مقالات مختارة

إسرائيل تدفع ثمناً باهظاً في حرب تجد صعوبة في حسمها | عاموس هرئيل

 

 

 

أعلنت إسرائيل و"حزب الله"، أول من أمس، كل بطريقته، انتهاء الجزء الأخطر في التصعيد الأمني بينهما. بعد بضع ساعات على إحباط الهجوم المخطط له على إسرائيل بوساطة ضربة استباقية لسلاح الجو في جنوب لبنان أعلن "حزب الله" بأنه انتهت بنجاح المرحلة الحالية في عمليته. في حين أنهم في إسرائيل، استنادا إلى التقدير بأن التوتر خف قليلا، حدثت قيادة الجبهة الداخلية التعليمات للجمهور ورفعت معظم القيود على حركة السكان في مركز البلاد وبدرجة اقل في الشمال. أيضا حركة الطيران في مطار بن غوريون منه واليه تم استئنافها خلال بضع ساعات.
فشل "حزب الله" فعليا. في البداية، هاجم سلاح الجو ودمر آلاف الصواريخ ومنصات الإطلاق التابعة للمنظمة الشيعية. مع ذلك، عندما نفذ "حزب الله" الهجوم بالصواريخ والمسيرات قُتل إسرائيلي واحد، جندي في سلاح البحرية. في حين أن إطلاق المسيرات على هدف في مركز البلاد لم يسفر عن نتائج.
ليس للمرة الأولى، في ظروف مشابهة، اختار "حزب الله" تسويق أكاذيب للجمهور في لبنان وفي الدول العربية. في بيان "حزب الله" قيل، إن الهجوم حقق أهدافه، ونجح في إدخال أسراب من المسيرات إلى أراضي إسرائيل. ربما هذا بالتحديد هو سبب الرضا المعين: ربما أن الزعماء الشيعة يريدون تهدئة النفوس. رئيس "حزب الله"، حسن نصر الله، ألقى في المساء خطابا طويلا وملتويا في بيروت. وقال، إن إسرائيل بالأساس هاجمت منصات إطلاق وهمية، وإن الحزب لم يتكبد أي أضرار مهمة في هذه الهجمات. ولكنه لم يهدد مباشرة بمواصلة الثأر من إسرائيل.
كل ذلك لا يضمن ألا يقوم "حزب الله" بإعداد مفاجآت أخرى في القريب، أو أن الحوثيين في اليمن لن يطلقوا المزيد من المسيرات نحو تل أبيب، كجزء من الحساب المفتوح الذي ما زالت تديره ايران. في إحباط الهجوم من الشمال لا يكمن أي حل للوضع غير المحتمل الذي يعيش فيه السكان على الحدود الشمالية منذ عشرة اشهر ونصف الشهر. لا يوجد للحكومة أي فكرة حول كيفية إعادتهم إلى بيوتهم ووقف إطلاق الصواريخ والمسيرات كل يوم على الجليل وهضبة الجولان (تتحفظ الحكومة على الخيار المعقول الذي تطرحه الولايات المتحدة وهو التوصل إلى صفقة ووقف النار مع "حماس").
استمر الإطلاق نحو الشمال طوال اليوم، أيضا بعد موجة إطلاق كثيف أطلق فيها في المرحلة اكثر من 200 صاروخ والكثير من المسيرات، لكن يبدو أنه في هذه الأثناء تضاءل خطر الحرب الإقليمية، الذي حلق فوق الشرق الأوسط خلال ثلاثة أسابيع، بشكل كبير، وهذا لا يعتبر شيئا قليلا.
إضافة إلى ذلك فإنه مرة تلو الأخرى تم الكشف عن الميل الواضح لدى قيادة ايران و"حزب الله"؛ عندما تقف أمامهم إمكانية الدخول إلى حرب شاملة مع إسرائيل التي يمكن أن تعرضهم لاحتكاك عسكري متزايد مع الولايات المتحدة أيضا فإنهم يفضلون القيام بخطوة إلى الوراء. حلم رئيس "حماس" في القطاع، يحيى السنوار، بشأن وحدة الساحات ضد إسرائيل وتحويل المواجهة إلى حرب شاملة لم يتحقق حتى الآن.
خطة الهجوم المقدرة لـ"حزب الله" ردا على اغتيال من وصف بأنه رئيس أركان الحزب، فؤاد شكر، في الضاحية في بيروت، كانت معروفة في إسرائيل وفي الولايات المتحدة منذ فترة. "حزب الله" ربما خاف من الحرب الشاملة، لكنه كان مستعدا لتمديد حدود المخاطرة من ناحيته. كان الهدف الإضرار الكبير بقواعد الجيش الإسرائيلي في الشمال، إضافة إلى عملية مركزة في تل أبيب. حسب نصر الله كان القصد قواعد ومنشآت في "غليلوت"، حيث يوجد هناك (حسب مصادر أجنبية) مقر قيادة "الموساد" وقواعد لسلاح الاستخبارات، من بينها قيادة الوحدة 8200.
لكن هذا الهجوم تم إحباطه بفضل الجهود الاستخبارية والعملياتية المثيرة للانطباع لجهاز الاستخبارات وسلاح الجو وهيئة الأركان العامة. في الساعة 4:40 فجرا، هاجمت الموجة الأولى التي شارك فيها اكثر من 80 طائرة حربية أربعة مواقع لـ"حزب الله" في جنوب لبنان، التي كان الأبعد من بينها في شرق مدينة صيدا (بصورة متعمدة لم يتم اختيار أهداف في بيروت أو في البقاع). استمر الهجوم عشرين دقيقة تقريبا. في الموجة الثانية، شاركت 20 طائرة حربية تقريبا، وقد أصيب هناك حسب تقديرات الجيش حوالى 6 آلاف صاروخ ومنصات إطلاق، معظمها من الصواريخ ذات المدى القصير.
