مقالات مختارة

نتنياهو يفضل استرجاع المخطوفين أمواتاً على المخاطرة بوضعه السياسي | عاموس هرئيل

 

 

 

المخطوفون الستة، الذين تم استخراج جثثهم وإعادتهم إلى إسرائيل، أول من أمس، في عملية مشتركة بين الجيش وجهاز الأمن العام "الشاباك" كانوا على قيد الحياة، على الأقل حتى شباط الماضي. ظروف موتهم لا تزال غير واضحة: يبدو أن بعضهم قُتل في قصف الجيش الإسرائيلي خلال المعارك في القطاع؛ ويمكن أن يكون آخرون قد قُتلوا على أيدي آسريهم من "حماس". ويمكن القول، إن هذه الحركة "الإرهابية" التي خطفتهم، وهم على قيد الحياة، خلال قتل عدد كبير من أصدقائهم وعائلاتهم في كيبوتسَي "نير عوز" و"نيريم"، هي المتهم الأساسي بموت المخطوفين الستة. لكن "حماس" ليست المسؤولة الوحيدة عن هذا.
في كانون الأول الماضي، تراجعت "حماس" في اللحظة الأخيرة عن الاتفاق مع إسرائيل في اليوم الأخير لصفقة التبادل الأولى. وبدلاً من إعادة مزيد من النساء، وبينهن فتيات، تم اختطافهن من حفلة "نوفا" - وهو ما التزمت به سابقاً - طالبت الحركة هذه المرة بتغيير الشروط وإعادة بعض المخطوفين الكبار في السن، إلى جانب بعض الجثث. حينها، رفضت القيادة الإسرائيلية، وذلك بسبب التخوف من فقدان الأمل بإعادة الفتيات. وبعدها انهارت المفاوضات، ومنذ ذلك الوقت، لم تتم إعادة مخطوفين باتفاق. القرار الذي اتُّخذ، حينها، كان إشكالياً جداً في أوساط المستوى السياسي، وأيضاً أجهزة الأمن.
لكن هذه الفرصة لم تكن الوحيدة الضائعة. فمنذ بدء العام الحالي جرت محاولات كثيرة ومتكررة من الوسطاء للتوصل إلى صفقة. غير أن رفْض رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ساهم في فشل الجهود، إلى جانب تمسُّك "حماس" بشروطها. لقد توفي 14 مخطوفاً، على الأقل، في أسر "حماس" منذ الصفقة السابقة وحتى اليوم. لذلك، من غير المستهجن ألّا توجه عائلات المخطوفين أيّ شكر خاص لنتنياهو. بل بالعكس، فإلى جانب الشكر للأجهزة الأمنية، وجّه عدد كبير من أقرباء القتلى انتقادات حادة إلى رئيس الحكومة. فاتهموه بترك أقربائهم مرتين: المرة الأولى، عندما خُطفوا يوم 7 تشرين الأول، والمرة الثانية عندما ماتوا في الأسر، بعد أشهر من الخطف.
يبدو أن سكان "غلاف غزة" فقدوا الصبر كلياً بسبب ألاعيب وتبريرات أعضاء الائتلاف الحكومي، الذين نشر عدد كبير منهم، أمس، بيانات تعزية من أماكن وجودهم في إجازة خارج البلد. النهج العدائي الحاد برز أيضاً في بيان كيبوتس "نيريم" الذي رفض أعضاؤه أن يكونوا زينة لمناسبة مرور عام على "المذبحة"، والتي يُخطَّط لإحيائها، بقيادة الوزيرة ميري ريغف التي تُعتبر من رموز جوقة التذلل لنتنياهو في الأعوام التي قادت إلى الكارثة. بعد ذلك بساعات، بشّروا سكان الكيبوتس بأن هناك اثنين من الكيبوتس بين الجثث الست التي تمت إعادتها.

