أشك في أن تكون هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي شهدت في تاريخها عملية تبديل مناصب مصيرية كتلك التي جرت، أول من أمس، حين استُبدل اللواء أهارون حليفا باللواء شلومي بيندر في منصب رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش "أمان".
قائد المنطقة العسكرية الشمالية، أودي آدم، استقال في نهاية حرب لبنان الثانية، لكن بعد نهاية الحرب. غابي أشكنازي خلف دان حالوتس في منصب رئيس هيئة الأركان من أجل ترميم الجيش، وهذا أيضاً حدث بعد الحرب، والتحقيقات أيضاً. الجنرال حاييم بار ليف عاد إلى الزي العسكري (في إثر حرب تشرين الأول 1973 ليتولى منصب المسؤول عن قائد منطقة الجنوب الفاشل شموئيل غونين غوريديش)، لكن على الأقل نحو الخارج، كان يظهر أن غوريديش لا يزال في منصبه.
قبل أيام، بدّلت شعبة الاستخبارات في الجيش المسؤول عنها خلال الحرب، في إحدى اللحظات المصيرية والأكثر حساسية التي يشهدها الشرق الأوسط، إذ إن إحدى المهمات المركزية للقائد الذي تولى المنصب هي تفكيك القسم وإعادة تركيبه وترميمه، بالإضافة إلى رصد الإخفاقات وتصحيحها، وتفكيك الرؤية ودفنها، وتغيير طريقة التفكير وتحضير الشعبة للتحدي الأكبر. هذه التحديات لا تنتظر شعبة الاستخبارات فقط مستقبلاً. لكنها تسقط عليها الآن، في الحاضر.
لقد كُتب كل شيء عن حاليفا. ضابط نوعي ولديه كثير من الإنجازات والقصص، خسر كل شيء في يوم مُر وسريع واحد، وحتى يومه الأخير، سيُذكر على أنه وصمة عار "رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية يوم (مذبحة) 7 تشرين الأول". لمصلحته، يقال، إنه يعلم بهذا. أعتقد أنه يعرف ما جرى له وما جرى لشعبة الاستخبارات العسكرية، وما حصل للجيش يوم 7 تشرين الأول. الرد بسيط: ما حدث للجيش يوم 6 تشرين الأول 1973، قبل 50 عاماً، لكن أسوأ.
اللواء شلومي بيندر هو ضابط لافت. وبحسب التحقيقات العسكرية لا يوجد أيّ خلل في أدائه يوم 7 تشرين الأول. شعبة العمليات التي كان يترأسها لم تكن تعلم بخطة الهجوم، وعملت بحسب التحذيرات الصغيرة والضعيفة التي وصلت من شعبة الاستخبارات العسكرية وجهاز "الشاباك". لم يكن الحديث يدور حول عبور، ولا حول اختراق واسع. بل حول محاولة عبور وعملية نوعية صغيرة.
في صباح "المذبحة"، عندما بدأ حجم المصيبة يتضح، أرسلت شعبة العمليات كل قوات الجيش إلى الجنوب. هذا يحتاج إلى وقت. بيندر نفسه أعلن حالة الطوارئ الساعة 6:50 صباحاً، بعد 21 دقيقة من بدء اختراق "النخبة" الجدار وبدء مسار القتل. هذا الإعلان معناه أن الجيش يرسل كل قواته المتوفرة من دون تأجيل. حتى الساعة السابعة والنصف صباحاً، تم إرسال 5000 مقاتل، بالإضافة إلى 1200 كانوا في الكتيبة، بينهم 600 مقاتل. حتى الساعة 8:30، ارتفع العدد إلى 9000، لكن هذا كان وهماً. عندما ينهار مركز القيادة والسيطرة، والخط برمته، يحتاج الجنود إلى وقت تجهيز وانتقال ووصول، وفهم ما عليهم القيام به، ومع مَن يتعاملون. هذه كانت أصعب ساعة في تاريخ الجيش، أصعب من حرب "يوم الغفران"، حين كانت القوات صغيرة، وابتلعتها القوات الكبيرة التي هاجمتها، لكن على الأقل، حينها، عرفوا ما ينتظرهم، وتجهزوا لأسوأ ما يمكن.
