لروحك وأرواح كل أحبتنا وشهدانا الخلود
يا صديقي العفوي. رحمك الله
لم أكُ حينها أذكر في أي يوم من أيام الاجتياح استشهد ولكن أدري كيف. كانوا قد قتلوا فرحه قبل أن تنقض شظية إسرائيلية على روحه تقتنصها ولكنها تبقي له بعض بقية قبل أن تأتي عليه ليقرأ ما كتبه الأحبة والرفاق عن موته قبل أن يموت.. ليس لغزاً ولا معضلة.. تلك حالة استشهادية متفردة وذاك هو شهيد متفرد.. تفرد في حياته كما تفرد في ظروف استشهاده!! عندما التقيته أول مرة في "فلسطين الثورة" عرفته بنفسي كوني زميلة لصديق عمر سلخه أيلول الاردن عن رفقته. اختزل اللقاء سبع سنوات مرت على أيلول الأردن وامتزجت ملامح البكاء والضحك في محياه.. آه يا تلك السنوات.. مات علي. بعد أن توطدت علاقتنا حدثني عن رحلة عمره.. موت أمه طفلا وزوجة أب كما في أقاصيص القهر، أما أشكال الاضطهاد فقد عايشها مرحلة بعد مرحلة من أيلول الأردن إلى بغداد فسوريا ثم بيروت.. وكانت المقبرة. ومن أيلول إلى بيروت اضطهاد وسجن والتهمة شبهة الاتصال بجماعة، في بيروت حبسه أبو فلان بتهمة الاتصال بأبي علان وفي سوريا بتهمة الالتقاء بعراقيين وحين حاول اقتناص لحظة فرح تزوج من ألمانية التزمت بفصيل غير تنظيمه.. قرر تكريس الوحدة الوطنية قبل أن يفكر بها سدنتها.. ولكن وبكل ديمقراطية فرضوا عليه الانفصال عن زوجته فقط لأنه لا ينتمي لفصيلها.. أخبرني أنه انفصل عنها مكرهاً وقد هددوا حياته! كان رصيفياً من الألف إلى الياء لم يلحق أن يصدر وبعض أصحاب إلا بضعة أعداد من "الرصيف" حتى اجتاح شارون بيروت ليصادر من علي ومنا لحظات فرح جميل.. أذكر أنه حينما أصدر روايته "عواء الذئب" تمكنت من إدخال أربع عشرة نسخة منه إلى أحبته الذين غادرهم في عمان.. فهد الريماوي. خليل السواحري.. سالم النحاس وآخرين ضحك كثيراً حينما تيقن من ايصالي النسخ لأصحابه وكان أحدهم نزيل سجن المحطة أنستني عوائد الايام اسمه! ضحك كثيراً وبدا حينها كما لو أنه يعانقهم.. ترى هل يذكره الأصحاب؟ مات علي. لم أشهد بعيني لحظة استشهاده حينما كان الحصار الصهيوني لبيروت يطوق الجسد فتحلق منا الروح في فضاءات ألق ثوري.. وإذاعة الثورة تشدو: رد على البارود بارود.. و.. هذا هو رد ثورتنا هذا هو الرد.. مات علي بعد إصابة تركت في روحه بصيصاً ليقرأ ما كتبه بعض أحبته عنه عندما ظنوا لأول وهلة من إصابته أنه مات. قرأ نعيه في صحف بيروت ثم أسلم روح الطفل الذي ظل ممسكاً عليه في تالي سنوات عمره.. أسلم الروح في مشفى الجامعة الأمريكية في بيروت في يوم من أيام الاجتياح 1982.علي فودة.. رحمك الله يا صديقي العفوي حد العبثية.. أيها الرصيفي الحقيقي.