دبلوماسية القط الميت
لا توجد طريقة لتشويش الحقيقة التالية: إعادة جثث المخطوفين بعملية عسكرية هي النتيجة المفضلة، في نظر الحكومة. نتيجة كهذه لا تتطلب تنازلات، والمخطوفون الأموات لا يستطيعون التحدث عمّا حدث لهم في الأسر، وكيف تركتهم الدولة منذ "المذبحة". ليس لدى نتنياهو أيّ مشكلة في وضع حياة الجنود في خطر، وبموافقة المسؤولين الكبار في المنظومة العسكرية، من أجل إحضار الجثث لدفنها في إسرائيل. وفي المقابل، لا يبدو أنه مستعد للتضحية بوضعه السياسي من خلال صفقة ترغمه على تحرير عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين، والانسحاب السريع من أغلبية المناطق التي يسيطر عليها الجيش.
سرّب المقربون منه، في الأيام الماضية، رسائل لوسائل الإعلام، مرةً كل بضع ساعات. كانت نشرات الأخبار تُفتتح بصوت عالٍ وتذيع الأنباء عن صفقة تقترب، وفي الوقت نفسه بلّغ المراسلين السياسيين، الذين حصلوا على إحاطة من نتنياهو، بشأن إيجاد طريقة لإبقاء الائتلاف وشركائه من اليمين المتطرف، على الرغم من نيته التوصل إلى اتفاق. وفي المقابل، تم تسريب تفاصيل تتعلق بمطالب مستحيلة من "حماس".
يبدو أن هذه القصة انتهت مع تصريحاته التي نُشرت بعد لقاء أجراه، ظهر الاثنين الماضي، مع "مجموعة البطولة" و"مجموعة الأمل"، وهما مجموعتان يمينيتان من العائلات الثكلى، وأيضاً بعض عائلات المخطوفين، شجعهما ديوانه منذ اليوم الأول للحرب، بهدف إزعاج ناشطي الاحتجاجات على سياساته. شدد نتنياهو خلال اللقاء معهما على أننا لن نتنازل عن السيطرة على محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر، ولا عن ممر نتساريم، وسنعود للقتال في جميع الأحوال، بعد المرحلة الأولى من الصفقة، بعد 42 يوماً. تبدو هذه الأقوال اغتيالاً مقصوداً لجهود الوسطاء في التوصل إلى اتفاق. نتنياهو يوجّه رسائل إلى قائد "حماس" يحيى السنوار: أنت تضيّع وقتك سدى. لن تُجرى أيّ صفقة.
لم ترسل "حماس" بعد ردها الرسمي على المقترح الأميركي المعدل، لكنها عارضته بادّعاء أن الولايات المتحدة منحازة إلى المطالب الإسرائيلية في المفاوضات. يبدو أن السنوار لا يريد التقدم، الآن، إذ يوجد احتمال لهجوم انتقامي على إسرائيل من كلٍّ من إيران و"حزب الله"، وتقريب الشرق الأوسط من حرب إقليمية كما أمِل السنوار لدى الهجوم "الإرهابي" على "بلدات الغلاف". وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الذي سافر من هنا إلى مصر، منح نتنياهو ختماً بأن إسرائيل قبلت الصفقة المقترحة من الوسطاء. رئيس الحكومة يربح مرتين: "حماس" هي المسؤولة عن فشل الصفقة؛ ونتنياهو غير ملزم بتقديم تنازلات، بعد التشويش على الصفقة.
مسؤول كبير سابق في الإدارة الأميركية، لديه خبرة عشرات الأعوام في المفاوضات في الشرق الأوسط، تذكّر، هذا الأسبوع، ما قاله جيمس بيكر، وزير الخارجية خلال إدارة بوش الأب عن "دبلوماسية القط الميت". أحياناً، يكون هدف المفاوضات، بحسب بيكر، هو عدم التوصل إلى اتفاق، إنما إبعاد التهمة - القط الميت - وسحبه إلى بيت المنافس. نتنياهو، وأيضاً السنوار، يلعبان هذه اللعبة الآن. يبدو أن نتنياهو يقوم بذلك بنجاح أكبر. والجمهور الإسرائيلي الذي يبدو أن أغلبيته القصوى تدعم الصفقة، بحسب الاستطلاعات، تدمع عيونه مع عائلات المخطوفين، لكنه، في معظمه، لا يتجند للاحتجاجات الجماهيرية من أجل إنقاذ المخطوفين.


عن "هآرتس"

 

 

 

Loading...