مقالات مختارة

محور فيلادلفيا يثير جدلاً أمنياً عاصفاً في إسرائيل | بار بيلغ وعوفر اديرت

 

 

 

للوهلة الأولى، لا يوجد أي شيء خاص في هذه الطريق الترابية التي تمتد على طول الـ 14 كم من البحر حتى النقب. لا يوجد غطاء نباتات حول هذه الطريق، ولا أحد يعيش قربها، حتى أنه لا توجد أي لافتة تحمل اسماً. أثناء السفر في هذه الطريق يمكن رؤية جدار وعدد من المواقع العسكرية بجانبه. من الشمال وعلى بعد بضعة مئات من الأمتار ثمة انقاض لمبانٍ كانت قائمة هناك. قبل بضعة اشهر كان يعيش هناك أناس، ولكن الآن هذه المباني مجرد ذكرى من الماضي؛ معبر رفح أو ما تبقى منه.
هذا هو محور فيلادلفيا بجلاله. ممر للحركة، يخدم الآن بالأساس الجيش الإسرائيلي الذي يعمل فيه مع معدات هندسة. ولكن الأمر الذي جعل هذا المحور عائقا أمام صفقة التبادل ووقف إطلاق النار ليس ما يظهر فوقه، بل ما حدث تحته خلال سنوات. "الأنفاق هي كل القصة"، كتب هنا عاموس هرئيل قبل عشرين سنة. "فقد سمحت بنقل السلاح والأشخاص والبضائع على طرفي الحدود".
في الفترة الأخيرة عاد خط الحدود، الذي يفصل بين القطاع ومصر، إلى العناوين. اسم محور فيلادلفيا بات عنصرا مهما في النقاشات حول أي صفقة مستقبلية مع "حماس". فهل إسرائيل "لن تخرج في أي حالة من محور فيلادلفيا"، كما تعهد رئيس الحكومة نتنياهو؟ أم أن "الخلاف على محور فيلادلفيا قابل للحل"، كما اقتبست مؤخرا "مصادر إسرائيلية"؟ وما الذي يقولونه في جهاز الأمن؟ إلى جانب من يطالبون بالتمسك بهذا المحور بكل القوة، هناك أيضا عدد غير قليل من الجهات الرفيعة تقول، إنه حتى لو قمنا بتركه فإنه ستكون هناك احتمالية للعودة إليه. الآن عندما يكون مصير المخطوفين والتهدئة وربما مستقبل الشرق الأوسط على كفة الميزان فإن المعادلة تصبح مختلفة.
"يعرف الجميع أنه يتم تهريب أشياء من هناك"، قال الجنرال احتياط غادي شمني للصحيفة. "وهناك أنفاق تسافر فيها سيارات تحمل السلاح". يستمر شمني، الذي كان في السابق قائد فرقة غزة وقائد قيادة المنطقة الوسطى، بالقول، "إذا لم تستطع إسرائيل السيطرة، ليس بشكل مباشر، على الحركة في محور فيلادلفيا فإنه لن يكون بالإمكان منع تسلح جديد". وهو يعتقد أيضا أنه مطلوب "حل نوعي للمحور"، لكن "هناك حزنا كبيرا جدا. لماذا استيقظنا الآن؟ لم نفعل أي شيء حيال ذلك منذ سنوات، ولم نذهب إلى محور فيلادلفيا في الأيام الأولى للعملية البرية. إذا كان الأمر مهما جدا فلماذا لم نذهب من اليوم الأول؟".
عادت مسألة التوقيت وطرحت في المحادثات مع رجال أمن كبار. ومثلها أيضا يطرح ادعاء "إذا كان المحور مهما واستراتيجياً جدا فلماذا لم ندخل إليه في بداية الحرب وانتظرنا حتى أيار". ضابط رفيع شارك في النقاشات السابقة لدخول القطاع البري كرر الرسالة التي تم إسماعها في الفترة الأخيرة، والتي تقول، إن الجيش لم تكن لديه أي خطة لاحتلال كل القطاع، بل فقط الشمال. "هذه فجوة عملياتية هستيرية"، قال. وحسب قوله فقد حاول الإقناع باحتلال محور فيلادلفيا في بداية الحرب وفرض الحصار على القطاع، لكنه ووجه بالمعارضة.
النقاشات حول محور فيلادلفيا غير جديدة، وأيضا الانشغال بما يحدث هناك وتأثيره على القطاع والحياة فيه. منذ تدشين المحور في العام 1982 وحتى الآن، 42 سنة، تم سفك الكثير من الدماء فوقه وتحته. في إسرائيل يُعتبر المحور "بؤرة إرهاب"، ويتم تشخيصه كأحد رموز نضال الفلسطينيين. في "حماس" يعتبرونه أنبوب الأكسجين للتهريب من مصر، التي من ناحيتها لم تسارع إلى فرض النظام فيه بعد انسحاب إسرائيل منه في إطار عملية الانفصال.
"لم يكن لمصر أي مصلحة في تولي الأمن على الحدود وعلى المعابر الأمنية، لكنها حاولت جني المكاسب من ذلك"، كتب البروفيسور إيلي فودة في كتاب له بعنوان "من عشيقة سرية إلى معروفة للجمهور: العلاقات السرية بين إسرائيل وبين دول وأقليات في الشرق الأوسط". فودة، المستشرق من الجامعة العبرية، قال، إن المصريين اعتبروا ذلك فرصة من اجل "زيادة قواتهم المسموح بانتشارها في المنطقة"، حسب اتفاق السلام مع إسرائيل. بعد المفاوضات تم الاتفاق على وضع 750 جنديا من حرس الحدود المصري في المنطقة. وقد أُرفق الاتفاق بملحق يمنع المساعدة العسكرية ونقل وسائل قتالية للسلطة الفلسطينية من مصر. وبقي ذلك على الورق.
سيطرة "حماس" على القطاع في العام 2007 كان يمكن، كما أملوا في إسرائيل، أن تغير مقاربة مصر الضعيفة بشأن التهريب. وثق فودة في كتابه لقاءات مع رجال أمن ومخابرات من مصر ومن إسرائيل، عرض فيها الإسرائيليون "شهادات واضحة على تدخل "حماس" في التهريب بين غزة ومصر، ولكن طالما أن هذه التهريبات كانت باتجاه واحد، من سيناء إلى غزة، فإن المصريين كانوا أقل قلقا تجاه هذه الظاهرة".
يبدو أن هذه الأقوال لم تفاجئ قائد فرقة غزة السابق، ايال ايزنبرغ. فحسب قوله لا يمكن الاعتماد على أي قوة عسكرية أجنبية، وبالتأكيد ليس المصريين، ولا يوجد لإسرائيل أي خيار باستثناء مراقبة التهريب بنفسها. ولكن في هذه الأثناء إعادة المخطوفين هي الأهم. "يجب عقد الصفقة في أسرع وقت"، قال للصحيفة وأضاف، "لقد كانت للحرب أهداف، لا يمكن تحقيقها بالقوة العسكرية فقط. ونتساريم وفيلادلفيا هما ذريعة فقط".

