مقالات مختارة

زيارة أبو مازن لغزة تساعد في حلّ معضلات التسوية | تسفي برئيل

استقبلت صور إسماعيل هنية مع إطار أكاليل الورد الأحمر رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في قاعة البرلمان في تركيا، حيث وصل اليه، الخميس الماضي ،لالقاء خطابه الدراماتيكي. "أعلن أمامكم وأمام كل العالم وفي ظل غياب حلول اخرى بأنني قررت الذهاب الى غزة مع أعضاء القيادة الفلسطينية. سأفعل كل ما في استطاعتي لنكون مع شعبنا من اجل وقف هذا العدوان الوحشي، حتى لو كلفنا ذلك حياتنا. فهي ليست أغلى من حياة أي طفل في غزة أو حياة الشعب الفلسطيني... إما النصر أو الشهادة".
"النصر أو الشهادة"، هكذا أعلن عباس امام اعضاء البرلمان وامام الرئيس التركي، رجب طيب اردوغان، الذي حضر اللقاء. يوم الاحد قدم امين عام اللجنة التنفيذية في م.ت.ف، حسين الشيخ، طلبا رسميا لإسرائيل من أجل السماح لمحمود عباس وعدد من القادة الفلسطينيين بزيارة غزة في أسرع وقت. في الوقت ذاته توجهت جهات في م.ت.ف الى الامم المتحدة وعدد من زعماء العالم وطلبت ترتيب الزيارة. في هذه المرحلة لا حاجة الى حبس الانفاس قبل الزيارة، التي اذا خرجت الى حيز التنفيذ فهي ستكون زيارة عباس الاولى في غزة منذ سيطرت "حماس" عليها في 2007. مصدر إسرائيلي مطلع على النقاشات حول "اليوم التالي" قال للصحيفة بأنه لا توجد حتى الآن أي نية للسماح بهذه الزيارة. "موقف الحكومة واضح وحاسم"، قال هذا المصدر. "في غزة لن تسيطر 'حماس' أو م.ت.ف. وأوضح رئيس الحكومة بشكل لا يقبل التأويل بأنه لن يسمح بنشاطات السلطة الفلسطينية في القطاع، بما في ذلك في معبر رفح".
لا يوجد في جعبة رئيس الحكومة أي حل آخر لادارة معبر رفح، ناهيك عن قطاع غزة. ولا توجد ايضا أي قوة متعددة الجنسيات، عربية أو غيرها، ستكون مستعدة لتولي المسؤولية عن تشكيل الاجهزة المدنية في القطاع وضمان النظام والامن الداخلي وتنظيم توزيع المساعدات، وبعد ذلك إعمار القطاع. ولكن في هذا الاسبوع عند عقد القمة في القاهرة التي يتوقع أن تناقش مسألة اطلاق سراح المخطوفين سيتعين على إسرائيل أن تأتي بإجابات واضحة، توضح بشكل نهائي كيف تنوي التصرف في محور فيلادلفيا وفي معبر رفح؛ أيضا ما هو مستقبل ممر نيتساريم؛ وما هي آلية الفحص التي ستكون مقبولة عليها من اجل تصنيف السكان الغزيين الذين يريدون العودة الى بيوتهم في شمال القطاع؛ ومن الذي سيدير على الأقل منظومة المساعدات الإنسانية، إضافة الى مسائل ترتبط بأسماء المخطوفين الإسرائيليين والسجناء الفلسطينيين الذين سيتم اطلاق سراحهم في اطار الصفقة والجدول الزمني والترتيبات التقنية المتعلقة بذلك.
مصر، التي يبدو أنها في هذه الاثناء لا تصمم على تحديد جدول زمني دقيق لانسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا، تحاول خلال اشهر اقناع إسرائيل بالموافقة على وضع موظفين للسلطة الفلسطينية في الطرف الغزي للمعبر. وهي ايضا تضع ذلك شرطا للموافقة على فتح المعبر. تصريحات محمود عباس بناء على ذلك يمكن أن تخدمها كمرساة فعلية للدفع قدماً بالعملية التي تحصل على تأييد الإدارة الاميركية، لا سيما بعد فشل كل محاولات العثور على بديل فلسطيني لموظفي السلطة الفلسطينية حتى الآن.
دبلوماسي غربي مطلع على المفاوضات في غزة قال في نهاية الأسبوع للصحيفة بأنه يبدو أن الإدارة الأميركية لم تعد تضع تطبيق الإصلاحات شرطاً لمشاركة السلطة في ادارة غزة، التي طلب إجراءها الرئيس الأميركي جو بايدن في تشرين الثاني الماضي. إضافة الى ذلك، على خلفية تصريحات عباس، يبدو أنه أيضا تراجع عن الشرط الاساسي الذي وضعه، الذي يقول بأنه سيكون مستعداً لادارة القطاع فقط في اطار اتفاق سياسي شامل.