حسب "نيويورك تايمز" تم قصف منصات إطلاق لصواريخ دقيقة أيضا ذات مدى متوسط، كان يمكن استخدامها في الهجوم على "غوش دان" في الساعة الخامسة صباحا. بعد ذلك، اعترضت منظومات الدفاع الجوية عددا كبيرا من الصواريخ التي أطلقت نحو مناطق مأهولة، ونجح سلاح الجو في إسقاط الكثير من المسيرات التي تحركت نحو الجنوب. الضربة الوقائية والاعتراضات التي جاءت في أعقابها شوشت وأحبطت معظم قدرة الإطلاق التي خصصها "حزب الله" للعملية، بعضها بدون أن يتمكن الحزب من تشغيلها. المسيرات التي استثمر "حزب الله" في تحريكها نحو الجنوب الكثير من الجهد التخطيطي، تم إسقاطها بشكل جزئي فوق البحر. معظمها لم تصل إلى اكثر من خط العرض في مدينة حيفا.
بعد خمس دقائق على بداية الهجوم، أعلن المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي والمتحدث بلسان قيادة الجبهة الداخلية للجمهور في إسرائيل عما حدث وطلبوا من السكان في المناطق القريبة من الحدود البقاء قرب الملاجئ. عندما تم إطلاق الصواريخ بعد نصف ساعة كان حجم الضرر وعدد المصابين صغيرين نسبيا. عدم المس بـ"غوش دان" ساعد أيضا في تهدئة النفوس رغم أنه يوجد لسكان الشمال ادعاء أساسي ومبرر بأن الحكومة والجيش يعطون أهمية استراتيجية اكبر للإطلاق على المركز، ولا يستخدمون وسائل مشابهة لإحباط الإطلاق على الشمال. هذا مثال آخر على ذلك، بعد إطلاق مسيرة الحوثيين التي قتل بسببها احد الإسرائيليين في الشهر الماضي. أيضا في حينه ردت إسرائيل بقصف شديد لميناء الحديدة في اليمن بعد أن تجاهلت لأشهر إطلاق المسيرات من هناك نحو إيلات.
ما زالت إسرائيل تريد تحقيق ثلاثة أهداف. كبح معين لنشاطات "حزب الله"، وإبقاء ايران خارج اللعبة، والحرص على التنسيق الأمني الوثيق مع الأميركيين. وصل رئيس الأركان الأميركي، الجنرال تشارلز براون، إلى المنطقة، أول من أمس، لتنسيق عمليات الدفاع المطلوبة.
حقيقة أنه حتى الآن لم تشتعل حرب إقليمية تسمح باستمرار المفاوضات حول عقد صفقة التبادل ووقف إطلاق النار في القطاع، التي تم استئنافها، أول من أمس، في القاهرة بمشاركة بعثة رفيعة من جهاز الأمن في إسرائيل. في هذه الأثناء على الأقل لم تتحقق طموحات السنوار القاتلة حتى الآن. والسؤال هو هل سيكون هذا كافيا لدفعه مرة أخرى إلى العودة إلى مفاوضات فعالة، حيث يعطي رئيس الحكومة نتنياهو إشارات إلى أنه لا ينوي إظهار أي مرونة في المسائل المختلف عليها، منها التصميم على عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي من محور فيلادلفيا. في المقابل، قدمت الولايات المتحدة الآن لإسرائيل مساعدة مهمة جدا للدفاع عنها. يمكن أن تترجم الإدارة الأميركية ذلك كضغط آخر على نتنياهو كي يظهر المرونة في ساحة الجنوب.
في غضون ذلك، اعلن الجيش الإسرائيلي، أول من أمس، عن قتل العريف أول عميت تساديكوف من لواء المظليين، في انفجار عبوة ناسفة في رفح، وإصابة جندي آخر من المظليين إصابة خطيرة. تساديكوف (20 سنة) من بيت دغان، هو الجندي رقم 700 الذي قتل في الحرب. بعد ذلك قتل جنديان، العريف أول دافيد موشيه بن شتريت، والجندي في سلاح البحرية الذي قتل، أول من أمس، على قارب دبورة، والرقيب احتياط شلومو يهونتان حزوت، جندي الاحتياط الذي قتل في القطاع. يتم فحص احتمالية أن بن شتريت أصيب بشظايا صاروخ اعتراض تم إطلاقه نحو مسيرة من لبنان كانت تحلق قرب القارب. نصف القتلى في الحرب قتلوا بعد المعارك التي جرت في يوم المذبحة في 7 تشريم الأول. فقط في الأيام التسعة الأخيرة قتل 12 جندياً، من بينهم خمسة جنود في نهاية الأسبوع. في الضفة الغربية، قتل في هذه الفترة مواطن إسرائيلي في عملية تفجير.
الثمن الدموي في القطاع وبدرجة اقل في الشمال بقي مرتفعا جدا. عندما يتم التأكيد على الحاجة إلى عقد صفقة ووقف إطلاق النار، فإن الحديث لا يدور فقط عن إنقاذ المخطوفين، بل وقف النزف الكبير والمستمر في حياة الجنود. تقوم إسرائيل بدفع ثمن باهظ في حرب تجد صعوبة في حسمها، تستمر في التوسع إلى ما لانهاية.

عن "هآرتس"

 

 

 

Loading...