إن كمية القرارات التي يتوجب على بيندر اتخاذها في الوقت القريب خرافية. جميعها تقريباً قرارات استراتيجية. إنه يتسلم المنصب من أجل نقل الثقل من الجنوب إلى الشمال. وسيكون عليه التركيز على السيطرة الاستخباراتية في "حزب الله"، لكن أيضاً على الأذرع الإيرانية المختلفة وإيران ذاتها، وكذلك برميل المتفجرات في الضفة الغربية، وعدد لا بأس به من الجبهات القريبة والبعيدة، الخطِرة و"المليئة بالشر".
عليه أن يعيد توزيع الموارد، وإقرار سلّم أولويات جديد. عليه أن يبحث في فصل الوحدة 8200 عن الشعبة. من الممكن أن تكون وحدة الإصغاء العسكرية الاستثنائية هذه أكبر من شعبة الاستخبارات المركزية؟ لا أعلم. أو كبديل من ذلك، من الممكن أن يبحث في فصل مركّباتها: الاستخبارات؛ والسايبر، كما يتم تفكيك شركة احتكار كبيرة.
سيكون على بيندر أن يستأجر جرافة D9 من سلاح الهندسة للمرور فوق الرؤية القديمة والعودة، المرة تلو الأُخرى، حتى يفككها كلياً - البنية الحالية لشعبة الاستخبارات العسكرية. وسيتوجب عليه أيضاً استعادة الاستخبارات التقليدية إلى المركز؛ وإعادة ترميم الاستخبارات من الوحدة 8200؛ وترميم مكانة ضابط الشعبة؛ وإعادة المختصين بالعربية الذين تم لفظهم سابقاً؛ وإعادة تعليم اللغة العربية الأساسية. منذ وقت ليس ببعيد، اتضح لي أن عدد الذين يعرفون العربية في شعبة الاستخبارات العسكرية تراجع بقوة مؤخراً. يبدو أنه لم يكن هناك حاجة إلى الإصغاء للطرف الآخر. توجد تكنولوجيا، وتستطيع القيام بكل شيء من أجلنا.
وفي الوقت نفسه، سيكون على بيندر تقليص التعلق بالسايبر وإعادة الجهود إلى فهم العدو وشم رائحته والسماع له وتعلمه. ليس كل شيء تكنولوجياً، ولا كل شيء يتعلق بالسايبر والعمليات التكنولوجية. هذا ما تعلمناه على جسدنا.
وأكثر شيء سيتوجب عليه القيام به هو تذكير عشرات آلاف الجنود في شعبة الاستخبارات العسكرية وأذرع الاستخبارات الأُخرى بأن جوهر عملهم القديم، المهمة المنسية، والمهمة التي تم تجاهلها: التحذير. فمع كل الاحترام للقدرات في مجال السايبر الهجومي المذهلة، ولقدرات تزويد الأهداف لكل الأذرع الأُخرى - فإن مهمة الاستخبارات المركزية هي التحذير من حرب. هذا ما نسيناه. وعلى هذا دفعنا ثمناً كبيراً جداً يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. سيكون علينا أن نحقق في هذا، ونفهم كيف يمكن عقاب المسؤولين وإزالة الاستعلاء والشعور بالتفوق وفائض الثقة بالنفس. كل هذا سيحدث مستقبلاً، وعلى هذا أن يحدث من خلال لجنة تحقيق مستقلة.
حتى ذلك الوقت، سيتوجب على بيندر أن يهرول إلى المنصب. لا يوجد لديه وقت للتعلم، ولا وقت لفترة تمرير المنصب، ولا امتيازات كهذه عموماً. لمصلحته يقال، إنه يعرف شعبة الاستخبارات العسكرية من الداخل، وأيضاً مهمته السابقة كقائد منطقة الجليل تجعله يعرف نصر الله. هذا شعار من أكثر الشعارات المستنزفة لدينا، لكنها لم تكن دقيقة إلى هذا الحد منذ زمن طويل: نجاح رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجديد، هو نجاحنا. وهذه هي روحنا.
عن "معاريف"