بالمناسبة، لم تشترط إسرائيل في أي يوم موافقتها بهذه الإصلاحات. يعتبر موقف نتنياهو المبدئي الحكومة الفلسطينية منظمة "ارهابية" أو مؤيدة لـ "الإرهاب"، سواء مع اجراء الإصلاحات أو بدونها، مع أن لـ "الشاباك" وجهات أمنية اخرى مستعدة لفحص إمكانية عودة السلطة لإدارة القطاع. هذا هو ايضا موقف وزير الدفاع، يوآف غالنت، الذي اوضح في كانون الثاني الماضي بأن "من سيدير غزة يجب أن تكون جهات فلسطينية غير معادية لإسرائيل"، دون استبعاد امكانية أن تكون هذه الجهات هي السلطة الفلسطينية.
زيارة عباس للقطاع اذا خرجت الى حيز التنفيذ ستكون انعطافة مهمة، يمكن أن تقنع الادارة الاميركية بتوظيفها في خطة عمل فعلية. ولكن هذا لا يوفر الحل الكامل لكل قضايا ادارة القطاع، ضمن امور اخرى، لأن عباس حتى الآن لم يقل بشكل صريح بأنه ينوي ادارة القطاع بشكل منفصل عن الحل السياسي. مع ذلك، في تصريحاته السابقة اوضح بأنه يمكنه الاكتفاء في المرحلة الاولى بخطوات عملية قبل الحل السياسي. هذه الخطوات يمكن أن تشمل عقد مؤتمر دولي يناقش استقلال فلسطين أو اعترافاً في مجلس الامن باستقلالها، وهي الخطوة التي فرضت الولايات المتحدة عليها الفيتو.
هل ستكون واشنطن مستعدة لفحص اجراء تغيير على موقفها اذا توصلت الى الاستنتاج بأن إسرائيل هي التي تفشل عقد صفقة التبادل واتفاق وقف إطلاق النار؟. "في هذه الأثناء لا يوجد علينا ضغط من قبل الأميركيين، ومن المشكوك فيه أن يقوم الرئيس الأميركي، قبل لحظة من الانتخابات، بتبني تغيير دراماتيكي كبير في سياسة الولايات المتحدة التقليدية"، قال للصحيفة مصدر سياسي إسرائيلي. "لكن يمكنهم استخدام هذه الورقة من اجل أن توافق إسرائيل على السماح للسلطة الفلسطينية بالذهاب الى غزة".
في مصر وفي واشنطن يعطون اهمية كبيرة لاشراك السلطة الفلسطينية في ادارة القطاع، حيث تكمن في ذلك ايضا احتمالية وضع قوة متعددة الجنسيات في غزة. هذه القضية ستصبح حاسمة اذا تقدمت المفاوضات حول اطلاق سراح المخطوفين الى المرحلة الثانية والثالثة، التي يجب فيها على إسرائيل الانسحاب الكامل من القطاع. الدولة الوحيدة حتى الآن التي اعلنت عن الاستعداد للمشاركة في قوة متعددة الجنسيات هي دولة الامارات، لكنها وضعت من اجل ذلك عدة شروط.
النقاشات لتشكيل قوة متعددة الجنسيات تجري منذ اشهر، وحتى الآن واجهت عقبات لا يمكن تجاوزها، مثل شروط محمود عباس لادارة غزة ورفض إسرائيل السماح بدخول السلطة، وبالاساس دخول قوة متعددة الجنسيات. رغم أنه في آذار الماضي تحدث غالنت بعد زيارته في واشنطن عن تقدم كبير في خطة ادخال قوة متعددة الجنسيات، سيتم تشكيلها من عناصر مسلحة من ثلاث دول عربية، دون ذكر اسماء هذه الدول. يبدو أن إحدى هذه الدول هي دولة الإمارات التي أوضحت بأنها لن تشارك بدون دعوة من السلطة الفلسطينية.
زيارة عباس الى غزة يمكن أن تقدم الآن مخرجاً لهاتين المسألتين الأساسيتين، لكن معنى ذلك هو أن إسرائيل سيتعين عليها الإعلان عن وقف الحرب والاستعداد للانسحاب من القطاع. وهي الشروط المطلوبة منها أصلا من اجل استكمال صفقة المخطوفين بالكامل، والمشمولة في الخطة التي تم عرضها في أيار والتي وافقت عليها إسرائيل. المشكلة هي أنه إضافة الى الوعود الموجودة في الشروط، إعادة المخطوفين، إلا أنها تهدد باستمرار ولاية حكومة نتنياهو.

عن "هآرتس"

 

 

 

Loading...