سواء أكان المستوى السياسي أم الجيش الإسرائيلي هو من قضى بالقطع في بداية المعركة في القطاع بأن "الضغط العسكري فقط" سيسمح بتحقيق أهداف الحرب، فقد مرت أكثر من عشرة شهور ولا يبدو أننا قريبون من تحقيق أي من الأهداف. وسبب عدم النجاح ليس لأن العملية العسكرية فشلت. العكس هو الصحيح. العملية العسكرية تنفذ كما ينبغي، غير أنها وحدها لا تسمح بتحقيق الأهداف.
لقد تخلت إسرائيل منذ بداية الحرب عن جهدين مهمين بقدر لا يقل. الجهد الأول هو سياسي. عندما سُئل رئيس الوزراء منذ تشرين الأول من معظم زعماء العالم الحر حول اليوم التالي، أجاب بغرور: "عندما نصل إلى اليوم التالي، نتحدث عن هذا".
الجواب الذي كان يجب أن يعطى هو الآتي: "في اليوم التالي لن يكون في غزة حكم حماس، لكن أيضا لن يكون حكم عسكري إسرائيلي. إسرائيل مستعدة منذ الآن لتجري حوارا مع كل جهة عربية ومع كل جهة غربية. كل حل يضمن أن تكون غزة مجردة من السلاح في اليوم التالي يكون مقبولا علينا".
الجهد الثاني الذي تخلينا عنه هو الضغط الاقتصادي. صفقة المخطوفين الأولى في تشرين الثاني تحققت لسبب بسيط. حتى ذلك الحين دخلت إلى غزة شاحنتا تموين فقط.
المطلب الأساس لـ "حماس" في إطار تلك الصفقة كان زيادة عدد الشاحنات إلى 200 في اليوم.
دكتاتوريون مثل السنوار لا يفزعون من الضغط العسكري. من ناحيتهم كلما قتل فلسطينيون أكثر بنار الجيش الإسرائيلي فإن الأمر يخدمهم. لكن الدكتاتوريين يخافون من شيئين: من وجود بديل سلطوي ومن وجود جمهور غاضب. إسرائيل، عن وعي، تخلت عن هذين الأمرين، وكانت النتائج تتناسب مع ذلك.
الوضع اليوم في قطاع غزة هو أن "حماس" راضية لأربعة أسباب: تموين الغذاء والوقود لسكان القطاع مضمون، و"حماس" هي التي تسيطر عليه، وتوزيع الغذاء يثري صندوقها، وبمعونة تلك الأموال سهل عليها تجنيد مقاتلين جدد.
في هذه الظروف لا يوجد أي سبب يجعلها تسرع للموافقة على صفقة.
الصعوبة في الوصول إلى صفقة مخطوفين تنبع من سبب آخر. الأمر الوحيد الذي يمكنه أن يقنع "حماس" بالموافقة على صفقة هو إنهاء الحرب.
إنهاء في نظرها يمثل انتصارها واستمرار بقائها في الحكم. لقد وافقت المنظمة قبل أشهر على صيغة بسيطة: إعادة كل المخطوفين مقابل إعلان رسمي (زائد ضمانات) بأن الحرب انتهت، وأن الجيش الإسرائيلي ينسحب من القطاع.
لم يكن نتنياهو مستعدا لذلك، قد أصر على استمرار الحرب، ومن هنا نشأت صيغة شوهاء، تلك التي يبحث فيها ظاهرا الآن. هذه الصيغة سيئة لإسرائيل وسيئة لـ "حماس": من ناحية إسرائيل هي لا تضمن عودة كل المخطوفين، ومن ناحية "حماس" هي لا تضمن إنهاء الحرب.
فما العمل، إذاً؟ الخطوة التي كان من الصواب عملها منذ تشرين الثاني. مع استكمال "محور نتساريم" تحيط قوات إسرائيلية كل شمال القطاع. يخلق الأمر ظروفا كاملة لفرض حصار على هذا القسم من قطاع غزة. بخلاف الأقوال غير المسنودة، فإن الحصار هو ليس فقط آلية مسموحا بها حسب قوانين المواجهة المسلحة، بل حسب وثيقة رسمية من وزارة الدفاع الأميركية هذه آلية مفضلة.
حسب هذه الوثيقة من المسموح به تجويع العدو حتى الموت من خلال منع تام لدخول المياه، الغذاء، والوقود إلى المنطقة المحاصرة. الشرط الوحيد هو إعطاء السكان المدنيين الوقت الكافي للخروج من هذه المنطقة. وبالفعل كان يمكن للجيش الإسرائيلي وينبغي له أن يبلغ نحو 300 ألف مواطن في شمال القطاع بأن عليهم أن يخرجوا من هناك في غضون أسبوع، في ختامه لن يتم إدخال أي شيء إلى المنطقة. ولا يتبقى لـ 5 آلاف "مخرب
يوجدون هناك الا إمكانيتان: الموت أو الاستسلام.
هذا الإنجاز سيسمح، وبتأخير كبير، البدء والمبادرة أيضا بوجود البديل السلطوي، في المرحلة الأولى، في شمال القطاع. فضلا عن ذلك، فإن مثل هذا العمل ضروري إذا كنا نريد أن نغير الواقع الصعب الذي علقنا فيه في الحرب وانتشر بعد ذلك إلى ساحات أخرى. معظم الانتباه موجه إلى ساحة لبنان وإلى إيران. لكن العملية، هذا الأسبوع، في كدوميم، ومحاولة العملية القاسية في تل أبيب، والواقع الذي باتت فيه مناطق الضفة مغمورة بالسلاح، وبالمواد المتفجرة وبـ"المخربين" كل ذلك يخلق خطرا كبيرا بقدر لا يقل.
إذا لم نعرف كيف نغير الواقع في الحرب في غزة، فسيصعب علينا أكثر التصدي لتلك الساحات الإضافية.
إن السبيل لتغيير الواقع في غزة هو أن نفعل اليوم ما كان صحيحا أن نفعله منذ زمن بعيد.
عن "يديعوت"