ما الذي فعلناه في العام 1982؟
تظهر نظرة إلى تاريخ محور فيلادلفيا أن مسؤولية مصر عما يحدث هناك ليست وليدة 40 سنة ونيفا. عمليا، منذ العام 1982 وحتى تطبيق خطة الانفصال في العام 2005 كان هذا المحور تحت سيطرة إسرائيل، وهي سيطرة لم تمنع بالكامل التهريب فيه وتحته.
المراسل نيقولا فيلهم، الخبير في شؤون الشرق الأوسط في صحيفة "ايكونوميست"، كتب في مجلة الدراسات الفلسطينية بأنه في العام 1983 اكتشف الجيش الإسرائيلي النفق الأول هناك. العلامة الفارقة المهمة التالية كانت في العام 1987، وهي السنة التي تم فيها تأسيس "حماس". في كانون الأول من السنة ذاتها عند اندلاع الانتفاضة الأولى كانت حادثة إطلاق نار على المحور للمرة الأولى منذ التوقيع على اتفاق السلام. "لقد قاموا بقطع الجدار الحدودي مع مصر وكمنوا لقوة إسرائيلية وأصابوا جندياً"، نشرت "هآرتس" في حينه.
كان المحور "بؤرة إرهاب" دائم، وصل الذروة في الانتفاضة الثانية في العام 2000. في حينه كتب عاموس هرئيل: سواء التنظيمات "الإرهابية" الفلسطينية أو القبائل في رفح اعتبرت الأنفاق تحت محور فيلادلفيا "شريان الحياة الرئيسي". "المطلوبون الذين سئموا الملاحقة الإسرائيلية هربوا عبر الأنفاق إلى مصر، ووصل نشطاء إسلاميون من الخارج عبره إلى القطاع، وخرج "مخربون" في رفح عبر الأنفاق إلى شبه جزيرة سيناء كي يتسللوا من هناك إلى حدود إسرائيل الجنوبية وتنفيذ العمليات" قال، وأضاف، "الكثير من السلاح النوعي تدفق إلى الداخل". محور فيلادلفيا سمي في حينه "جنة عدن" بالنسبة للمهربين. وخلال الانتفاضة الثانية اكتشف الجيش الإسرائيلي هناك اكثر من 80 نفقاً. خلال هذه الفترة أيضا استمرت الدماء بالتدفق هناك.
من اجل منع اكتشاف الأنفاق، هاجم الفلسطينيون مواقع الجيش الإسرائيلي في المنطقة بوساطة العبوات الناسفة والصواريخ المضادة للدروع والقنابل وإطلاق النار من أسلحة خفيفة. حادثتان مختلفتان في أهدافهما نقشتا في الذاكرة الجماعية منذ ذلك الحين. الأولى في 2003 التي قُتلت فيها الفتاة الأميركية، راتشيل كوري، بسبب إصابتها بجرافة للجيش الإسرائيلي أثناء محاولتها منع عمليات هدم بيوت في المحور بجسدها. الثانية في 2004، في حينه تم تفجير ناقلة جنود للجيش الإسرائيلي أثناء نشاطات عملياتية. من هذه الحادثة نتذكر صور جنود الجيش الإسرائيلي وهم يزحفون على الرمال قرب السور في المحور، ويحفرون بأصابعهم من اجل العثور على بقايا جثث أصدقائهم. في صيف 2005 انسحبت إسرائيل بشكل أحادي الجانب من القطاع، وخلال ذلك من محور فيلادلفيا، في إطار خطة الانفصال، وتم نقل المسؤولية عن المحور لمصر. وقد تم الاحتفاظ لإسرائيل مع ذلك بحقها في إبقاء قوات عسكرية على الحدود بين القطاع ومصر. هذا الحق الذي تم تجسيده للمرة الأولى في 2006، السنة التي تم فيها تهريب اكثر من 20 طنا من المواد المتفجرة إلى القطاع، كما نشر في "هآرتس".
