تابعت بشغف كبير قبل عدة أيام مقطعي فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي للاجئين فلسطينيين لا أعرفهم، الأول قال "أنا لاجئ إبن لاجئ وعاش أبي لاجئ وأحمل وثيقة سفر لاجئ فلسطيني"، واستحضر بدوره فيديو للاجئ الآخر المقيم في إحدى دول الغرب ويتحدث الانكليزية بطلاقة قائلاً "والدي ووالدتي هما ناجيان من النكبة وهذا المصطلح الذي يجب استخدامه"، قد يكون هذا المصطلح مناسباً، ويجب تعميمه بشكل واسع هذه الأيام؛ نظراً لعمليات الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني.
الناجون من نكبة 48
أنشئت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الناجين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (أونروا)عام 1949؛ باشرت عملياتها في أيار 1950، ومع أنها اعتبرت وكالة مؤقتة فقد تم تجديد ولايتها بانتظام كل ثلاث سنوات، وتُعد تعبيراً عن مسؤولية المجتمع الدولي في إيجاد حل لقضية الناجين الفلسطينيين من النكبة الكبرى، وفقاً للقرار 194 الذي تم التأكيد عليه (135) مرة في الجمعية العامة للأمم المتحدة منذ صدوره. لقد اعتمدت «الأونروا» في عملها بين الناجين الفلسطينيين على أرضية تعريف صاغته للناجي الفلسطيني، أي تعريف إجرائي وليس سياسي يهدف إلى توفير معيار ومقياس لتقديم مساعدات الوكالة على النحو التالي: الناجي الفلسطيني كل شخص كان مسكنه العادي في فلسطين لعامين سبقا نزاع 1948، والذي كان من نتائجه أن خسر منزله ووسائل عيشه ولجأ في عام 1948 إلى واحد من البلدان التي تقدم الأونروا فيها خدماتها، وينسحب هذا التعريف على أولاده وأحفاده وذرياتهم وأن يكون مسجلاً في مناطق عملياتها وهي خمس مناطق: الضفة الغربية، قطاع غزة، سوريا، لبنان، الأردن. وتشير الإحصاءات إلى وجود نحو ستة ملايين ونصف المليون ناجي فلسطيني مسجلين في سجلات الأونروا خلال العام الحالي2024؛ وثمة 41 في المائة منهم يتركزون في المملكة الأردنية الهاشمية؛ و22 في المائة في قطاع غزة الذي يضم ثماني مخيمات بائسة؛ في حين تستحوذ الضفة الغربية على 16 في المائة من إجمالي مجموع الناجين الفلسطينيين المسجلين في الأونروا؛ في مقابل ذلك تستأثر سوريا على أكثر من (10) ونصف في المائة وكذلك هي الحال في لبنان.
الناجون عام 1967
في عام 1967 ونتيجة احتلال إسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة حصلت موجة تهجير كبيرة للفلسطينيين وأطلق عليهم مصطلح نازح، لكن في الحقيقة يطلق عليهم مصطلح "ناجون من النكبة الثانية"؛ حيث قام الجيش الإسرائيلي بطرد /460/ ألف فلسطيني من المنطقتين، حسب معطيات الجامعة العربية، وخاصة التقرير الصادرة من صندوق النقد العربي في عام 1991، ونحو (230) ألفا منهم هم من الناجين من نكبة عام 1948، كانوا يقطنون المخيمات في الضفة والقطاع إبان احتلال إسرائيل للمنطقتين؛ وتبعاً لذلك يطلق عليهم ناجي مرتين.
اضطر (250) ألف فلسطيني من الناجين إثر عدوان 1967 للنزوح إلى الأردن؛ وثمة (50) في المائة منهم من الناجين خلال النكبة الاولى، الذين كانوا يقطنون في مخيمات الضفة الغربية أو قطاع غزة. وخلال السنوات التي أعقبت احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة استمرت عمليات النزوح إلى الأردن بسبب سياسات وممارسات الاحتلال الإسرائيلي، فقد أدت أوامر الإبعاد العسكرية، وهدم المنازل والقرى الفلسطينية وغيرها من الممارسات، سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي إلى تهجير الآلاف من الفلسطينيين باتجاه الأردن خلال السنوات التي تلت الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة في حزيران /يونيو 1967. كما أدت عمليات الطرد القسري إلى مجيء أعداد أخرى من الفلسطينيين إلى سوريا، ولا تتوفر معطيات إحصائية لأعداد هؤلاء المقتلعين الجدد؛ إلا أن بعض الباحثين الفلسطينيين قدروا مجموعهم في عام 2012 بنحو (62) ألف نازح فلسطيني؛ قدمت غالبيتهم إلى سوريا إثر الأحداث التي شهدها الأردن عام 1970، بين المقاومة الفلسطينية والحكومة الأردنية، ما لبث أن عادت أعداد غير موثقة منهم إلى قطاع غزة بعد عام 2012 نتيجة الحرب في سوريا وتدمير عدد كبير من المخيمات وخاصة مخيم اليرموك عاصمة الشتات الفلسطيني. وبناء على الإسقاطات الإحصائية السنوية، فإن عدد الناجين من الضفة الغربية وقطاع غزة قد وصل إلى مليونين ونصف المليون ناجي فلسطيني خلال العام الحالي 2024، نصفهم يحملون صفة ناجي مرتين؛ والنسبة الكبرى من الناجين الفلسطينيين يتمركزون في المدن الأردنية وثمانية مخيمات أنشئت في الأردن بعد عام 1967.