مقالات مختارة

إسـرائـيـل تـخـوض حـربـاً بـلا خـطـة ولا أهـداف | آفي اشكنازي

 

 

قبل أيام، كتبتُ عن أحد سكان المركز وصل إلى زرعيت على حدود الشمال ورأى أعمال بناء السور الواقي، في الجانب الإسرائيلي من الحدود. عندما سأل عن الأعمال أجابه المقاول: إن هذا "سور واقٍ" من النار من لبنان. قال الضيف للمقاول معقباً: "في الكوكب الذي جئت منه، الضعيف يحيط نفسه بالأسوار اتقاء القوي". تصعّد إسرائيل في الأيام الأخيرة وتيرة القتال في قطاع غزة. مدينة حمد في خان يونس، وفي ضواحي دير البلح، وحيّ تل السلطان في رفح. سينهي الجيش الإسرائيلي العمليات في غزة. سيصفي بضع عشرات من "المخربين"، ويأتي ببضع أسرى يسلمون أنفسهم بلا قتال، ويكشف بضعة أنفاق أخرى ويفجرها.
كل هذا يفعله الجيش الإسرائيلي بنجاعة منذ نحو سنة. غير أنه في هذه الأثناء يجري في الشمال روتين قتال. الحقيقة أن هذه تبدو معركة ضربات يومية. تضرب إسرائيل مخازن ذخيرة، قيادات، ونشطاء من "حزب الله". ورداً على ذلك تنطلق من لبنان صواريخ ومُسيّرات. أول من أمس، انتهى هذا مرة أخرى بألم. المقاتل من الجيش الإسرائيلي الرقيب محمد عمرية قتل بإصابة من مُسيّرة. وأصيب ضابط آخر بجروح خطيرة.
قبل وقت ما ادعى رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أنه على مدى فترة والجيش الإسرائيلي يراوح في المكان بالقتال في غزة. كانت هذه محاولة أخرى من المستوى السياسي لإضعاف المستوى العسكري جماهيرياً. بالمناسبة، لم تكن هذه هي المحاولة الأولى ولن تكون الأخيرة. فالمستوى السياسي، كما يبدو، ينشغل بغير قليل من الأمور التي تبدو ليست بالضبط إدارة فاعلة مهنية للحرب.
لا تدير دولة إسرائيل هنا الأمور، بل تُجرّ إليها. أقوال المستوى السياسي حول الجيش هي محاولات للانشغال بالإجراءات، وليس بالجوهر، مثلما قال في موضوع آخر في الماضي النائب السابق إيتان كابل.
فرضت حرب "السيوف الحديدية" على إسرائيل في 7 تشرين الأول. بعد معارك صد قاسية خاضها الجيش الإسرائيلي، خرجنا إلى الهجوم. حددت حكومة إسرائيل أهدافاً للحرب: تفكيك القدرات العسكرية والسلطوية لـ"حماس" وإعادة المخطوفين. جميل جداً، لكن هذا هو. هنا توقف المستوى السياسي. من هنا بدأت إسرائيل تنجر، بلا طريق، بلا هدف.
كان ينبغي للحكومة أن تسير يداً بيد مع الجيش، "الشاباك"، و"الموساد"، والمؤسسة الاقتصادية، ورؤساء الصناعة ورؤساء السلطات المحلية. فالحرب تدار ليس فقط باستخدام الضغط العسكري بل بتوجيه كل القدرات العسكرية والمدنية إلى هدف واحد. الإستراتيجية تفكك إلى تكتيك: تفصيل المهام، وتحديد جدول زمني، وإدارة أوضاع وردود أفعال. في كل يوم تُجرى رقابة وتحديثات.
كان ينبغي لدولة إسرائيل أن تنفذ هذا في كل المنظومات السياسية: حيال المنظومة المدنية، الاقتصاد، جهاز التعليم (فبعد أسبوعين تبدأ السنة الدراسية الجديدة)، وبالطبع في المفاوضات لإعادة المخطوفين.
هذا الأسبوع وصلنا إلى درك أسفل في انعدام القيادة لدى إسرائيل. وجدنا الدولة مرة أخرى تنجر. من قبل الجميع – من الولايات المتحدة، الصديقة الكبرى مروراً بالوسطاء، وحتى "حماس". وذلك حين يكون الذئبان إيران و"حزب الله" يجلسان في انتظار الفرصة للهجوم. في هذه اللحظة هما مردوعان. ليس بسبب إسرائيل، بل بسبب الائتلاف الذي بنته الولايات المتحدة.
مصر وقطر تحاولان الارتجال كل مرة من جديد في أعقاب المطالب – الأحابيل من المستوى السياسي الإسرائيلي. كل مرة يطرح شيء ما جديد. مرة تفتيش في المفترق، بعد ذلك فيتو على أسماء "المخربين" المحررين، والآن سور فيلادلفيا.
على إسرائيل أن تفهم أنه لا يمكن التصرف هكذا. وأن الناس يأتون للمفاوضات بوضوح وتركيز. لا يتحدثون بلا نهاية، بل يضعون المطالب على الطاولة. بضعة مطالب مبدئية: تحرير المخطوفين، حرية عمل في غزة، وخطوط تجريد من السلاح. هذا هو، قصير ومصيب. إلى جانب الأمور يجب أن يتحدد جدول زمني وتعليمات للجيش. كيف يصعّد ضغطا فاعلاً، بما في ذلك على الذئاب الذين يجلسون ويراقبون. الذئاب هم في واقع الأمر من يقررون الوضع. رأينا كيف أدت القوة التي حشدتها الولايات المتحدة هنا في المنطقة بإيران و"حزب الله" لأن يعيدا احتساب المسار. وبالمناسبة، ليس لأول مرة منذ 7 تشرين الأول.
كل هذا يسمى إستراتيجية. لأسفنا، بغياب إستراتيجية ستبقى إسرائيل تنجر. وحتى أسوار الدفاع، في الشمال أو الجنوب لن تغير الوضع. من هنا تطرح الأسئلة إلى أين نسير وحتى متى. من المشكوك فيه أن يكون لأحد ما جواب.

عن "معاريف"

 

 

 

 

Loading...