تلاشت الآمال التي علقتها إسرائيل على مصر بسرعة، وقامت بتقديم شكوى حول تجاهل أو غض مصر طرفها لمعالجة موضوع التهريب"، كما كتب فودة. في الكتاب أشار أيضا إلى أنه في 2006 اشتكى رئيس "الشاباك" في حينه، يوفال ديسكن، للأميركيين بأن مصر لا تفعل بما فيه الكفاية من اجل منع التهريب عبر الأنفاق إلى غزة. وأضاف ديسكن في حينه، إن لامبالاة مصر لا تنبع من نقص المعلومات، لأن إسرائيل نقلت لمصر كل المعلومات التي توجد لديها، بما في ذلك أسماء المهربين وأماكنهم. مصر، كما قالت إسرائيل، ببساطة غير معنية بمحاربة "حماس" "لأسباب داخلية". إضافة إلى ذلك كان هناك على مر السنين عدد من التقارير حول نشاطات مصر ضد الأنفاق، وضمنها إغراقها بمياه المجاري. بعد ذلك تبين أن هذا كان في أفضل الحالات حلا مؤقتا وجزئيا.
ربما كان التفكير بالمياه صحيحا ولكنه غير دقيق. "في العام 2004 اقترحت حفر قناة على طول محور فيلادلفيا، تكون مرتبطة مع البحر المتوسط"، قال الخبير في الجيولوجيا، البروفيسور آريه آيسر، الذي توفي مؤخرا عن عمر يناهز 95 سنة. "ستخلق القناة ليس فقط عائقا فوق الأرض، بل أيضا ستخلق عائقا تحت الأرض نتيجة تدفق المياه وخلق افق مشبع بالمياه الجوفية المالحة". اعتقد آيسر أن القناة ستجعل حفر الأنفاق "مشكلة هندسية معقدة، سيكون من الصعب التغلب عليها". ولكن زميله الهيدرولوجي، البروفيسور إلياهو روزنطال، اعتبر هذا الاقتراح "غريباً وأحمق". في الوقت الذي كان يتناقش فيه رجال العلم هؤلاء، استمر التهريب ووصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن.
ضابط كبير تحدث مع "هآرتس" على قناعة بأنه لا يوجد أي حل آخر باستثناء تواجد إسرائيل في المحور، ولا يوجد لديه أي شك في ذلك. "إذا لم نتواجد في المحور فمن خلاله سيدخل الأشخاص والسلاح. فهل هناك في الأجهزة الأمنية من هو مستعد لتحمل مخاطرة أنه في الوقت الذي سنعيد فيه سكان كرم أبو سالم والجنوب، سيدخل سلاح سيستخدم ضد الجيش وضد السكان في اللحظة التي تشعر فيها "حماس" بأنها تستطيع؟". إلا أن هذا الرأي ليس الرأي الوحيد، أيضا في أوساط الجهات الرفيعة في الحاضر وفي السابق. إذا كان هذا الضابط على قناعة بأنه "لا يمكن التحكم بالمحور من بعيد فإنه يجب السيطرة عليه". الجنرال شمني توجد لديه فكرة مختلفة. فحسب قوله قوة عربية – أجنبية هي ترتيب لن يساعد، لكن توجد أيضا إمكانية لقوة عربية محلية. "لا يوجد مناص من ذلك"، قال. "لن نستطيع التملص من حل فلسطيني شامل وواسع. فقط فلسطينيون توجد لهم مصلحة في النجاح ويعترفون بوجود إسرائيل هم الذين يمكنهم فعل شيء.
"لكن كل ذلك ليس الأساس. يجب التوصل إلى صفقة تبادل لأنه لا يوجد لدينا وقت. بسبب أن نتنياهو لا توجد له استراتيجية فإن كل ما يقوله هو خداع للجمهور الذي لا يعرف الموضوع بما فيه الكفاية".

عن "هآرتس"

 

 

 

Loading...