محاولات استكمال المخطط القديم الجديد لتصفية مشروعنا التحرري

شارون وبن غوريون 1971

 

 

 

إن ما يجري اليوم لا يمثل عمليةً عسكريةً موسعة بالضفة، إنها بدايات مرحلة متقدمة بالتوازي مع الإبادة والتهجير والتجويع الجاري في غزة ضمن مخطط الحسم المبكر لتصفية المشروع التحرري الوطني الفلسطيني وإقامة دولة يهودا في إطار رؤية المشروع الصهيوني لدولة إسرائيل الكبرى وتنفيذ الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط.

المشروع الصهيوني منذ وضع رؤيته وتطوره العملي اللاحق منذ عام 1948، لا يتعلق بحياة اليهود أو تحررهم من الاضطهاد الأوروبي على الإطلاق،

إنه مشروع استعماري غربي يخدم أجندة الأنجلو ساكسونيين بهدف الحفاظ بالسيطرة على الشرق الأوسط للأسباب التي أشرت لها بمقالات سابقة.

فباسم حماية حياة اليهود وإنشاء بلد آمن لهم، أنتج هذا المشروع الصهيوني الكولنيالي في الواقع انعدام الأمن الدائم ليس فقط لنا نحن الفلسطينيين، وإنما لليهود الذين أتوا بهم مستوطنين في فلسطين وتوريطهم في جرائم إبادة شعب آخر، وعدم استقرار المنطقة.

أمّا المجتمعات الغربية التي تخلصت من هذا العبء الثقيل الذي كان قد لحق بها خاصة بعد مظاهر معاداة السامية هنالك وجريمة الهولوكوست التي شملت الشعوب الأوروبية ومن ضمنها اليهود والمسيحيين الأوروبيين. فقد خُدع بعضها القليل وتورطت الأخرى قصداً في معادلة إنشاء إسرائيل التي فرضتها الحركة الصهيونية العالمية تحت ذريعة الدفاع عن حقوق وحياة اليهود واعتبارهم شعباً بلا أرض.

والان ورغم وضوح مشروع نتنياهو بشكل كامل، الذي يشتق موضوعها عناصره من خطة شارون التي تقدم بها 2005 للرئيس محمود عباس الذي أعلن والقيادة الفلسطينية رفضهم القاطع لها في حينه. حيث كان شارون قد دعا بها إلى "استقلالية قطاع غزة" و"إقامة جيوب سكانية لحكم ذاتي بالضفة الغربية" تحت السيطرة الإسرائيلية، مع فصل الوحدة الجغرافية بين "جيوب الحكم الذاتي" والدولة الممكنة في قطاع غزة الذي أصبح غير قابلٍ للحياة بفعل حرب الإبادة والتهجير الجارية، لكنه أصبح قابلاً للاحتلال مرة أخرى اليوم، وهو الأمر الذي دفع حكومة الاحتلال بتعيين حاكمٍ عسكري أو ما يسمى بمنسق أعمال الحكومة الإسرائيلية هنالك يوم أمس.

وقد هدفت خطة شارون حينها إلى فرض حلول جزئية على شعبنا الفلسطيني، كانت تقوم على أساس فرض أمر واقع جديد دون العودة إلى المفاوضات حول القضايا النهائية الجوهرية مثل المياه، الحدود، القدس، واللاجئين بحسب اتفاق أوسلو آنذاك.

وهي خطة تمثل رؤية إسرائيلية تعكس توجهات المجتمع الإسرائيلي بشكل شبه مطلق، تركز على الحفاظ على المستوطنات وتوسيعها والسيطرة الأمنية مع تقليل الاعتماد على ما يسمى حكم ذاتي مباشر للمناطق الفلسطينية على أرض تشبه قطعة الجبنة السويسرية كما وصفها الرئيس أبو مازن قبل أعوام أمام مجلس الأمن.

وبموجب هذا المشروع، كانت الأراضي الفلسطينية ستقسم إلى مناطق متفرقة غير متصلة جغرافياً، مما يحد من إمكانية إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة ومتواصلة، من خلال تقليل حجم الأراضي الخاضعة للحكم الذاتي الفلسطيني إلى أقصى حد ممكن، وضمان استمرار السيطرة الإسرائيلية على جزء كبير من الضفة الغربية.

قد يراها البعض مشروعاً طوباوياً غير ممكن التنفيذ ومرتبط فقط بنتنياهو وتحالفه اليميني اليوم، وسينتهي بانتهاء الحكومة الراهنة. ولكن الحقيقة السياسية تقول خلافاً لذلك، فقرار الكنيست قبل أشهر كان بإجماع الكتل اليهودية الصهيونية دون أي استثناء، الذي اعتبر أن وجود دولة فلسطينية في الضفة والقطاع وعاصمتها القدس المحتلة يشكل تهديداً وجودياً، فقد كان القرار يمثل الوجه الآخر للضم والتهويد وإقامة جيوب الحكم الذاتي التي أشرت لها وإعادة احتلال قطاع غزة.

إن مشروع نتنياهو الخاص اليوم، والمشتق من رؤية غابوتنسكي، بإلغاء الهوية القومية الفلسطينية، شعباً وكياناً وهوية، لم يعد مشروعاً خاصاً أو "حلماً" صهيونياً، بل مشروعاً قد تم تنفيذ جزءٍ كبيرٍ منه في الضفة والقدس سابقاً ويتم استكماله اليوم دون اعتراض مما يسمى بالمعارضة الإسرائيلية التي لا تملك برنامج لإنهاء الاحتلال أو حتى الأبرتهايد.

هذا المشروع ما زال يُعتبر جزءً من استراتيجية إسرائيلية أوسع لمنع قيام دولة فلسطينية متكاملة ومستقلة، وقد يراه البعض منهم كمحاولة لتجنب الضغوط الدولية للتوصل إلى حل شامل للصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

لكن هذا الأمر القائم الآن لن يدوم برأيي طويلاً فالوقائع بالعالم تشهد متغيراتٍ كما والتاريخ يشهد على سقوط إمبراطوريات وصعود دول وتحرر شعوب رغم محاولات امتلاك وتشويه التاريخ ونشر الظلم وكل عناصر الاضطهاد.

لكن يبقى السؤال اليوم، أين نحن مما يجري، وإلى أين نحن ذاهبون في رؤيتنا واستراتيجيتنا المفترض وضوحها ووجودها؟ ولماذا يتأخر تنفيذ الاستحقاقات المفترض معرفتها والتي تُمليها علينا المسؤولية والمصلحة الوطنية العليا لمواجهة ذلك برؤية وبرنامج وأدوات واضحة موحدة قابلة التنفيذ تُفضي إلى حماية شعبنا وصموده والتصدي لهذا المخطط القديم الجديد وإفشاله للوصول إلى حقنا بتقرير المصير والاستقلال الوطني.

 

 

 

Loading...