعد النفوذ الإيراني في غزة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تصعيد التوترات مع إسرائيل. واشنطن قد تمارس ضغوطاً على منظمة التحرير الفلسطينية للتراجع عن هذه الخطوة، أو على الأقل الحصول على ضمانات بأن التحرك لن يؤدي إلى تصعيد عسكري.
مصر، من جهتها قد تتبنى موقفاً داعماً بحذر لهذا التوجه، حيث تلعب دور الوسيط التقليدي بين الفصائل الفلسطينية. القاهرة تسعى للحفاظ على استقرار قطاع غزة ومنع حماس من تعزيز نفوذها على حساب السلطة الوطنية الفلسطينية. قد تقدم مصر دعماً لوجستياً وأمنياً لهذه الخطوة، لكنها ستطالب بضمانات بأن حماس لن تستغل الوضع لتحقيق مكاسب على الأرض قد تضر بمصالح مصر الأمنية.
قطر، قد تكون الداعم الأقوى لهذا التحرك، نظراً لعلاقاتها الوثيقة مع حماس ودورها البارز في تقديم الدعم المالي والإنساني لغزة. الدوحة قد ترى في هذا التحرك فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي وتعزيز دورها كوسيط رئيسي في القضية الفلسطينية. كما يمكن لقطر أن تقدم دعماً مالياً ولوجستياً لتنفيذ هذه الخطوة، بما يعزز من مكانتها الإقليمية ويعزز موقف حماس التفاوضي في أي محادثات مستقبلية.
السعودية، قد تتبنى موقفاً متردداً تجاه هذا التحرك، حيث تسعى الرياض إلى تحسين علاقاتها مع إسرائيل ضمن جهود التطبيع في المنطقة. فمن المحتمل أن ترى السعودية في هذه الخطوة تعزيزاً لنفوذ حماس وإيران، وهو ما قد يتعارض مع مصالحها في المنطقة. الرياض قد تدعو الرئيس عباس إلى التركيز على توحيد الصف الفلسطيني في الضفة الغربية بدلاً من اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى تصعيد الوضع في غزة خاصة وأن هنالك زيارة مرتقبة له للسعودية .
الأردن، قد يتبنى من جهته موقفاً داعماً بحذر، حيث يهتم باستقرار الأوضاع في غزة وفي الضفة الغربية، خاصة أن القضية الفلسطينية تؤثر بشكل مباشر على الأمن الوطني الأردني. عمّان قد تدعم التحرك إذا رأت فيه وسيلة لتحقيق استقرار طويل الأمد في غزة، لكنها ستظل حذرة من أي خطوات قد تؤدي إلى تصعيد الوضع مع إسرائيل.
الموقف التركي:
تركيا، التي كانت مسرحاً لإعلان الرئيس عباس عن توجهه نحو غزة مع القيادة الفلسطينية، من المتوقع أن تكون داعماً أساسياً لهذه الخطوة. إعلان عباس أمام البرلمان التركي يعكس العلاقات الوثيقة بين القيادة الفلسطينية وتركيا، ويشير إلى استعداد أنقرة للعب دور أكبر في دعم الوحدة الوطنية الفلسطينية. فتركيا لطالما أبدت دعمها القوي للقضية الفلسطينية وعلاقاتها الوثيقة مع حماس في إطار أدوارهم بحركة الاخوان المسلمين، مما يجعلها شريكاً مهماً في أي تحرك نحو تعزيز موقف الفلسطينيين في غزة.
أنقرة قد تقدم دعماً سياسياً ودبلوماسياً لهذا التوجه، وتساهم في تعزيز التفاهم بين الفصائل الفلسطينية، مستفيدة من علاقاتها الجيدة مع كل من حماس والسلطة الوطنية الفلسطينية. كذلك، قد تستغل تركيا هذه الفرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي، خاصة في ظل التوترات مع الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، وللتأكيد على دورها الذي تعتقده كحامي حقوق الفلسطينيين على الساحة الدولية.
التداعيات على الموقف الإسرائيلي
إسرائيل تواجه تحديات كبيرة مع التوجه الفلسطيني الجديد بدعم من تركيا وروسيا وإيران والصين. الحكومة الحالية التي تضم أقصى اليمين الصهيوني الديني مثل بن غفير وسموتريتش إلى جانب نتنياهو تعيق أي جهود دبلوماسية. وقد بات واضحاً أن الولايات المتحدة تسعى لتغيير الحكومة الإسرائيلية لتشكيل حكومة وحدة وطنية أكثر اعتدالاً، مما يسهل إتمام صفقة محتملة مع حماس ويفتح الباب لتسوية سياسية أوسع في المنطقة.
في النهاية، قد تكون الجهود الأمريكية لتغيير الحكومة الإسرائيلية والتقدم في الصفقة مع حماس بداية لتحول كبير في المشهد السياسي في الشرق الأوسط. لكن نجاح هذه الجهود يتطلب تنسيقاً دقيقاً بين القوى الإقليمية والدولية، إضافة إلى التزام حقيقي من جميع الأطراف بتحقيق تسوية شاملة وعادلة تفضي إلى وقف العدوان وإنهاء الاحتلال وتنفيذ حق تقرير المصير لشعبنا وإقامة دولتنا كاملة السيادة وعاصمتها القدس المحتلة وحل قضية اللاجئين وفق القرار الأممي 194.
خلاصة:
في ضوء هذه التحولات الإقليمية والدولية، يظهر أن إعلان الرئيس عباس عن التوجه إلى غزة ليس مجرد خطوة رمزية، بل هو جزء من استراتيجية أوسع تشمل تعزيز التحالفات الإقليمية والتوازنات السياسية وتحديداً بعد المشاورات التي جرت في روسيا وافتضاح الدور الامريكي بالمشاركة الفعلية بالحرب ضد شعبنا ومواقفها الدولية أمام مجلس الأمن. الدعم الروسي-الإيراني- التركي ومن خلفهم الموقف الصيني لهذا التحرك قد يكون له تأثير بعيد المدى على مستقبل القضية الفلسطينية، خصوصاً في ظل تعقيد العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة. أما على الصعيد الفلسطيني الداخلي، فإن نجاح هذه الخطوة يعتمد على قدرة القيادة الفلسطينية على التنسيق مع حماس والتفعيل الفوري لدور منظمة التحرير وتطويرها على قاعدة وحدة الكل الفلسطيني الوطني على أساس مخرجات لقاء بكين الأخير ووضوح الرؤية والبرنامج والأدوات وتحديداً من الجيل الشاب لتحقيق ذلك ومواجهة كافة التحديات.